الاثنين، 24 فبراير 2014

علاقة قبيلة اوسا المغربية ومقاومة الاستعمار الاسباني الفرنسي الانجليزي



ـ قبيلة أيت أوسا والاستعمار:
لقد واكب الغزو الاستعماري للمغرب غزو ثقافي، استهدف دراسة  دقيقة وشاملة للكيان المغربي وبنيات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك علاقة السلطة  المركزية  بالقبائل، اعتمد في ذلك على مجموعة من المتخصصين في علوم مختلفة كما  اعتمد  على هواة بلا تأهيل  : "جغرافيون أصحاب أفكار براقة وموظفون يدعون  العلم  وعسكريون  يتظاهرون  بالثقافة  ومؤرخو الفن يتجاوزون  اختصاصاتهم  وبكيفية اعم ، مؤرخون بلا تكوين  لغوي او لغويون  وأركيولوجيون بلا تأهيل تاريخي"[1].
اعتمد الغزو الاستعماري الفرنسي على مجموعة من المتخصصين في علوم مختلفة  ورغم ما أضفي على مؤلفاتهم  من طابع الجدية والموضوعية، فإن أصحابها لم يتحرروا من النزعة العنصرية والتوجيه  الاستعماري، فهذا هنري تيراس H. Terras  الذي ينطلق في تصوره لتاريخ المغرب  لدى البربر والذي يقول عنهم : "إن الوطن لديهم ليس هو الأرض، أرض الأجداد، بل هو الأصل العرقي" ليستنتج في الأخير  "أن المغرب الذي لم يكن دولة  لم يستطع  قط أن يصبح وطنا وأن مبدأ المصلحة العامة لم يتمكن من النمو والترعرع في هذا البلد الذي سيطرت فيه النزعة القبلية والأنانية وشر  الحكام والذي لم يكن فيه الإخلاص للقضايا العامة سوى مجرد فضيلة فردية"[2].
لقد تعامل  الباحثون المغاربة مع هذه الكتابات الأجنبية بطرق نقدية مستعملين نفس المناهج، كما حاول بعضهم تجاوز وهمية أن تكون الكتابة الاستعمارية عديمة القيمة العلمية، ولم ينكروا أنها  مجهود المعرفة  الضخم لان هذه الدراسات الإنسانية  والاتنوغرافية  تعتبر أن تاريخ المغرب الحقيقي هو تاريخ القبائل المحفوظ في أذهان الأشياخ، لا تاريخ المخزن.

 
يقول عبد الله العروي في نقده لهذه الكتابات الاستعمارية : " اقتنعت بعد تجربة كأستاذ في إحدى الجامعات الأمريكية أن مؤلفات عهد  الاستعمار حول المغرب التي نهملها ونحتقرها لا تزال تؤثر في أذهان الأجانب..." فكرت والحالة هذه أنه من المفيد أن أقدم نظرة على تاريخ المغرب حتى ولو لم آت بأي كشف جديد، مقتصرا على تقديم تأويلات جديدة لأحداث والوقائع."[3]
       1 ـ البدايات الاولى للتسرب الاستعماري بالمنطقة:
إن الطمع الاستعماري بصحراء المغرب الجنوبية الغربية يرقى الى خمس  قرون مضت، فلأول مرة في التاريخ وصل مع نهاية القرن الخامس عشر مغامرون وتجار الى السواحل الصحراوية، وكانوا آنذاك من الاسبان والبرتغال، فقد قدم الاسبان من جزر الكناري ولم يدخروا جهدا في إقامة  مراكز  تجارية لم يكتب  لها الاستمرار لأسباب  مختلفة، وفي مقدمتها  غارات القبائل عليها، وقدم البرتغاليون – واغلبهم مغامرون توقفوا هنا وهم في طريقهم إلى انكولا – إلى جنوب وادي الذهب، حيث اكتفوا بمبادلة الصمغ  والجلود بمواد  مصنوعة، وادعى الاسبان والبرتغال معا بان مجيئهم كان بموافقة تكنة وبدو السواحل، واستمر الحال هكذا حتى كان ظهور السعديين   الذين أخذوا  على أنفسهم طرد الأجانب من جميع سواحل الصحراء حتى مصب  نهر السينغال"[4].
أ ـ التدخل الفرنسي: تعود علاقات فرنسا بالمغرب إلى القرن السادس عشر،  ففي سنة 1533 م أرسل فرانسوا الأول سفارة إلى السلطان احمد بن محمد[5]،  وفي سنة 1559 عقد انطوان  دبوربون ملك  نافار ووالد هنري الرابع معاهدة مع السلطان السعدي المولى عبد الله، وعقدت معاهدة جديدة  سنة 1635  بين لويس الثالث عشر والسلطان المولى الوليد، وقبل مرور  نصف  قرن على دالك  عقد لويس الرابع عشر معاهدة اخرى مع المولى اسماعيل، وفي سنة 1807 استقبل نابليون رسولا خاصا من السلطان المولى  سليمان، وإذا فقد  كان تمة تبادل سياسي وتجاري نشيط  بين البلدين لقرون عديدة[6].

 
تعددت الاطماع  حول المغرب، وكانت اكثرها ضراوة تلك التي كانت لدى فرنسا التي تحتل الجزائر،  وهكذا  تعاقبت الغارات الفرنسية على التراب المغربي خلال الفترة الممتدة ما بين 1844 الى سنة 1870، فبعد ان سحقت حكومة "لويس فليب" جيوش السلطان عبد الرحمن في "معركة إيسلي" على يد "بيوجو"   peugoutوقصفت  "طنجة" واحتلت مدينة "الصويرة"، وقامت بفرض "اتفاقية طنجة 10 سبتمبر1844 " التي التزم فيها السلطان  بعدم مساندة الأمير عبد  القادر ومعاهدة "لالة مغنية سنة 1845" التي رسمت الحدود بين البلدين، فكانت بنودها غامضة أكثر من أية معاهدة أخرى.
فقد اقتصر التحديد فيما بين "البحر وتانييت ساسي" على تعداد بعض  الأماكن التي تفصل  بين الدولتين، يقول البند الرابع من هذه المعاهدة "لا يمكن إقامة حدود ترابية في الصحراء بين البلدين نظرا لان الأرض لا تحرث..." وهكذا تم تعداد القبائل التابعة لهذا البلد وذاك[7].
وقد طالب  السلطان المولى الحسن  فيما بعد بتعيين خط الحدود، لكن يظهر كما يقول هوسر Hauser أن الممثلين الفرنسيين تجاهلوا مقترحات تعيين الحدود سنة 1845 فقد كانت مصلحة فرنسا تقتضي المحافظة  على الغموض القائم[8].
بعد وفاة  وزير الحسن الأول "باحماد" انطلقت سياسة التغلغل نحو الصحراء من الجزائر  شرقا  ومن السينغال جنوبا,
وكان الغموض المحيط بخط الحدود المحدد سنة 1845 وتحركات قبائل  الرحل والأحداث التي نجمت عنها، كلها ظروف ساعدت على ذلك، وقد استغل حاكم الجزائر العام مبرر الدخول  العابر الذي كان يقوم به محاربي القبائل الصحراوية ليحتل واحات كورارة وتوات التي كانت تحت سيادة السلطان.
عمدت فرنسا إلى نهج سياسة استعمارية متعددة  المحاور في محاولة  لربط ممتلكات إمبراطوريتها في افريقيا الغربية مع المناطق الشمالية، في كل من الجزائر  وتونس  وتشمل ذلك في :

 
* العمل الدبلوماسي: الذي اتخذ بعدا ثنائيا لكسب اسبانيا الى جانبها والتنسيق معها  خدمة لمصالحها  المشتركة في الصحراء، في هذا الاطار  تم عقد الاتفاقية  المحددة للممتلكات  الفرنسية  والاسبانية في افريقيا الغربية وفي الساحل الصحراوي وفي ساحل خليج غينيا والموقعة في باريس 27 يونيو 1900، رغبة  منهما في توثيق علائق الصداقة وحسن الجوار  الموجودة بين البلدين[9]، ثم أعقبتها اتفاقية سرية بتاريخ 3 اكتوبر 1904 رغبة منها في تحديد مدى الحقوق وضمان المصالح الناتجة لفرنسا من ممتلكاتها الجزائرية والاسبانية من ممتلكاتها على الشاطئ المغربي[10].
* التسرب التجاري:  اتخذت فرنسا  مجموعة من المراكز على ساحل السينغال، حيث  دعمت التجار الفرنسيين وأصحاب المؤسسات الاقتصادية المنادين بحرية التجارة، ورفض كل الأعراف والامتيازات الممنوحة لرؤساء القبائل، وأمام رفض السكان لهذه  المراكز لجأت فرنسا إلى نهج أسلوب التراضي وشراء ولاء بعض زعماء المنطقة.
ب ـ التدخل الاسباني : اعتمدت اسبانيا في تدخلها للمنطقة على الأسس  التالية :
- الاساس القانوني: يتجلى في الامتيازات التي خولتها لها "معاهدة تطوان" سنة 1860 ومن بينها : السماح باقتناء مركز قديم للصيد بسواحل الصحراء الاطلنتية يدعى "سانتاكروز ذي ماربيكينيا"[11].
وفي سنة 1885  عين "بوني"   bonni  مندوبا لاسبانيا في الداخلة وقد تكونت بعثة اسبانية في جزر الخالدات حيث زارت الكثير من السواحل الصحراوية الواقعة بين وادي الذهب ورأس بوجدور وبلغت إلى مصب وادي درعة، وحاول الحاكم السياسي والعسكري الاسباني  بمنطقة وادي الذهب تعزيز  نفوذ بلاده في الصحراء وذلك عن طريق القيام بعدة زيارات استطلاعية لللمناطق الداخلية بهدف اقناع شيوخها بربط علاقات تجارية.

 
ـ الاساس التجاري: حاول الاسبان  كسب صداقة شيوخ القبائل عن طريق خلق  عدة مشاريع اقتصادية في بلاده مثل بناء معامل متخصصة في صناعة السمك  واستصلاح أراضيهم  الزراعية، لكن كل هذه المشاريع باءت بالفشل، بسبب  تصدي القبائل وامتناعها  عن عقد صفقات تجارية مع الاجانب، وفي هذا الصدد يجدر  بنا ألا ننسى العنصر الديني لان المسألة قد طرحت بدون شك منذ البداية بالنسبة  لأهالي المنطقة  كاحتلال  مسيحي  لأراضي المسلمين  رغم الخطاب الذي اعتمده الأسبان لاستمالة عواطف الصحراويين نحوهم بالتظاهر احيانا بالأخوة  تجاههم، لم يكن بطبيعة الحال صائبا،  وهذا لا يبين سوى جهل الاسبانيين العميق للحقيقة الثقافية التي كانت تميز المجتمعات الإسلامية آنذاك، حيث أن اسبانيا أرسلت سنة 1888 بعض أتباعها رفقة مترجم يدعى "أسبير"   aspaire الى ساحل طرفاية لعقد اتفاق تجاري مع بعض شيوخ القبائل،  واعترض طريقهم أتباع الشيخ ماء العينين، والقوا القبض على 6 أفراد منهم.
ج ـ التدخل الانجليزي:

 
في خضم التحركات السياسية المكثفة التي كانت القوات الفرنسية تنهجها في القرن التاسع عشر، كان لبريطانيا دور دقيق[12]،  حيث  خلفت المحاولات  التي قام بها  كل من جورج كلاس G.Glass سنة 1764 وجون دافيدسون J. Davidson  سنة 1836 لبناء مركز تجاري في السواحل الجنوبية رغبة قوية في نفوس بعض التجار البريطانيين الذين حاولوا  الاتصال مباشرة ببعض اعيان القبائل وشيوخها لربط  علاقات تجارية، ومن هؤلاء التجار نذكر: دونالد ماكينزي D.Makenzie، فقد جاء في تقرير القنصل الامريكي فليكس ماتيوس F. Mathues لن : "هذا المهندس الانجليزي قد زار الساحل سنة 1872 بصحبة مجهز السفن يدعى كامبل Campbell قد زاروا البلاد، فجمعوا المعلومات في طريقهم، وهذا السفر هو الذي  أدى إلى تكوين  شركة  ماكينزي سنة 1875،  وقد اختار ماكينزي منطقة  من الصحراء  بعيدة عن اية منطقة ماهولة ومتوفرة على شروط  جيدة لاستقبال  السفن ومن هنا بدا يتراسل مع شخصين كانا يتمتعان  ببعض النفوذ على جزء من السكان  بالرغم من فقرهما، وقد  قاما ببيع منتوجات متنوعة باثمان مرتفعة للسيد ماكينزي الذي قبلها نظرا لضعف تجربته  او لأنه كان يرغب في تشجيع السكان على القيام بعمليات أخرى على نطاق واسع".
على الرغم من  مشاكل المخزن ومشاغله فقط استشاط السلطان المولى الحسن الاول غضبا واستدعى  وزير بريطانيا بطنجة جون درومنذهاي J. Drummondhay   وابلغه احتجاجه  الشديد على بناء مركز تجاري بساحل طرفاية دون الحصول على إذنه[13].
امام تعنت ماكينزي وعدم مبالاته باحتجاجات السلطان هاجمت قبائل الصحراء مستودعه التجاري سنة 1881، وخربت منشآته واحتج هاي وطالب المخزن  بتعويض عمالي قدره 12 ألف فرنك فرنسي، لكن الحسن الاول رفض الاستجابة لهذا الطلب,
لقد عانى المخزن الشيء الكثير  من محاولات  ماكينزي ولم يتمكن من استرجاع ساحل طرفاية الا في سنة 1895 بمجرد التوقيع على معاهدة مع الحكومة البريطانية التي  اعترفت فيها  بسلطة المغرب في طرفاية والصحراء[14]. 


      

2 ـ صلة أيت اوسا بالاستعمار – المقاومة ما قبل سنة 1934.
إذا لابد  لنا أن نتعرف  إلى نقاط الابتداء الحقة لهذه السنين المثقلات بالأحداث، فانه يتوجب علينا أن نعيد إلى الذاكرة سنة 1830، وهي سنة احتلال فرنسا للجزائر، وسنة 1881 إذ وطدت فرنسا نفوذها  في تونس.      

 
أن المغرب وهو القطر الوحيد الذي  ظل مستقلا  بشمال افريقيا، فقد أثار الإغراء وأصبح مطمح الأطماع والمنافسات الأوربية، فبينما كان المولى الحسن  وهو السلطان العزيز الوحيد من أهل القرن التاسع عشر، يعمل جاهدا في سبيل  وحدة البلاد وإنعاشها،  كان الضغط الخارجي  الذي فرضته أوربا منذ سنة 1873 مما يعقد الأمور ويزيد في جسامة مهمة السلطان، ولما توفي في سنة 1894 انتقل العرش الشريف  إلى ولده عبد العزيز، وكان حدثا في أوائل العقد الثاني من عمره، ولم يكن له من القدرة أو نفاد الشخصية ما يمكنه من خلق الوحدة  التي كانت تلزم البلاد  لتمكنها من الوقوف في وجه  المطامع الأجنبية، وهكذا طبع تاريخ المغرب منذ سنة 1900 بطابع تاريخ الاستعمار الأوربي[1].
لقد كان لاشتداد الضغط الامبريالي على المغرب في نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين دورا حاسما في الدفع بمسلسل المقاومة المسلحة إلى الظهور على الساحة المغربية بعد أن عرف المخزن عدة صعوبات تتعلق بتدهور الأوضاع الداخلية، مما جعله يشعر بصعوبة مواجهة القنصل الأجنبي عموما والفرنسي على وجه الخصوص، وترك الأمر إلى القبائل التي عبرت عن رفضها للتدخل الأجنبي[2]، والحديث  عن مقاومة قبيلة  أيت أوسا  يجرنا إلى الحديث عن جهاد شرفاء زاوية أسا وصدهم للمد المسيحي إبان ظهوره بشواطئ المنطقة،حيت أن زاوية أسا شكلت القاعدة الأولى للتقاليد الجهادية بمجمل منطقة سوس والساقية الحمراء.
تعتبر قبيلة ايت اوسا إحدى القبائل الصحراوية المحاربة، إذ تتوفر على قوة  عسكرية مهمة، وكانت  دائما في حروب متصلة وتأهب مستمر  مع باقي قبائل  المنطقة.
بعد وفاة المرابط الشيخ ماء العينين سنة 1910، قاد من بعده حركة الجهاد ضد النصارى  ابنه احمد  الهيبة  الذي كان على رأس وحدات  القبائل الصحراوية والسوسية، إضافة الى 200 مقاتل من تكنة أغلبهم من لف أيت عثمان، ولقد دخلت هذه الحركة الجهادية في صراع مع الجيوش الفرنسية بمدينة مراكش، وتلقت هزيمة كبيرة في معركة سيدي بوعثمان ؛ وخلال مواجهة المجاهدين  المستعمر الفرنسي سقط احد أبرز رجالات قبيلة  أيت اوسا القائد محمد بن احمد شياهو، إضافة الى كل من لحسن بن حماد الايتوسي والمحجوب بين يحيى وابراهيم بن مبارك[3].

 
لقد لقيت الدعوة الى الجهاد ومقاومة  المستعمر صدى واسعا في اوساط قبيلة ايت اوسا حيث وقفت على قدم وساق دفاعا عن ارض الوطن، ويؤكد جل المبحوثين ان أغلب هجومات  قبائل  الصحراء ضد المستعمر لم تخلو من مشاركة القبيلة، حيث التحمت عدة قبائل من بينها  نذكر: الركيبات، العروسيين، اولاد تيدرارين، اهل الشيخ ماء العينين، إزركيين، ثم أيت اوسا، رغبة منها في مهاجمة قوات فرنسية ترابط بمنطقة نواديبو، فقد نفد المجاهدون هجومهم  ليلا على العدو مخلفين بذلك عدة ضحايا في صفوفه، كما استشهد عدد من المجاهدين  نذكر من قبيلة أيت اوسا احمد محمود  بن عبد الرحمان[4].
         انسحب المجاهدون ليلا حتى لا تتمكن  طائرات العدو من ملاحقتهم خلال النهار  وتحسبا لأي تقدم للقوات  الفرنسية  من شأنه ان يضم تراب القبيلة إلى مناطق نفوذه خاصة وان منطقة أقا تشرف على منطقة القبيلة من الشمال، قامت قبيلة أيت أوسا بشن هجوم على القوات الفرنسية سنة 1932 بمنطقة "حاسي الكرمة" فشكلت هزيمة مؤلمة لفرنسا[5].
       والجدير بالذكر أن سنة 1934 تعتبر بداية إخضاع قبيلة أيت اوسا للحماية الفرنسية، واستمرارا لسنتها  الجهادية  ضد المستعمر رأت قبيلة أيت اوسا ان الفرصة حانت لمجابهة المستعمر من جديد، وهذه المرة المستعمر الاسباني المتمركز بطرفاية.

 
       عندما تبينت  النوايا الحقيقية للقوات الاسبانية  في إخضاع المنطقة والتوغل داخليا، فكرت قبيلة ايت اوسا بتكوين "غزي"  يتجه نحو الساحل،  وقد لقيت فكرة مجابهة المستعمر الاسباني معارضة القائد محمد ولد الخرشي احد أبرز رجال القبيلة، ومعارضته هذه جاءت  نتيجة لاقتراب القوات الفرنسية من ارض القبيلة، وتخوفه من زحفها نحو المنطقة،  لكن القبيلة  أصرت على مواجهة المستعمر الاسباني،وفي منطقة "تويدرارت" واحتدم القتال بين القبائل الصحراوية والمستعمر الاسباني، والتي انتهت مخلفة  عددا كبيرا من القتلى  في صفوف القبيلة نذكر من بينهم القائد : عليات بن محمد  شياهو، احمد بن محمد بن الحسين، علي بن الوناس... كما شاركت قبائل أخرى في هذه المعركة ازوافيط ويكوت[6]، وعند عودة أفراد القبيلة من المعركة صادفوا  تواجد المستعمر الفرنسي بأرضهم.
منذ الثلاثينيات توقف العمل المسلم ضد المحتل سواء في الشمال أو في الجنوب واستطاعت فرنسا واسبانيا أن تتنفس الصعداء عسكريا بعد سلسلة من الانتصارات العسكرية التي حققتها المقاومة المسلحة في جملة من المعارك[7].
       3 ـ أيت اوسا تحت الاستعمار – خلخلة  البنيات التقليدية:
       شكلت  سنة 1934 منعطفا جديدا في مسار تاريخ قبيلة أيت اوسا، فهي بمثابة قطيعة  ين مرحلتين متباينتين:
ـ  المرحلة  الاولى :  تمتعت القبيلة بنوع من الاستقلالية الذاتية 
ـ  المرحلة  التانية :  فقدت القبيلة استقلاليتها بخصوص تدبير شؤونها وامورها الداخلية.
مع دخول المستعمر الفرنسي  والاسباني لأرض القبيلة تم تقسيمها الى مجالين : مجال خاضع للنفوذ الفرنسي  وآخر خاضع للنفوذ  الاسباني،  وقد اعتبر وادي درعة حدا فاصلا  بين هاذين المجالين، هذا التقسيم كان له انعكاسات  جد وخيمة على القبيلة.
 بعد إحكام المستعمر سيطرته  على المنطقة عملت الادارة الفرنسية على تكريس  سلطة القانون بمفهومه الحديث عن طريق احداث مكاتب الشؤون الأهلية تحت رئاسة ضباط عسكريين وذلك لاستتباب الامن ومراقبة تحركات القبيلة، ومن هؤلاء نجد القبطان دفرست  De furst  واليوتنان دوبريل Douprill،  والفسيان دترتر ditertre، كان  ضباط الشؤون الاهلية  يسيرون المناطق العسكرية وينتدبون بواسطة  وزير الحربية باقتراح من المقيم العام، وهم تابعون للمديرية الداخلية احدى المصالح الأساسية للسيطرة الفرنسية بالمغرب، والتي لم يتوقف دورها عن التعاظم[8].

 
 عملا بالسياسة الاستعمارية بمبدأ التوسع القائل: "فرق تسد" ارتأت  الإدارة الفرنسية  إلى تحطيم  الهياكل والبنيات  التقليدية للقبيلة بما فيها مؤسسة" أيت الربعين" التي عرفت نوعا من الانكسار، عندما تحولت السلطة الفعلية إلى يد المستعمر الذي عين قائدان للقبيلة : محمد ولد الخرشي قائد على فرقة إذاومليل والرباني ولد حمدي قائدا على فرقة إذاونكيت.
       ونتيجة لهذا التغيير فان مجلس "أيت الربعين" قد تلاشت فعاليته وبالتالي تحولت كل الصلاحيات التي كانت بيد رجال ايت الربعين إلى الإدارة الاستعمارية من خلال إحداث  "محاكم شرعية" بالمنطقة، وقد صنفت قبيلة ايت اوسا كإحدى القبائل الخاضعة للأحكام الشرعية الصادرة عن المحكمة الشرعية بكلميم , ومنذ سنة 1937 أصبحت أيت اوسا على  ارتباط بأحكام القاضي الشرعي بكلميم[9].
         لقد قسمت تراب قبيلة أيت أوسا الى منطقة نفوذ  فرنسي واخرى منطقة نفوذ اسباني كما سلف الذكر، هذا لم يكن ليرضي الطرف الاسباني وهو ما يؤكده دوفرست De furst    لكن يبدو أن الاسبان لم  يتقبلوا  بشكل نهائي امر الواقع، ففي مقال موقع من طرف لبارنابي راتو Barnabe Rato الذي ظهر سنة 1935 في مجلة "أفريكا" Africa  عن ضرورة  احداث تقسيم فيما بعد  عن طريق الفروع اي ان تكون فرقة ادا ومليل تابعة لاسبانيا،فيما تكون فرقة إذاونكيت تابعة لفرنسا، واما من جهة الاسبان  فقد اهتموا منذ ذلك الحين  بقسم إذاومليل  بفرع أيت وعبان وبالاخص، كما حرصوا على الاحتفاظ بربط علاقات طيبة معهم، وأما اتصالهم بقسم إذاونكيت فيتطلب منهم بناء مركز[10].
         كانت لسياسة الأخذ والرد بين اسبانيا وفرنسا انعكاسات سلبية على القبيلة، إذ أن تحركاتها ضعفت، حيث أن تنقل أفراد القبيلة عبر هاتين المنطقتين مرتبط ببعض الإجراءات ولا يكون بمقدور أين كان الدخول إليهما إلا بعد التوفر على تصريح المرور ورخصة الرعي.
       كان لزاما على افراد القبيلة الحصول على رخصة التنقل من اجل قضاء مصلحة او زيارة موسم "المولود" المنعقد بأسا بالنسبة لأفراد التابعين  للنفوذ الاسباني، أو جني تمور النخيل "تيويزكي الرمث" أو بالحرث بالأراضي الواقعة تحت النفوذ الاسباني[11].
       في صيف كل سنة كان أبناء القبيلة المالكين لعدد من الجنانات "الصبارالهندي" (أكناري)  في المنطقة التابعة لاسبانيا بمنطقة "زيني"، "بومكاي"... لابد  لهم من الحصول على رخصة المرور[12] قصد استغلال هذا المنتوج، وحينما  تكون الاراضي التابعة لاسبانيا خصبة لابد  للأهالي  الذين يعتمدون على حياة الترحال من توفرهم على رخصة الرعي[13].
       كانت الإدارة الاستعمارية ثبت في النزاعات والتطاحنات بين القبائل سواء تعلق الأمر بالصراع حول الأرض أو باماكن المياه، كما هو الشأن في النزاع الذي وقع  بين قبيلة  أيت اوسا وأيت ياسين[14].
       كما شهدت علاقة قبيلة أيت اوسا  مع ايت لحسن خصمها التقليدي تحسنا، إذ تم  فض النزاع الذي طرأ بخصوص الارض، كما تبين ذلك الوثيقة المؤرخة بتاريخ 25 يناير 1937 بخصوص أرض" الفايجا"[15].
       لم تكن قبيلة أيت اوسا لتتعايش مع المستعمر الفرنسي  والاسباني، فالقبيلة بكل مكوناتها وعناصرها رفضت وبحدة  كل تداخل مع المستعمر، وحسب عدد من المستجوبين "لا يجوز الصلاة على من يعمل مع المستعمر خاصة الجنود" ولعل مواقف القائد محمد الخرشي تجاه المستعمر خير معبر عن مدى رفض القبيلة لمختلف أنواع الهيمنة والاستغلال، ويمكن اعتبار جوابه حينما طلب منه  تحديد أرض ومجال القبيلة " أينما كانت الامطار فتم تراب أيت اوسا"، وحينما يطلب من شيوخ  القبيلة  إحصاء للثروات الحيوانية فانهم لا يعطون إحصاءا دقيقا بقدر ما يكون تقريبي[16]، وهذا دليل على كرههم للاستعمار[17].






 




خاتمة :


[1]  روم، لاندو،  المصدرالسابق،ص:22ـ 23.
[2]  الفلاح  العلوي، محمد،  مقاومة المغاربة ضد الاستعمار، 1904، 1955، اكادير 1991 ص: 112.
[3]  رواية شفوية  للمقاوم ماء العينين ولد البشير.
[4]  رواية شفوية لمسعود مسين  - أفشيل لحسن ولد عبد الله.
[5]  De furst opcit. P : 7
[6]  رواية شفوية لبردليل البشير.
[7]  الفلاح العلوي، محمد.المرجع  السابق، ص: 118.
[8]  ألبير عياس، المصدر السابق، ص: 107.
[9]  Defurst .op.cit p : 14.
[10] Defurst, opcit. P : 23.
[11]  وثيقة  رقم 19 : تبين بعض أراضي ايت اوسا الفلاحية "لمعاذر" كانت خاضعة للنفوذ الاسباني (1365هت – 1945م).
[12]  وثيقة رقم  20 : تصريح المرور.
[13]  وثيقة رقم  21 :   رخصة الرعي.
[14]   وثيقة رقم22 : تدخل المستعمر لحسم الصراع بين أيت اوسا وأيت ياسين في شأن الارض.
[15]  وثيقة رقم 23 : اتفاق بين قبيلة أيت اوسا  وأيت لحسن حول "أرض الفايجا".
[16]   رواية شفوية : أفشيل الحسين ولد عبد الله - شاعر
[17]  وثيقة رقم 24  : رسالة من الادارة الفرنسية الى القائد محمد بن الخرشي تطلب منه منع  بعض أبناء القبيلة  من إزالتهم لأعمدة الهاتف.
      


[1]  العروي، عبد الله، مجمل تاريخ المغرب،الدار البيضاء 1984. ص: 25.
[2]  الجابري، محمد عابد، التاريخ والمؤرخون في المغرب المعاصر،  ماي 1967 ص: 36.
[3]   العروي، عبد الله  المصدر السابق، ص: 26-27.
[4]  الغربي، محمد،  المصدر السابق ص : 279.
[5]   احمد بن محمد هو احمد الاعرج السعدي ابن محمد بن احمد القائم بأمر الله، تمتد فترة حكمه 1520-1543 ، حجي، محمد "مذكرات من الثرات المغربي " ج الثالث   ، لائحة التواريخ السلاطين  السعديين.
[6]  روم، لاندو، تاريخ المغرب في القرن 20،  ترجمة نقولا زيادة – الطبعة  II  1981م – 1400 هـ ، ص : 79.
[7]  ألبير،عياش، المصد السابق ص : 61.
[8]  المصدر السابق: ص: 62.
[9]  الغربي، محمد، المصدرالسابق، ص : 288.
[10]  المصدر السابق، ص : 294.
[11]  التازي،عبد الهادي،مقال:  تقرير فليكس ماتيوس – F. Mathues  - ممثل  الولايات المتحدة  الامريكية بالمغرب –ضمن مجلة البحث العلمي العدد 31 – السنة 16 اكتوبر 1980 جامعة  محمد الخامس.
[12] منشورات كلية الاداب الرباط ،  ندوة  الاصلاح  والمجتمع المغربي في القرن 19 "  ضمن سلسلة رقم 7 رجب 1404 ابريل 1983 ص: 295.
[13]   بلحداد،نور الدين،مقال:  " دفاع المخزن المغربي عن وحدته الترابية وعن حقوقه المشروعة .."،ضمن مجلة المناهل،  ص: 96.
[14]  بلحداتد نور الدين – المرجع السابق ص : 98.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق