الاثنين، 13 يناير 2014

مفهوم التراث في الفكر العربي المعاصر التعامل مع التراث المصرح المغربي تجليات الترات



يمكن تشييد المستقبل بدون اعتبار تجليات الماضي و أخطاءه و ترسباته فالعودة إلى الأصل هو السعي إلى ولادة ما فالولادة في جميع معانيها لا تعنى البداية من الصفر بل هي سيرورة ينخرط فيها الإنسان بدون وعي منه حتى ما نعتقده بداية أوأصلا لبداية هو أيضا يسعى إلى أن يثبت انه هو الأصل الوحيد لجميع البدايات لذلك فمن الضروري أن نعيش البداية الغريبة المعالم كانطلاق و ليس كنوستالجيا أو مقدس و كما قال البيركامي في كتابه " كائن لا تحتمل خفته" و هذا نقلا عن نيتشه : " لو قدر للثورة الفرنسية أن تعود مرات عديدة لكان الفرنسيين اقل فخرا " برويس بيير" فالعودة الدائمة للوراء ليس محمودة بل ينبغي أن نطور التراث بدل البكاء على الإطلال فالمسرح لا يستثنى من هذه القاعدة إزاء ما يعرف بالتراث فعلى اختلاف أنواعه و أشكاله يبقى التراث مبعث فخر و اعتزاز ففي الصين و في احد أكبر مسارحها توجد لافتة مكتوب عليها بالخط العريض " إذا أردت أن تعرف شعبا من الشعوب حضارة من الحضارات امة من الأمم فانظر في مسرحها" لان صناعة الفن هي صناعة الحضارة فإلى أي حد يمكن اعتبار أن الفن استمرار حضاري ؟ و هل العودة إلى الماضي ضرورة لبناء المستقبل ؟ أو بمعنى أخر هل من الممكن أن نتحدث عن مسرح " عربي" يحمل الأصالة في طياته أم ينبغي أن نقرنه بالتجارب السابقة الغربية و سوف نأخذ المسرح المغربي كنموذج.
المحور I : ما هو التراث في الفكر العربي المعاصر؟
1-1          – التراث في المفهوم الغربي
1-2          1-2 – مفهوم التراث الشعبي المغربي
المحور II : كيف نتعامل مع التراث؟
1-1          – المسرح المغربي و التراث أية علاقة ؟
1-2          – تجليات التراث في الأعمال العربية .
أولا : مفهوم التراث في الفكر العربي المعاصر
إن مفهوم التراث في الفكر العربي المعاصر يبدو واحدا من أكثر المفاهيم تجريدا و إثارة اللبس و الإبهام فنحن لا نستخدم التراث استخداما واحدا  و بالمعنى نفسه دوما و إنما نستخدمه على أنحاء متعددة متفاوتة في الدقة و الوضوح فهو تارة " الماضي" بكل بساطة و تارة العقيدة الدينية نفسها و تارة الإسلام برمته وعقيدته و حضارته و تارة التاريخ بكل أبعاده ووجوده (1) يعرف الجابرى التراث قائلا ( إن لفظ التراث قد اكتسى في الخطاب العربي الحديث و المعاصر معنى مختلفا ومباينا ان لم يكن مناقضا لمعنى مرادفة (الميراث) في الاصطلاح القديم  ذلك انه بينما يفيد لفظ ( الميراث) التركة التي توزع على الورثة و أو نصيب كل منهم فيها أصبح ( التراث) يشير اليوم إلى ما هو مشترك بين العرب أي إلى التركة الفكرية و الروحية التي تجمع بينهم و تجعل منهم جميعا خلفا لسف و هكذا فان كل الإرث أو (الميراث) هو عنوان اختفاء الأب و حلول الابن محله فان (التراث) قد أصبح بالنسبة للوعي العربي المعاصر عنوانا على حضور الأب في الابن حضور السلف في الخلف حضور الماضي في الحاضر ... ذلك هو مضمون التراث الحي في النفوس الحاضر في الوعي (2) فإذا كان التراث هو إنتاج فترة معينة تقع في الماضي و تفصلنا عن الحضارة المعاصرة و الحضارة الغربية الحديثة فانه ينظر إلى التراث على انه شيء يقع هناك (3) إلا أن هذا الذي يقع هناك له حضور فينا الآن و له تأثير عميق في حياتنا فالتراث لا ينبغي نفهم منه ما قد تبث أو جمد عند مرحلة سابقة معينة من مراحل تطور المجتمع الذي ينتمي إليه التراث أو ما اقتصر على أخذه من إحدى الثقافات التي سادت المجتمع في فترة معينة (4) و يرى محمود أمين العالم أن التراث ليس هو التراث المكتوب فحسب
(1) – فهمي جدعان : نظرية التراث و دراسات عربية و إسلامية أخرى دار الشروق عمان الأردن. ط 1 . 1985 .  ص 16
(2) -  البابري . المرجع السابق. ص 24
(3) – المرجع نفسه . ص 30
(4) – صلاح قنصوه : فلسفة العلوم الاجتماعية. مكتبة الانجلو المصرية . القاهرة ط 1 . 1987 . ص 234
بل التراث بمعناه الحي بمعناه الحي الشامل المتحقق في مختلف أشكال التعبير الفكري أو الأدبي أو السلوكي عامة بل أضيف إليه كذلك التراث الشعبي (5) ذلك للان البعد الشعبي من التراث هو أكثر الأبعاد الثقافية تأثيرا بما ينطوي عليه من قواعد للنظر و السلوك و اتخاذ المواقف في اللحظات المختلفة ابتداء من طقوس الميلاد حتى شعائر الدفن (6) إن التراث بغير شك موجود قائم متحقق بالفعل موضوعيا و ماديا في النص في الفكر في الممارسة في السلوك في أشكال تعبيرية قولية أو حركية أو مادية و التراث موجود قائم متحقق كذلك بالفعل زمنيا في لحظة تاريخية و يذهب محمد عزيز الحبابي إلى أن التراث و الماضي بصفة عامة هو القسط من التاريخ الذي تحقق فنحن في سيرورة و مافينا يتبعنا انه حقيبة السفر ذاكرة ( الأنا الاجتماعي) خزينة الذكريات و التجارب و العادات و الأعراف فلكل فرد قدرة على التذكر و التخيل تفترض وجود ذاكرة أي تفترض ماضيا مختزنا إن الأنا ل يتخيل إلا إذا تذكر إلا إذا انطلق من رؤية سابقة فالذي يفقد ذاكرته يعيش بلا ماضي يدخل في خبر كان لا يعود له حال أو بالأحرى لن يكون له مستقبل فبلا فكرة عن الماضي عن ماض ما لا يستطيع الفرد أن يصمم أي مشروع للمستقبل كما يعتبر الحبابي إن ماضي أي امة لا ينحصر في التراث المكتوب بل يتداول أفعال سلوكية موروثة و أنماط من حياة الوجدان و التفكير و أنواع من المعايير و مجموعة من القيم و المعاملات (7) و يتفق هنا مع محمود أمين العالم في رؤيته للتراث أما عبد الله العروي فيعرفه قائلا ( عندما نقول : المورث أو التراث  فإننا نشير إلى مجموعة من الأشكال الكلامية أو السلوكية انحدرت إلينا من الأجيال السالفة و في نطاق التراث تنساكن المنجزات على مستوى واحد لا يضاف أي قسم منها إلى شخص بعينه و لا يمتاز جزء عن الأخر بكونه أقدم و اعرق و بالتالي تعنى كلمة تراث كل ما هو مورث في مجمتمع معين عن الأجيال الغابرة : العادات و الأخلاق و الآداب....(8)
(5)- محمود أمين العالم . الوعي و للاوعي الزائف في الفكر العربي المعاصر دار الثقافة الحديثة القاهرة ط 1 1989 . ص 68.
(6)- رفعت سلام بحث عن التراث العربي نظرة نقدية منهجية الهيئة المصرية للكتاب ط 1 . 1990 . ص 67 .
(7)- محمد عزيز الحبابي : مفاهيم مبهمة في المكر العربي المعاصر دار المعارف القاهرة ط 1 . 1990 ص 87.88
(8)- عبد الله العروي :         في ضوء التاريخ المركز الثقافي العربي المغرب – بيروت ط 2 . 1988 ص 191-192
1-1 التراث في المفهوم الغربي
حسب sidny hortland  فالتراث بمعناه العام : " هو تلك الدائرة الكاملة من الفكر و الممارسة و العرف و المعتقدات و الطقوس و الحكايات و الموسيقى و الأغاني و الرقصات و سائر التسليات الأخرى  و فلسفة الخرافات و السنن التي تنتقل مشافهة من جيل إلى جيل عبر عصور غير مذكورة و باختصار هو ذلك  الكل من الظواهر السيكولوجية للإنسان  غير المتحضر. و يفهم من هذه النظرة الغربية للتراث انه كل ما ينتقل عبر الأجيال و بذلك تصبح جميع النشاطات الإنسانية تراثية.
لكن يلاحظ استعمال مصطلح " فلكلور" بكثرة في المفهوم الغربي للتراث هذا المصطلح مكون من كلمتين " فولك" و تعني العامة من الناس " ولور" و تعني الحكمة و المعرفة و قد اعتمده أول الأمر الكاتب الانجليزي وليام جوذ تومز و اقترحه كاسم يميز حقل دراسة العادات و التقاليد و الممارسات و الخرافات و الملامح و الأمثال .
و قد بدا الاهتمام " بالفلكلور" في أرويا منذ القرن 19. حيث ظهرت مجموعة من الجمعيات التي اختصت بدراسة الفلكلور بأوروبا ثم تطور المصطلح في القرن 20 بأمريكا و أوروبا ليشمل جميع الفنون الشفوية و الموسيقى و الرقص و المعتقدات و العادات و التقاليد و المنتجات الشعبية. و بذلك اخذ الفلكلور مكانته إلى جانب العلوم الإنسانية الأخرى. فالتراث في المفهوم الغربي هو ذلك الفلكلور أي الكيان الإنساني الذي يحتوي مجموع النشاطات التي عرفها الإنسان في مجتمعات سابقة و التي تصلح كمصدر لمعرفة ماضي هذه المجتمعات و أهم خاصية للفلكلور الغربي انه وسيلة الانتقال عبر الأجيال حيث ينتقل من شخص إلى أخر شفويا ليدل على التراث الشفوي ترسخ في أفواه الناس لعدة أجيال و بذلك يكون متوازيا يستمر وجوده بين الناس .
(9)- حافظ الأسود – عالم فكر 1987 – ص 271 . مأخوذ من كتاب مكنز التراث الشعبي المغربي ص 28.
مفهوم التراث  الشعبي
إن كلمة " الشعبي" التي يصف بها التراث لا تعني – على الإطلاق أن ذلك التراث هو نتاج الطبقات الشعبية أو العامة و لكنها تشير إلى انه نتاج الشعب كله مهما تباينت فئاته و طبقاته و بيئاته و مراحله التاريخية (10).
إن التراث الشعبي المغربي هو " الموروث الشعبي من أفعال و عادات و تقاليد و سلوكات و أقوال تناول مظاهر الحياة العامة و الخاصة طرائف الاتصال بين الأفراد و الجماعات و الصغير و الحفظ على العلاقة الودية في المناسبات المختلفة بوسائل متعددة و الاحتفال بالمناسبة التي يبدو من طرائفها عدد كبير من معتقدات الشعب الدينية و الروحية و التاريخية". (11).
و التراث المغربي لا يمكن فصله عن المجتمع فهو حصيلة خبرة راكمها أبنائه من خلال خلق أسلوب في العيش و نظرة للوجود تميزهم عن سواهم و هو أساسا مساهمة مشتركة بين جميع أفراد المجتمع في تحقيق ذلك المزيج من العادات و التقاليد و القيم الأخلاق و المشاعر و القصص و الأمثال و الأشعار و الفنون و الصناعات التي يكتسبها الإنسان بوضعه عنصرا فاعلا في المجتمع إن دلالات التراث الشعبي إذن تتسع لتشمل جميع نتاج الأوائل في الماضي و تجده مستمرا في وقتنا الراهن من هنا فهو الجسر الوحيد الإدراك الصورة الحقيقية للمجتمع من خلاله سلوكياته و ما يخضع له من تأثير و تأثر ناجم عن التفاعل مع مجموعة من الظواهر لنفق في النهاية على الخصائص التي تميزه كمجتمع عن سواه و التي ينتجها نفسه بنفسه.
(10)- الجوهري محمد : دراسة في الانتروبولوجيا  النفافصة – دار المعارف القاهرة م1 ج1 – ط1 – 1978 ص 60/61
(11)- بدير حلمي : اثر الأدب الشعبي في الأدب الحديث – دار المعارف – القاهرة ط1. 1986 ص15 .
ثانيا : كيف نتعامل مع التراث
إبان فترة السبعينات في بالمغرب كانت هناك بوادر لمحاولات تنظيرية في المسرح و تمثلت في المسرح الاحتفالي و رائده أستاذنا الكبير عبد الكريم برشيد و المسرح الثالث و رائده المسكيني الصغير و مسرح المرحلة ورائده حوري حسين و النفي و الشهادة لمحمد مسكين.
و لقد ارتبطت البداية الفعلية للمسرح المغربي بالنص العربي المشرقي و بالمسرح الغربي على الطريقة الايطالية و رغم أنها كانت تقوم على التقليد و اجترار نصوص جاهزة فان من أهم انجازاتها حرص الرواد المسرحيين أمثال عبد الكريم برشيد على اقتحام مجال الكتابة و إنتاج نصوص ساهمت في إثراء المشهد المسرحي المغربي و اغناء الساحة الفنية مادام برشيد ينهل من التراث فيكفي أن نتوقف أمام نصوصه كمثال على ذلك " عطيل و الخيل و البارود " و " امرؤ القيس في باريس " بعد فترة الحماية اعتمد المسرح المغربي استراتيجيات عديدة جعلته يتأثر بين تقليد النموذج العربي و محاولة تجاوزه كما تجسدت معظم انجازاته في أعمال مقتبسة أو مؤلفة إلا أن هذه الأخيرة كانت تنحاز في الغالب إلى نسخ الكتابة المولييرية او غيرها من الكتابات الدرامية الطليعية كمسرح العبث الذي قدم في طياته مغربية على يد الطيب ألصديقي ( في انتظار مبروك = في انتظار غودو و مومو بوخرجة = اميدي ( يونسكو ) (12).
من هنا يمكن القول بان أسئلة المسرح كانت تنحصر في إيجاد نص و بما أن المسرحيين المغاربة كانوا على دراية بفنيات الركح و الإخراج فقد ضلت الكتابة الدرامية بمفهومها العام تنصب في عوالم و تقنيات مستوردة من الغرب و إن حاول الطيب ألصديقي أن ينسلخ عنها عندما لجأ إلى ابتكار صيغة مسرحية تستمد أدواتها من الإشكال الفر جوية كالحلقة و " لبساط"
(12)- حسن المنيعي – مسارات من التاريخ المسرح المغربي . ط1 . ص29
(13)- نفسه ص29
أول تجربة في هذا المجال مسرحية سيدي عبد الرحمن المجدوب (13) على ضوء هذا التوجه حاول بعض المسرحيين الهواة في بداية السبعينات طرح سؤال هوية الكتابة الدرامية انطلاقا من تنطيرات جعلت بعضهم يروج لمسرح مغربي يعتمد كتابة توفق بين ما هو أصيل و تراثي و بين ما هو غربي دخيل بينما دفعت البعض الأخر إلى تحقيق قطيعة مع المسرح الغربي و ذلك بمحاولة الإجابة على أسئلة عديدة لها ارتباط و وثيق بالممارسة المسرحية المغربية و بأفق تأصيلها و تحديثها وفق جدلية سيرورة التاريخ و خصوصية الواقع المغربي إن مراعاة هذه الجدلية هي التي حملت المسرحيين الهواة على إعادة النظر إلى النص و إلى افتراض منطلقات أدبية و فنية لبلورة خصوصية مغربية وفي هذا الصدد ترى احتفالات عبد الكريم برشيد " أن التراث يمثل ذاكرة الشعب و انه ليس من الضروري إضافة أي جديد و لكن خلق مسرح جديد يستلهم التراث و يعمل على إحداث ثورة في الذوق العربي " (14) لذا فالمسرحية باعتبارها أداة تواصل " ليست هي النص و لكن ما يمكن أن يصير إليه هذا النص إن مشروع الكتابة الدرامية لدى الاحتفالية تفترض أن يكون للنص " حالات من الوجود كما هو الشأن بالنسبة للإنسان في حقيقته و جوهره" (15)
في نفس الاتجاه يرى المسرح الثالث و منظره المسكني الصغير أن التعامل مع التراث المحلي أو القومي لابد أن تكون له غاية واحدة إلا و هي " التغيير الذي يعتبر شرطا أساسيا في التعامل مع التراث المغربي و العربي و الارتباط بجميع أنواع المسرح في حدود ممكنة أهمها إخضاع النص إخراجا و مضمونا و توظيفه في عملية التشخيص المبنية على منهجية لا ترفض قانون التغيير " (16) انطلاقا من هذا التصور اعتمدت الكتابة في المسرح الثالث على التاريخ
(14) حسن المنيعي – مسارات في تاريخ المسرح المغربي – ص 30
(15) نفسه ص 30
(16) نفسه ص 30
فالتراث لدى المدرسة المسكينية هو مرادف للتاريخ انه ذاكرة الحدث الدرامي (17) كما ينظر المسكيني إلى التراث نظرة انفتاح و ثورة في نفس الوقت فيما يهمه بدرجة كبيرة هو ما مدى استجابة لمتطلبات الجمهور مؤكدا العصبية التفاعلية بين العرض و التلقي حيث لا يحصى مسرحه في تراثي محدد بل يجعل التراث الإنساني عامة " عربي – إسلامي – إفريقي – عالمي " كما أعطى هذا الاتجاه الأولوية للواقع بكل ما يقوم عليه من تناقضات و هذا ما جعل من كتابه المسكيني كتابة ايدولوجية تأصيلية يتحكم فيها ثالوث التاريخ و الزمان و المكان باعتبارهم دعامة للنص الذي يجب ان يقوم على رؤية فكرية ترتبط بصراع الإنسان الشعبي و طموحاته (18)على عكس هاذين الاتجاهين ( الاحتفالية و المسرح الثالث ) يعتقد محمد المسكين إن القيمة التراثية بالنسبة للمسرح العربي " لا تكمن في التعامل مع التراث الذاتي و لكن في ضرورة التواصل مع الأخر الذي هو المتلقي " و لتحقيق هذا التواصل رفض " مسرح النقد و الشهادة " كل كتابة مهاذنة و افتراض بديلا عنها " كتابة تملك قدرة التدمير سواء على المستوى الاديولوجي أو الجمالي أو المعرفي " أي كتابة إبداعية " تخضع البعد المعرفي لقراءة جمالية " لأنها كتابة مغايرة تسعى إلى التموقف من ذاتها و من الواقع و التاريخ" (19) و بالتالي فإذا كان التاريخ يوازي التراث فان محمد المسكين لا يرفض التعامل معه و إنما رفض الخضوع لصلصيه كما يقول أي " إسقاط أبعاده على الحاضر و هذا ما يجعل كتابته الدرامية تحرص على مناقشة هذه الأبعاد لتفكيكها و إعادة تركيبها باعتبارها كتابة " تمثل الإنسان و الواقع و ترتبط بهما و تبلور هذا الارتباط بلورة إبداعية (20)
(17) عبد المجيد شكير " المسرح المغربي قراءة في أوراق التنظير" ص20 مجلة الثقافة المغربية
(18) حسن المنيعي – مسارات في تاريخ المسرح المغربي ص 31.
(19) نفسه ص 31
(20) نفسه ص 31
و أيضا يؤكده محمد المسكين في أعماله على أن جل الأعمال العربية منذ مارون النقاش هي أعمال نكوصية " الخطاب المسرحي التنظيري خاصة مارون النقاش حتى الآن هو خطاب دفاعي / نكوصي يبحث عن مبررات وجوده في الماضي / الذاكرة / التراث " (21) فهذا الطرح النقدي للتراث لا يعطينا الحق أن نفهم محمد المسكيني على انه يرسم قطيعة مع التراث بل يرى بان الأركان إلى التراث وحده لن يضفي قيمة على الأعمال المسرحية فعلينا أن ننفي شيئا و نشهد جميعا لحظة الولادة في إطار منفتح على جميع التجارب " إن تجربة المسرح النقدي و هي تبني مقولاتها الخاصة وسط هذا المد التنظيري كانت ترى التراث من خلال تجاوره مع التاريخ عنصرا يضفي على العمل المسرحي طاقة حركية تثير اهتمام المتلقي ما دامت الأساطير تخول التأويل الحي " (22) و يبقى السؤال المطروح الآن كيف سوف نتعامل مع التاريخ ؟ و هل جميع المواد التاريخية صالحة أن تكون الأعمال المسرحية ؟
بطبيعة الحال ليست جميع المعطيات تاريخية صالحة أن تكون الأعمال المسرحية قد لا يكون المشكل كيفية إعداد هذا التاريخ ليصير ذا شكل مسرحي بل قد تكون اديولوجية المادة التي تشتغل عليها لاتتناسب مع معتقداتنا أو قد تكون هذه المواد قد استنفدت صلاحيتها لان تعود لحاضرنا و هذا جواب على السؤال الذي طرحناه في المقدمة فهذا ما أرق جميع الباحتين في التراث حيث لعب النقد دورا هاما في التعامل مع التراث و هذا ما أشار إليه محمد المسكين فيما يخص التراث حيث يجب التعامل معه من منظر نقدي و كتجربة إنسانية تختزن عددا لا متناهيا من الدلالات الحضارية و الإنسانية " (23)
(21) عبد المجيد شكير : " المسرح المغربي قراءة في أوراق التنظير" ص27 – مجلة الثقافة المغربية
(22) نفس المرجع ص30
(23) مجلة الثقافة المغربية : يونس الوليدي " استلهام التراث في المسرح الهاوي المغربي – ص 105 / عدد 8 مايو 1999 بوزارة الثقافة المغربية ص 134 .
كما أن الحسين حوري لم ينأى عن هذه القاعدة حيث فتح مسالة التراث بين قوسين و أشار إلى نقطتين مهمتين هما هل التراث ينحصر في الكتابة الدرامية آم انه يتجاوزه إلى التأثير في آليات الاشتغال.
من المستبعد حقيقة أن نفصل المسرح عن التراث الإنساني و هنا سنجيب على سؤال التأصيل و لو بشكل مختصر هو ما قد أشارت إليه هو أن الإنسان داخل سيرورة معقدة من الصعب أن يدرك البدايات هذا لا يعني انه قادر على أن يخلق بداية بل بقدر ما يعني انه ملزم أن يجد نفسه داخل هذه السيرورة و كذا المسرح فعندما يتعامل مع تراث بذاته لا يعني انه ينفعل عن تراثات متعددة . إذا فمسالة التأصيل هي صعبة " و ليست مستحيلة" فالمسرح متجدر داخل التاريخ بشكل كثيف قد يتساءل احدهم لهذا هو صعب القبض على البداية مادام جميع الباحثين قد اجمعوا على ان المسرح يوناني النشأة هنا يجيب الدكتور عبد الكريم برشيد في كتابه الكائن و المتحول : " لقد خدعونا عندما قالو أن المسرح يوناني النشأة بل المسرح معنا فينا أينما حللنا و ارتحلنا" .
المسرح المغربي و التراث أية علاقة؟
إن العلاقة التي تجمع المسرح المغربي بالتراث هي علاقة أزلية حتمية فالصحيح إن المسرح المغربي على غراره من المسارح العربية قد تأثر بالغرب إلا انه يرتكز على مورث فني محض و هنا تجدر الإشارة إلى الأشكال الفر جوية كمسرح الحلقة و مسرح البساط و احتفال سلطان الطلبة التي تشكل مرتعا خصبا ينهل منه المسرحي حاجته الفنية.
تجليات التراث في الأعمال العربية
بعد أن بينا بان الرواد قد اعتبروا التراث له أهميه كبيرة في مسرحنا و إننا ينبغي علينا أن نتعامل معه بشكل نقدي ما دمنا سنتعامل مع التراث كاستمرار يمكننا أن نرى تجليات هذا الاستمرار في بعض الأعمال العالمية مثل " الدون جوان " لموليير و التي تمثلت في التراث العربي تحث تيمة العدل المستحيل لمسرحية " الزير سالم " عام 1967 فالزير لا يقر بغير استعادة أخيه حيا مطلبا صحيحا فهو يقول : " أريد كليبا حيا " أي انه يريد القتيل حيا و قد جعله يفلسف هذا المطلب العجيب بان التحقيق اكتشاف منطق سلوك الشخصية من اجل تحقيق العدالة ذلك هو القانون الصحيح في رأيه فكليب قد مات غيلة و غدرا و هو في سبيل تحقيق مطلبه يضرب بسيفه في المستحيل و حين يشق سيفه الممكن يرفض قائلا : " العدل الكامل و ما أريد" وهو في سبيل تحقيق هذا المطلب العادل يطلب أن يرتد الزمن فكلما اغرق في الدم أوغل أيضا في استحالة تحقيق مطلبه " و ما يصنعه البشر يتدفق دائما في وجهه وحده و ما أعظم الظلم الواقع من جراء ذلك " (24) .
إن المنطق الإنساني لهذه المسرحية تكفي أن تعتبر كموروث إنساني لأنها لم تتقوقع داخل قومية محددة.
خاتمة
فختاما لا يجب على ممارسي المسرح أن يتعاملوا مع التراث كمفارقة تامة و لا كمحايثة تامة بل أن يوظفوا التراث خدمة للإنسان بشكل عام .
(24) – التراث في مسرح الفريد فرج / لقمان محمود .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق