الجمعة، 14 فبراير 2014

آية الحوار بين الاديان بين الفهم الصحيح والفهم الفاسد



1.   آية الحوار بين الاديان بين الفهم الصحيح والفهم الفاسد :

أصرح آية في الحوار بين الأديان في القرآن هي آية آل عمران المتقدمة وهي قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (سورة آل عمران: 64)، وهذه الآية فهمها بعض المثقفين والكتَّاب على غير وجهها، واعتمدوا في فهمها على مجرَّد الرأي بعيداً عن الرجوع لأقوال الصحابة والتابعين والمفسرين السابقين.
والفهم الصحيح لها هو ([1]) : أن في هذه الآية دعوة لأهل الكتاب - وهي شاملة لغيرهم أيضاً -إلى التوحيد الخالص وعبادة الله تعالى وحده، فالكلمة السواء هي (شهادة أن لا اله إلا الله) ويبين ذلك قوله في الآية : {أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} وهذا يعني أنهم قبل هذه الدعوة ليسوا كذلك وهذا ما يدل عليه حالهم وواقعهم. وقوله (ألا تعبدوا إلا الله) تفسير لكلمة السواء فأصل (ألا) هو أنْ لا. و أنْ هنا تفسيرية حيث تقدمها ما يدل على معنى القول وهي (كلمة) وحينئذ تكون الجملة بعدها مفسرة لمعنى (الكلمة السواء). وقد فهم البعض أنَّ الكلمة السواء هنا بمعنى أن حوارنا معكم لا بد له من قاعدة نقف نحن وإياكم عليها لنجاح الحوار وهو أمر موجود فينا وفيكم قبل الحوار وهو قدر مشترك فيما بيننا وبينكم !! وهذا الفهم مناقض لمفهوم الآية التي دعت أهل الكتاب للوصول إلى نتيجة ليست موجودة عندهم وهي:{أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ}            (سورة آل عمران: 64)، كما أن اعتبار هذه الآية قدراً مشتركاً يجعل من الحوار معهم أمراً لا فائدة منه لأن التوحيد الخالص موجود فيهم حسب الفهم السابق.
ومن جهة أخرى فالواقع الواضح عند أهل الكتاب هو الوقوع في الشرك من جهة التوحيد، والكفر من جهة إنكار الرسالة. يقول الدكتور سلمان العودة في قواعد الحوار مع أهل الكتاب: "اعتبار القدر المشترك في الديانة السماوية المتمثل في صحة النبوة والوحي، ولزوم الاتباع للأنبياء، وتحصيل لوازم هذا القدر المشترك، وهذا هو المذكور في قول الله سبحانه وتعالى: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً}، وهذه قاعدة عقلية فاصلة في مقام جمع المختلف أو رد الاثنين إلى الواحد، فيعتبر المختلف بالمؤتلف، والثنائية بالأحادية، وهذا معتبر أيضاً بكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كما في الصحيحين، ويتبع هذا تصحيح المفاهيم المنحرفة، وردها إلى الصدق الذي جاءت به النبوة الخاتمة".([2])
وهذا القول في اهميتة في مجادلة أهل الكتاب والحوار معهم إلا انه ليس هو معنى أيه أل عمران المتقدمة فيما يظهر لي فهي صريحة في الدعوة والحوار المباشر حول التوحيد وترك الشرك كما تقدم.
وقد أوّل بعض الكتاب (الكلمة السواء) في الآية إلى أنها: " فعل الصالحـات النافـعات للبشريـة ومواجهة الطغيان وتحقيق معرفة كل طرف بالآخر وإزالة الفهم دون المحاولة إلى إلغاء الخصوصيات" ([3]).
وهذا تأويل بعيد عن معنى الآية ودلالتها، فالمتأمل في الآية يدرك أن كلمة السواء مفسرة وليست مطلقة بحيث يتصور القارئ  ما شاء في تحديدها. وهناك فرق كبير بين فهم الآية على أنها دعوة لأهل الكتاب إلى التوحيد ومناقشتهم للوصول إلى غاية عظيمة وهي التوحيد وترك الشرك، وبين فهمها على أنها قدر مشترك ينطلق منه لتصحيح ما عندهم من الباطل أو أنها في الحث على التعاون المشترك للوصول لما فيه الخير للإنسانية، ومما يؤكد تفسير هذه الآية السلوك العملي للنبي r حيث كان حوارهم لهم بهدف دعوتهم للتوحيد و هدايتهم إليه.

2.   قواعد مختصرة في الحوار مع أهل الكتاب:

هناك جملة من القواعد التي ينبغي الاهتمام بها أثناء الحوار مع أهل الكتاب، يمكن أن نشير إلى نبذ يسيرة منها وهي بحاجة ماسة للبحث والمراجعة، خاصة ونحن نعيش في زمن الاحتكاك المباشر مع أهل الكتاب في مجال الصراع الفكري أو الصراع المسلح المادي، لا سيما في هذا العصر على الخصوص الذي أصبح التواصل فيه بين أقاصي الدنيا وأدناها من أسهل الأمور في كل المجالات.
وإذا لم نرسم - نحن دعاة أهل السنة - منهجية صحيحة في الحوار المفروض علينا معهم فإن غيرنا من أصحاب الفكر المنحرف - الذي يحرف النصوص - سيأخذ قصب السبق في هذا المجال وسيقعّد للأجيال القادمة قواعد فاسدة في التعامل مع أهل الكتاب في مجال الحوار أو غيره من المجالات، ومن هذه القواعد التي ينبغي أخذها في الاعتبار:
1)  تحديد الهدف من الحوار معهم وتنقيحه من شوائب الانهزامية والتخاذل والغموض في محاورة أهل الكتاب، والهدف الرباني في الحوار هو دعوتهم إلى الله تعالى وتمني هدايتهم للإسلام والحرص على تصوير الإسلام لهم كما أمر الله به وتوضيح نقائه وصفائه لهم من غير محاولة لتشبيهه بالمناهج الأرضية المنحرفة فهو أسمى وأعظم وأجل من كل المناهج الأرضية.
2)  عدم التصدي للحوار بدون علم بدين الإسلام، أو عدم القدرة على توضيح غاياته بصورة صحيحة، فليس الحوار مطلوب من كل أحد؛ بل هو مطلوب من أهل القدرة علماً وبياناً، أما غيرهم فليس مطلوب منه الحوار إلا إذا كان بشكل مبدئي في الحث على فضائل هذا الدين أو كان المخاطب الكتابي عامي يمكن التأثير عليه دون علم دقيق بمناهج الجدل والمناقشة، فهذا يدخل في الدعوة العامة إلى دين الإسلام الذي هو مطلوب من كل مسلم.
3)  الاستفادة مما لدى أهل الكتاب من الإقرار بوجود الله تعالى وصحة وجود النبوة - في الجملة- واليوم الآخر ونحوها للبناء عليها في بيان الحق لهم أو التدليل على باطلهم، وينبغي مراعاة الفروق الفردية والطائفية في دعوتهم فيوجد فيهم من يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولكنه يقصرها على العرب فمناقشة هذا ودعوته أسهل من المنكر لها بالجملة.
4)  إقامة الأدلة العقلية على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإقراره بنبوته يقتضي بالضرورة أن خبره صدق وقد أخبر أنه مرسل للعالمين والطعن في ذلك إما قدح فيما أقر به وهو إثبات نبوته أو طعن في خبر النبي وهو غير مستقيم لمن أثبت النبوة، وهنا أحب التنبيه إلى ضرورة الرجوع إلى المناهج العقلية القرآنية وتبنيها والحديث بها وان كان بدون الإشارة إلى كونها قرآنية لأن الخصم لا يقر بحجيتها، ولا بأس بالأدلة العقلية السالمة من اللوازم المبطلة لشيء من الدين، وقد وقع أهل الكلام في هذا لأنهم تصوروا أن القرآن جاء بالأدلة الخبرية المحضة دون الأدلة العقلية، فراحوا يخترعون أدلة يريدون بها نصر الدين فوقعوا في لوازم تقتضي تحريف بعض العقائد، فكانت النتيجة تقرير قواعد في الاستدلال والنظر مخالفة للمناهج المتفق عليها وتوصلوا إلى أغراضهم بالتأويل الفاسد للنصوص.
5)  الدراسة الدقيقة لمنهج الأنبياء في حوار أقوامهم وبالذات منهج الرسالة الخاتمة للرسالات كلها وأخذ الأصول العلمية في الحوار مع أقوامهم ودعوتهم إلى الله تعالى.
6)  دراسة مناهج علماء السنة في مناقشاتهم وحوارهم مع أهل الكتاب مع ضرورة التنبه إلى المناهج البدعية في حوار بعض أصحاب البدع مع الكتابيين مما سبب في وجود مناهج منحرفة في الفكر الإسلامي ظهرت فيما بعد على شكل فرق ضالة.
7)    إثبات تناقض كتبهم وضعف دينهم من واقع هذه الكتب دون ذكر وسيط مما يجعلهم يعيدون النظر في حقيقة دينهم و إمكان بطلانه.
8)  إثبات دين الإسلام بالأدلة الصحيحة والمناهج القرآنية والنبوية المعتبرة بعيداً عن مناهج أهل الأهواء والبدع، ومن ذلك إثبات صحة القرآن والنبوة بالأدلة الحسية التي تضمنتها، مثل: الإخبار بالمغيبات وبموافقة الكشوف العلمية الثابتة دون تعسف وليٍّ للنص القرآني أو النبوي.
9)  إثبات مناقضة ديانتهم المحرفة للعقل والحس مما جعل التطبيق لها في الواقع مناف للفطرة الإنسانية ولسنن الله في الاجتماع والحياة، وهنا ينبغي التنبه لمزلة وقعت في الفكر الإسلامي وهي تصور إمكان التعارض بين العقل والنقل وحصل بسببها عراك تاريخي ومازال مستمراً إلى اليوم، ولا يمكن التدليل على عدم التعارض بينهما بشكل صحيح موافق لمقتضى النص ولدلالة العقل إلا على منهج أهل السنة، أما من تخبط في مناهج الفرق فسوف يستأسد عليه أهل الأديان على قاعدة بعضهم: (خرافات النصرانية خير من خرافات الإسلام) يقصد التصوف والتشيع وكذلك سيكون الأمر هنا.
10)  لابد من مراعاة حسن التعامل والمناقشة ليكون للدعوة قبول دون مخالفة شرعية، كالقول بإقرارهم على اعتبار دينهم والثناء عليهم بمثل ذلك باسم احترام الآخر، ولا يصح التسفيه له إذا طمع الداعية في هدايته، فالحق وسط بين تفريط من يردد عدم الإقصائية ويقول باحترام دين الآخر، وكأن الخلاف هو في وجهات النظر لا في أصل الدين وبين الإفراط الذي يجعل من إمكان هداية المحاور أمر في غاية الصعوبة.
ومن خلال العرض المتقدم لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم للحوار مع أصحاب الأديان يتبن أنَّ الأساس في الحوار هو الدعوة وإقامة الأدلة على صحة دين الإسلام ووجوب الانقياد له ونبذ الأديان المحرفة، وبيان ما في دينهم المحرف من الباطل بلغة علمية ومنهجية سليمة وهذه حقيقة شرعية واضحة لمن استقرأ نصوص الكتاب والسنة وطالع أخبار الأنبياء وعرف طبيعة رسالتهم.


([1]) انظر :جامع البيان – للطبري– 3/299 , تفسير القرآن الكريم – لأبن كثير– 2/45 , (كتاب الشعب), الدرر المنثور - للسيوطي– 2/233.
([2]) مقال: قواعد الحوار مع أهل الكتاب – د /سلمان العودة - موقع الإسلام اليوم.
([3]) انظر: الحوار الإسلامي المسيحي- د.يوسف الحسن- ص: 43-44.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق