السلطة التنفيذية: وهي تشمل كل من يباشر عملاً تنفيذياً في إدارة البلاد،
كالحاكم، ووزرائه، والجباة، والعرفاء .. وغيرهم ممن يباشر عملاً قيادياً تنفيذياً
ـ مهما كانت مرتبته ـ في إدارة وقيادة شؤون البلاد والعباد.
هذه
السلطة التنفيذية كما هي متماسكة من الناحية الإدارية التنظيمية، كذلك فإن عناصرها
يتمتعون باستقلالية تامة وهم يؤدون مهامهم، وعملهم .. لأن الواحد منهم في عمل
تعبدي سيُسأل عنه أمام الله .. قبل أن يكون في عملٍ وظيفي سيُسأل عنه من قبل
الناس.
قال
رسول الله r:" ألا كُلُّكُم راعٍ، وكُلكُم مسؤولٌ عن رعيَّتِه؛
فالإمامُ الأعظمُ الذي على الناسِ راعٍ وهو مَسؤولٌ عن رعيتِه، والرجلُ راعٍ على
أهلِ بيتهِ وهو مسؤولٌ عن رعيَّتِه، والمرأةُ راعيةٌ على أهلِ بيتِ زوجِها وولدِه
وهي مسؤولةٌ عنهم، وعبدُ الرجُلِ راعٍ على مالِ سيِّدِه وهو مسؤولٌ عنه، ألا
فَكلُّكم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيَّته"متفق عليه. ومن لوازم المسؤولية؛
أن يكون المرء مستقلاً في عمله، فلو جاز للحاكم أن يتدخل في كل شيء، وأن يكون مسؤولاً
مباشراً عن كل شيء .. لانتفت المسؤولية عن الآخرين .. ولأصبح المسؤول عن الأشياء
والمهام كلها هو شخص الحاكم وحسب .. وهو بخلاف ما دل عليه الحديث أعلاه، حيث
قال:" ألا فَكلُّكم راعٍ وكُلُّكُم مسؤولٌ عن رعيَّته ". أي مسؤول عما
استرعاه الله إياه في الدنيا والآخرة.
وقال r:" ما مِن عبدٍ يَسترعيهُ اللهُ
رعيَّةً، فلَم يُحِطْها بِنُصحِه لم يجدْ رائحةَ الجنَّةِ "متفق عليه. فقوله
" ما من عبد "؛ صيغة نكرة تفيد العموم؛ أي أي عبد؛ سواء كان موظفاً
كبيراً، أم موظفاً صغيراً .. وقوله " يَسترعيهُ اللهُ رعيَّةً "؛ أياً
كان كم ونوع هذه الرعية .. كانوا عشرة أكثر أم أقل .. أو كانوا طلاباً وتلاميذاً
في مدرسة .. أو عمالاً في مصنع .. ثم هو " لم يحطها بنصحه "؛ أي
برعايته، وبذلك المستطاع في دفع المكروه عنها، وجلب المنافع والمصالح لها ..
" لم يجدْ رائحةَ الجنَّةِ ". وهو ـ كما ذكرنا من قبل ـ حتى يحيطها
بنصحه، ويمارس مسؤولياته .. لا بد من أن يتمتع باستقلالية تامة في عمله .. وإلا
لما كان راعياً .. ولا كان مسؤولاً!
ونحوه الحديث، في صحيح
مسلم:" ما من عبدٍ يَسترعيَه اللهُ رعيَّةً، يموتُ يومَ يموت وهو غاشٌ
لرعيَّتِه، إلا حرَّمَ اللهُ عليه الجنَّة ". فله نفس دلالات الحديث الوارد
أعلاه.
ولكي تتضح
المسألة أكثر، أضرب المثال التالي: جُباة الزكاة؛ الذين يجبون الزكوات المستحقة
على الناس .. لا يحق للحاكم أو الرئيس أن يتدخل في عمله، فيقول له: خذ من فلان،
ولا تأخذ من علان .. أو خذ من فلان أقل من فلان .. إذا استويا في النصاب .. ولو
أمره بشيء من ذلك لا يجوز له أن يُطيعه .. وذلك أن عمله ـ كما قدمنا ـ له بعدين؛
بعد متعلق بحقوق العباد .. وبعد متعلق بحق الله عليه .. ولا بد له من أن ينجذ عمله
على الوجه الذي يُرضي الله U .. وفي الحديث، فقد صح عن النبي r أنه قال:" مَن أمركُم من الولاة
بمعصيةٍ فلا تُطيعوه "[[1]].
خلاصة القول: حتى السلطة التنفيذية فيما بينها ..
هناك استقلالية تامة بين عناصرها .. وهذا لا يمنع ـ ولا يتعارض ـ مع مبدأ محاسبة
ومساءلة المقصر منهم .. من خلال قضاء مستقل ونزيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق