الأمور
المتعلقة بالتركة :
يتعلَّق
بالتركة خمسة حقوق ، لا تنتقل التركة إلى الوارث بدونها ، هي :
(1)-
التجهيز : أو ما يُعرف بـ"مؤن التجهيز" ؛ وهي
عبارة عن فعل ما يحتاج إليه الميت من وقت وفاته إلى حين دفنه ؛ من نفقات غسله ،
وحنوطه ، وكفنه ، وأجور حمَّال ، وحفر قبره ، ونقله من بلد إلى بلد (إذا أوصى
بذلك) ، وأجور دفنه ، وكلّ ما يلزم إلى أن يُوضع في قبره .
وكلّ
تكاليف الدفن تؤخذ من التركة إن لم يتبرّع واحدٌ بالدفع .
(2)-
الحقوق التي على الميت : وهي تنقسم إلى قسمين :
أ
ـ حقوق عينيَّة (متعلقة بعين التركة) : مثل :
بيت مرهون ، أو عبد جنى جنايةً ( قتل
ـ مثلاً ـ ، فعليه دية) ، أو بقرة قد أفسدت زرعاً . وهذه الحقوق يجب سدادها قبل
التي في الذمّة ـ بالاتفاق ـ ؛ لأنَّها تمنـع التصرُّف في التركة ، فتكون الملكية
ضعيفة . فلا بُدّ من فكّ الحجز ، ودفع الحقوق المتعلقة بعين التركة أولاً .
ب
ـ حقوق في الذمَّة : وهي تنقسم إلى قسمين :
=
حق لله : كأن يكون عليه زكاة في ماله لم يدفعها ، أو عليه كفَّارات ، أو نذر أن
يحجّ ، .. إلخ .
=
حقّ للعباد : كالديون التي عليه لعباد الله .
ويجب
أن لا يكون هناك دينٌ بستغرق التركة كلها ، فإن وجد دينٌ يستغرق كلّ التركة ، فلا
مُلْكيَّة خَلَفيَّة .
س
: هل حقّ الله مقدَّمٌ على حقّ العباد في السداد ، أم الأمر على العكس
؟
ج
: اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :
<أ>=
الحنفيَّة قالوا : الكفارات جميعها لله سبحانه ، والميت ليس مطالباً بإخراجها ،
ولا الورثة . بل هي عبادة محضة تسقط بالموت ، والميت آثمٌ بعدم إخراجها .
<ب>=
الشافعية قالوا : أوّل ما يجب أداؤه من الحقوق بعد المتعلق بعين التركة : حقّ الله
تعالى ، ثمّ حقّ العباد .
قالوا
: والسبب : لأنّ حق الله تعالى ليس له مطالب ، وحقوق العباد لها مطالِب ، ورسول
الله r يقول : "اقضُوا الله الذي له
، فالله أحقّ بالوفاء" .
<ج>=
بعض المالكية قـالـوا : نبدأ بحق العباد ؛ لأنّ حقوق الله مبنيَّة على العفو ،
ولأنّ الله تعالى في الآخرة يُطالب بحقوق العباد قبل المطالبة بحقوقه ؛ ولأنّ
المرء مرتهنٌ ومعلَّق بدَيْنِهِ كما أخبر رسول الله r ؛ فقد جيء
بجنازة ليُصلِّي عليها، فسأل : "أعليه دين ؟" فلما أجابوه بنعم، قال :
"صلُّوا على صاحبكم" ؛ فقـد سأل عن حق العباد . أما حقّ الله تعالى
فإنَّه معرَّض للعفو بالتوبة ، بخلاف حقوق العباد .
<د>=
الحنابلة قالوا : حقوق العباد ، وحقوق
الله متماثلة ، لا يُقدَّم أحدها على الآخر
.
(3)-
الوصيَّة :
س
: لـم كان أداء الديون المستحقة ـ في التركة ـ مقدَّماً على الوصية ، مع أنَّ الله
سبحانه وتعالى قد قدَّم الوصية على الـدَّيْـن في القـرآن الكريم ؛ فقال جلّ وعلا
: ) من بعد وصيَّة توصون بها أو دين ( [النساء : 12] ، وقال سبحانه وتعالى : ) من بعد وصيَّة يُوْصَى بها أو دين
( [النساء : 12] .
ج
: ظـاهــر الآية الكريمة يدلّ على أنّ الوصيَّة مقدَّمة على الدين ، مع أنّ الأمر
بالعكس (الدين مقدّم على الوصية) ، فتُقضى ديون الميت أولاً ، ثمَّ تُنفَّذ وصيّته
.
وهذا
قضــاء رســول الله r وحكمـه ؛ فقـــــد أخبر عنه أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب t بـذلك ، فقــال : إنَّكـم تقرؤون
هذه الآية : ) من بعد وصيَّة توصون بها أو دين ( ، وإنّ
رسول الله r قضى بالدين قبل الوصيّة .
والحكمة
من تقديم الوصية على الدين في الآية ـ والله أعلم ـ أنّ الديون حقّ ثابت في ذمَّة
المدين قبل الوفاة وبعدها ، ولها مطالِب ؛ إذ لصاحب الحقّ مقـال ؛ ـ كما أخبر
رسولنا r ـ . أمَّا الوصيَّة فهي تبرّع محض وبرّ وصلة ، وليس لها مطالِب .
فلئلا يتهاون الناس في أمرها ، قدّمها الله تعالى في الذكر ، منبِّهاً على وجوب
العناية بها كالعناية بالدين .
س
: هل الوصية تحتاج إلى إذن الورثة ؟
ج
: لا تحتاج الوصيّة إلى إذن الورثة إذا كانت بالثلث فأقل (لغير وارث) .
فإذا زادت عن الثلث (لغير وارث) ، أو كان الموصى إليه وارثاً (سواء كانت الوصية
بالثلث ، أو بأقل ، أو أكثر) ، فلا بُدّ من رضى الورثة جميعــاً وإذنهم ؛ إذ عدم
الإذن وعدم الرضا يضرّ بالورثة ـ ورضاهم إنّما يُعتبر بعد بلوغهم ـ . وإذا
لم يرض أحد الورثة ، ورضي الباقون ، فإنّ ذاك الذي لم يرض يأخذ حقَّه كاملاً من
الإرث ، ويُنقص من حقوق الباقين ـ الذي رضوا ـ بمقدار ما يُغطي ما أوصى به الميت
لذلك الوارث .
إذاً
: يُشترط في الوصية إن كانت لغير وارث أن تكون في الثلث ، أو دونه . فإن زادت عن
الثلث اشترط إذن الورثة .
ويُشترط
في الوصيَّة إن كانت لوارث : إذن الورثة ، ورضاهم جميعاً .
(5)-
الإرث :
بعد
أن تُسدَّد الحقوق الأربعة السابقة من التركة ، يوزَّع الباقي ـ وهو الإرث ـ على
الورثة بحسب أنصبائهم الشرعيَّة .
والكلام
على الإرث يتضمَّن بيان أركانه ، وأسبابه ، وشروطه ، والموانع التي تمنعه ،
وأنواعه ، وتفصيل كلّ نوع ، والمستحقين ، ونصيب كلّ واحـد من هؤلاء . وهو ما
سنفصله إن شاء في المباحث الآتية .
ولنبدأ
أولاً بأركان الإرث .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق