الاثار الايجابية والسلبية للعولمة على الاسلام والمسلمين
آثار العولمة
أولاً: الآثار السلبية للعولمة
يمكن القول بأن الآثار السلبية للعولمة على الأمة
الإسلامية تفوق من حيث العدد والخطورة الآثار الإيجابية لها، وبشيء من التلخيص المركز
يمكن الوقوف عند الآثار السلبية التالية:
1- ادعاء أفضلية الثقافة الغربية على الثقافة الإسلاميّة،
وهذا الادعاء يحمل انتقاصًا مباشرًا للمعتقد والدين الذي تمثله هذه الثقافة الإسلاميّة
ذات المصدر الرباني.
والسماح لهذا الادعاء بالانتشار له تأثير سلبي مباشر
على المنتسبين للدين الإسلامي وعلى بقية المجتمعات التي تبحث عن الثقافة الأصلح فتجد
التشويه المتعمد للثقافة الإسلامية وفي المقابل الادعاء المستمر بأفضلية النظام الأمريكي
الثقافي والسياسي والاقتصادي وهو جوهر نظر: فوكو ياما المتعلقة بنهاية التاريخ؛ لأن
نهاية عصر الأيدلوجيات عنده إنما يعني حلول الأيدلوجية الأمريكية محل الأيدلوجيات الأخرى.
أما الوسيلة الموصلة إلى هذا الهدف فقد عبر عنها: صموئيل هنتنجتون من خلال نظرية: صراع
الحضارات([15]).
2- إهمال الأساسيات الدينية ولا سيما في مجال العقائد
تحت وطأة النمط الثقافي الغربي الذي لا يقيم وزنًا لهذه القضايا: إن من أهم الأسس التي
تقوم عليها العقيدة الإسلامية الإيمان بالغيب، وبدون ذلك لا يصح وصف الإنسان بالإيمان،
والغيب يشمل الوحي باعتباره مصدر المعرفة الصحيحة وأمور الآخرة من بعث وحشر وجنة ونار،
والإيمان بالقضاء والقدر، ومفهوم التوكل على الله، وكل هذه القضايا لا مكان لها في
عالم العولمة الثقافية وهو مصدر اختلاف كبير بين الثقافتين الإسلامية والغربية.
3- تذويب الانتماء إلى الدين والمعتقد وإضعاف علاقة
الفرد بأمته ومسخ شخصيته المستقلة؛ ليذوب في منظومة العولمة الثقافية
يعيش المسلمون اليوم في أكثر من 120 مجتمعًا بشريًّا
وعدد الدول الإسلامية يبلغ 54 دولة وعددهم يزيد عن 1300 مليون أي ما يقارب 23% من عدد
سكان العالم([16]).
ولا شيء أخطر على الثقافة الغربية اليوم من شعور
هؤلاء جميعًا بالانتماء الحقيقي إلى دينهم ومعتقدهم وثقافتهم.
ولهذا فقد عد هنتنجتنون اقتناع أصحاب الثقافة الإسلامية
بتفوق ثقافتهم مشكلة الغرب الخطيرة([17]) وبالتالي فمعالجة هذه المشكلة يقتضي تذويب
هذا الانتماء ومسخ الشخصية المستقلة التي تميز المسلم عن غيره وهذا ما يفسِّر الحملة
الشرسة المركزة على مفهوم الولاء والبراء في الإسلام باعتباره الأساس في إحساس الفرد
بهويته الثقافية المستقلة.
4- إهمال الآخرة تمامًا والتركيز على الحياة الدنيا
فقط متابعة للمفهوم الثقافي الغربي العلماني ويتبع ذلك التقصير الشديد في أداء العبادات؛
كالصلاة والصيام والزكاة, والسعار المادي المستمر؛ لأن المنفعة المادية العاجلة تصبح
الهم الأكبر المسيطر على الإنسان (المعولم ثقافيًّا) مما يجعله يضحي بكثير من قناعاته
ومبادئه في سبيل المصلحة المادية التي تجلب له المنفعة واللذة.
والقاعدة في الإسلام أن يركز المسلم على ما فيه
سعادته الأخروية أولاً، ولا ينسى ما يحقق له سعادته الدنيوية بما لا يتعارض مع الحدود
الشرعية
5- الإكراه الثقافي والإرهاب الفكري الواقع على شعوب العالم بحيث لا يترك
لها حرية الاختيار بين الدخول في العولمة الثقافية وبين التمسك بثقافتها الخاصة، وقد
عبر توماس فريدمان عن ذلك بقوله: "العولمة أمر واقع وعلى اللاعبين العالميين إما
الانسجام معه واستيعابه أو الإصرار على العيش في الماضي وبالتالي خسارة كل شيء ولا
بد من قبول الأمر الواقع"([18]) ويقول وزير المالية الأمريكي الأسبق روبرت روين
في رد ساخر على مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا السابق حينما انتقد شرور العولمة:
"اعذرني محمد ولكن على أي كوكب أنت تعيش إنك تتكلم عن المشاركة في العولمة كأن
ذلك يتضمن خيارًا متاحًا لك, العولمة ليست خيارًا وإنما حقيقة واقعة"([19]) وهذا
الإكراه ظلم صارخ ينتهك حقوق المجتمعات في المحافظة على الثقافة المحلية وينذر بردّات
فعل غير محسوبة قد تفوق كل توقع، وما صيحات مناهضي العولمة واحتجاجاتهم المستمرة والمواجهات
الدموية مع كبار مسيري العولمة إلا إرهاصات أولية لما يحتمل حدوثه في المستقبل إذا
استمر هذا الإكراه الثقافي على الضعفاء الذين يجري تخويفهم وإرهابهم على الصعيد الإعلامي
والسياسي والاقتصادي وحتى العسكري في كثير من الأحيان.
6- تغييب القيم الأسرية والاجتماعية التي رسخها الإسلام:
العلاقة بين الرجل والمرأة نظمها الإسلام بطريقة تكفل حقوق الطرفين، وترقى بعلاقتهما
إلى أفق من الطهر والاحترام مع تلبية نداء الفطرة في كل منهما عبر الزواج الذي كفل
له الإسلام الحترام والتقدير، ولكن العولمة الثقافية اليوم تسعى إلى تغييب هذه القيم
عبر إباحة العلاقات الجنسية للرجل والمرأة خارج مؤسسة الزواج، وعبر تخفيف قيود الإجهاض
للحمل غير المرغوب فيه، وعبر غض الطرف عن العلاقات المثلية التي يمكن أن تكون من خلالها
بعض الأسر في ظل العولمة الثقافية.
كما أن علاقات الأبناء بالآباء بما فيها من البر
والإحسان, وصلة الأرحام، والإحسان إلى الجار، والتكافل الاجتماعي كلها قيم غائبة عن
مسيرة العولمة الثقافية المعاصرة.
7- الانحراف الأخلاقي ولا سيما في قضايا الشهوات الجنسية والنظر إلى المرأة
باعتبارها جسدًا مهمته إضفاء المتعة على الآخرين، ووسيلة تسويق وجذب في الدعايات وعبر
الصحافة والبرامج الإغرائية على الشاشة وتكليفها بما قد لا يناسبها من الأعمال الشاقة،
أو الأعمال التي تعرضها للامتهان والابتزاز الجنسي نتيجة كثرة الاختلاط غير المحتشم
بالرجال المشرفين على عملها.
وفي دراسة تم إعدادها بتكليف من وزارات العدل والصحة
والشؤون الاجتماعية في أمريكا ثبت أن 18% من النساء في أمريكا اغتصبن أو تعرضن لمحاولة
الاغتصاب في مرحلة من مراحل عمرهن ، وأن أكثر من نصف الضحايا كن دون 17سنة عند تعرضهن
للاغتصاب للمرة الأولى([20]).
ويؤكد هذا الانحراف أن المرأة في ظل العولمة المعاصرة
يتم إهمالها عند بلوغها سنًّا معينة ؛لأنها لم تعد صالحة للاستهلاك النفعي ولا سيما
في وسائل الإعلام، بعكس الرجل الذي يعمر فيها طويلاً.
8- إفساد الأنماط السلوكية السائدة لدى الشعوب ولا سيما الشعوب المسلمة في
اللباس والأزياء الخاصة بالرجال أو النساء والتقليعات الغربية الخاصة بطريقة قص الشعر
وتغيير الخلقة وأنواع المأكولات الغربية وطريقة تناولها بحيث يصعب اليوم تمييز الهوية
الوطنية الخاصة بكل شعب في ظل هذه العولمة في ثقافة اللباس على النمط الغربي حتى لو
كان المرء يسير في شوارع بومباي، أو بيونس آيرس، أو بيروت، أو نيويورك.
9- سيادة لغة العولمة الثقافية وهي اللغة الإنجليزية على جميع اللغات ومنها
اللغة العربية
اللغة ليست مجرد ألفاظ جامدة لكنها مظهر ثقافي لا
ينكر، وتأثر اللغة العربية لغة القرآن الكريم ظاهر بانتشار اللغة الإنجليزية ومصطلحاتها
بين أبناء العرب المسلمين فضلاً عن غيرهم، ومع أن تعلم اللغة الإنجليزية له فائدة ظاهرة
للشباب المسلم اليوم إلا أن التأثر بثقافة أهل هذه اللغة هو الأثر السلبي الذي تشير
إليه هذه الفقرة على وجه التحديد, ويذكر عبد الهادي أبو طالب أن 88% من معطيات الإنترنت
تُبث باللغة الإنجليزية([21]).
ثانيًا: الآثار الإيجابية للعولمة
المسلم مأمور بالإنصاف والتجرد وعدم النظر إلى الأمور
من زاوية واحدة فقط؛ بل لابد من تقييم الظواهر من جوانبها المختلفة مع مراعاة العدل
ومن هنا فإن ظاهرة العولمة لا تخلو من إيجابيات
مهمة مع ملاحظة أن هذه الإيجابيات قليلة بالنسبة إلى السلبيات وتتعلق بالوسائل المستخدمة
للعولمة إذ أن هناك فرقًا كبيرًا بين ما يسمى بعمليات العولمة وبين ما يسمى بأيدلوجيات
العولمة التي هي الجانب الثقافي للعولمة وهي خطرة للغاية كما تبيَّن من خلال ما سبق؛
ولقد كان لهذه الوسائل من الإيجابيات على الأمة الإسلامية ما يلي:
1- إتاحة فرصة كبرى لنشر الإسلام وذلك من خلال زوال كثير من العوائق التي
كانت تحول دون نشر العقيدة الإسلامية مع سهولة الاتصال عبر شبكة الإنترنت وسهولة التواصل
عبر وسائل الإعلام الفضائية (مرئية ومسموعة) وهو تحد جديد أمام المنتمين للثقافة الإسلامية
اليوم وسوف يخسرون خسرانًا بينًا إن هم فرطوا في هذه الفرصة السانحة للدعوة إلى الله
ونشر الإسلام وقيمه الموافقة للفطرة السليمة للعالمين والرد على الشبهات المثارة حوله
دون وصاية رسمية أو أنظمة مقيدة.
2- سهولة الحصول على المعلومة المفيدة؛ وهو أمر يسهم في بناء الجانب العلمي
والمعرفي في الأمة الإسلامية عن طريق الحصول على الإحصاءات الموثقة والأبحاث العلمية
بل وحتى الفتاوى الشرعية التي تسهم مجتمعة في نشر العلم والمعرفة ودعم عناصر العملية
التعليمية الخمسة ، أو ما يسمى بالميمات الخمس: (معلم، متعلم، منهج، مكان، مجتمع)([22])
ومع أن الواقع التعليمي في البلاد الإسلامية مؤسف جدًّا حيث يبلغ متوسط نسبة الأمية
62%من عدد السكان([23])، ولا يزيد ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحوث العلمية
أكثر من 100مليون دولار([24] )، إلا أن وسائل العولمة المعاصرة تتيح للبلاد الإسلامية
مجالاً مهمًّا لنشر العلم بتكاليف معقولة مقارنة بمتطلبات نشر العلم في السابق.
3- الاطلاع على مساوئ الثقافة الغربية والأخطاء الكبرى فيها؛ وهذا الأمر
يتم من خلال توسع أصحابها في نشرها ومحاولتهم تسويقها بين الشعوب؛ لكنهم في إطار العولمة
لا يستطيعون حجب المساوئ عن أعين الآخرين مما أدى إلى نفور الكثيرين من هذه الثقافة
الغربية ولا سيما في نسختها الأمريكية المشوهة لما رأوا فيها من أخطاء من أبرزها: التناقض،
والتحيز، والمادية المجردة من الروح والمشاعر، والانفلات الأخلاقي وهذا الأمر لم يكن
ليتم بهذه الصورة لو لم توجد وسائل العولمة.
4- زيادة التواصل بين المسلمين:وذلك باستخدام آليات العولمة فأصبح المسلم
قادرًا على معرفة أحوال إخوانه المسلمين في المجتمعات الأخرى، ومعرفة التحديات التي
تواجههم وبالتالي عونهم وتقوية الارتباط بهم.
لقد أسهم النقل الفضائي الحي والمباشر لما يتعرض
له المسلمون في فلسطين إلى زيادة التلاحم بينهم وبين بقية المسلمين في سائر أنحاء العالم
ولم يعد باستطاعة إسرائيل أن تحجب عن العالم الإسلامي ما تفعله بالفلسطينيين وهذا أدى
إلى زيادة تفاعل المسلمين مع إخوانهم واستعدادهم لنصرتهم وعونهم، وأضعف من فرص استفراد
الإعلام الغربي بنقل وجهة نظره المنحازة في أغلب الأحيان لهذا الصراع.
ولم يتم التعاطف مع قضية المسلمين في البوسنة والهرسك
وكوسوفا إلا من خلال آليات العولمة وعبر وسائل الإعلام والاتصال المعاصرة مع أن شعب
البوسنة والهرسك تعرض إلى مجازر وحشية إبان الحرب العالمية الثانية إلا أن عدم نقل
تلك الأحداث بواسطة أجهزة الأعلام أقام حاجزًا حال دون تواصل بقية المسلمين معهم بالشكل
الذي حصل في التسعينات من القرن المنصرم.
5- الفرص الاقتصاديّة الجيدة؛ التي تتيح للدول الإسلاميّة تسويق منتجاتها
في سوق مفتوحة تخلو من القيود المعيقة للاستثمار بين الدول وانتقال بعض رؤوس الأموال
والمصانع إلى بعض الدول النامية وأثره في تطور تلك البلدان.
أزال المؤلف هذا التعليق.
ردحذف