حكم الغيبة، وأدلة تحريمها في القرآن والسنة:
واختلف العلماء في عدها من الكبائر أو الصغائر ، وقد نقل القرطبي الاتفاق
على كونها
من الكبائر لما جاء فيها من الوعيد الشديد في القرآن والسنة ولم يعتد رحمه
الله بخلاف بعض أهل
العلم ممن قال بأنها من الصغائر .
والقول بأنها من
الكبائر هو
قول جماهير أهل العلم صاحب كتاب العدة والخلاف في ذلك منقول عن الغزالي
.
وقد فصل ابن حجر
محاولاً الجمع بين الرأيين فقال: فمن اغتاب ولياً لله أو عالماً ليس كمن اغتاب مجهول الحالة مثلاً.
وقد قالوا: ضابطها ذكر
الشخص بما يكره ، وهذا يختلف باختلاف ما
يقال فيه ، وقد يشتد تأذيه بذلك .
أدلة تحريم الغيبة من
القرآن الكريم:
أ- قال تعالى: { ولا
يغتب بعضكم بعضاً أيحب
أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}(1).
قال ابن عباس: حرم الله
أن يغتاب المؤمن بشيء كما حرم الميتة.
قال القاضي أبو يعلى عن
تمثيل الغيبة بأكل الميت: وهذا تأكيد لتحريم الغيبة ، لأن أكل لحم المسلم محظور ، ولأن
النفوس تعافه من طريق الطبع ، فينبغي أن تكون الغيبة بمنزلته في الكراهة.
قوله ((فكرهتموه)) قال
الفراء: أي فقد بغِّض إليكم . وقال الزجاج: والمعنى كما تكرهون أكل
لحم ميتاً ، فكذلك
تجنبوا ذكره بالسوء غائباً .
قال ابن عباس في تفسير
اللمز: لا يطعن بعضكم على بعض ، ونقل مثله عن مجاهد وسعيد وقتادة
ومقاتل بن حيان .
قال ابن كثير {لا
تلمزوا أنفسكم}: أي لا
تلمزوا الناس ، والهماز واللماز من الرجال مذموم ملعون كما قال الله {ويل لكل همزة لمزة}(2)
فالهمز بالفعل، واللمز
بالقول .
قال الشنقيطي: الهمز
يكون بالفعل كالغمز بالعين احتقاراً أو ازدراءً، واللمز باللسان ، وتدخل فيه الغيبة
.
ج- {ويل لكل همزة لمزة}
وقد تقدم
معنى الهمز واللمز وأن
كليهما من الغيبة.
وقال قتادة في تفسيرها
: يأكل لحوم الناس ويطعن عليهم.
وقال الزجاج: الهمزة
اللمزة الذي يغتاب الناس ويغضهم.
أدلة تحريم الغيبة من
السنة:
أ- قال صلى الله عليه
وسلم : (( فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في
بلدكم هذا
.
قال ابن المنذر: قد حرم
النبي الغيبة
مودعاً بذلك أمته، وقرن تحريمها إلى تحريم الدماء والأموال ثم زاد تحريم ذلك
تأكيداً بإعلامه بأن تحريم ذلك كحرمة البلد الحرام في الشهر الحرام
.
قال النووي في شرحه على
مسلم: المراد بذلك كله بيان توكيد غلظ تحريم الأموال والدماء
والأعراض والتحذير من ذلك .
ب- وعن سعيد
بن زيد أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : (( من أربى الربى الاستطالة في عرض المسلم بغير حق)) .
وفي رواية لأبي داود :
(( إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم بغير حق)) .قال أبو الطيب العظيم أبادي في شرحه لأبي داود:((الاستطالة))
أي إطالة اللسان.
((في عرض المسلم)) أي احتقاره والترفع عليه والوقيعة فيه.
((بغير حق)) فيه تنبيه على أن العرض ربما تجوز استباحته في بعض
الأحوال
ج- وعن عائشة رضي الله
عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية أنها قصيرة ، فقال : ((لقد قلت
كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) .
((لو مزج)) أي لو خلط بها أي على فرض تجسيدها وكونها مائعاً.
((لو مزج)) أي لو خلط بها أي على فرض تجسيدها وكونها مائعاً.
((لمزجته)) أي
غلبته وغيرته وأفسدته
.
قال المباركفوري:
المعنى أن الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر لغيرته عن حاله مع كثرته وغزارته فكيف
بأعمال نزرة خلطت بها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق