من موانع الارث
الاختلاف في الدين :
واختلاف
الدين : هو أن يكون المورِّث على دين ، والوارث على دين آخر .
وله
صورتان :
=
أن يكون المورِّث مسلماً والوارث كافراً ، أو العكس .
=
أن يكون المورِّث يهودياً والوارث نصرانياً ، أو العكس .
س
: هل يرث المسلم من الكافر ، أو الكافر من المسلم ؟
ج
:
=1=
مذهب الجمهور ـ وهو الراجح ـ : أنّ المسلم لا يرث الكافر ، والكافر لا يرث المسلم
؛ لقوله r : "لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم" .
=2=
وقيل : المسلم يرث الكافر ، دون العكس ؛ لأنَّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه ،
ويزيد ولا ينقص . واستدلّ أصحاب هذا القول بحديث : "الإسلام يزيد ولا
ينقص" .
أخرج
الإمام أبو داود في سننه عن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ أَنَّ أَخَوَيْنِ
اخْتَصَمَا إِلَى يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ ؛ يَهُودِيٌّ وَمُسْلِمٌ ، فَوَرَّثَ
الْمُسْلِمَ مِنْهُمَا ، وَقَالَ : حَدَّثَنِي أَبُو الأسْوَدِ أَنَّ رَجُلاً
حَدَّثَهُ أَنَّ مُعَاذًا حَدَّثَهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ :
"الإسْلامُ يَزِيدُ ولا يَنْقُصُ" ، فَوَرَّثَ الْمُسْلِمَ .
وأخرج
الإمام أبو داود أيضاً في السنن : أَنَّ مُعَاذ بن جبل t أُتِيَ ـ
وهو باليمن ـ بِمِيرَاثِ يَهُودِيٍّ وَارِثُهُ مُسْلِمٌ ، فورَّث المسلم ، وذكر
الحديث بِمَعْنَاهُ عَنِ النَّبِيِّ r .
=3=
وقيل : الكافر يرث من المسلم شريطة أن يُسلم قبل تقسيم التركة ترغيباً له في
الإسلام . (وهذه رواية ثانية عن الإمام أحمد) .
ومستند
أصحاب هذا القول : قوله r : "كُلُّ قَسْمٍ قُسِمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ عَلَى
مَا قُسِمَ لَهُ ، وَكُلُّ قَسْمٍ أَدْرَكَهُ الإسْلامُ فَهُوَ عَلَى قَسْمِ
الإسْلامِ" . وهـو يدلّ على أنّ الكافر لو أسلم قبل قسم ميراث مورِّثه المسلم
، ورث منه .
=4=
وقيل : المسلم يرث الكافر ، والكافر يرث المسلم بالولاء ؛ لقوله r : "لا يرث المسلم من النصراني إلا أن
يكون عبده أو أمته" .
أما
توارث ملَّة الكفر من بعضهم : فكلّ ملَّة ترث نفسها .
ومفهوم
قوله r : "لا يرث المسلم الكافر .." : أنَّ الكفَّار يرث بعضهم
من بعض .
ولكنّ
السؤال :
س
: هل يرث اليهودي من النصراني ؟ وهل يرث
النصراني من المجوسيّ ؟
=1=
الشافعية والحنفية : ملة الكفر مهما تعدَّدت فهي واحدة ؛ بدليل قول الله تعالى : ) فماذا بعد الحق إلا الضلال ( [يونس : 32] .
فالنصراني
يرث اليهودي ، واليهودي يرث المجوسيّ ، .. إلخ ، بشرط اتحاد الدار . والله I يقول :) والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ( [الأنفال : 73] .
=2=
المالكية قالوا : ملل الكفر ثلاث : يهودية ، ونصرانية ، وما عداهما من ملل الكفر
فملة واحدة . فلا يرث اليهودي من النصراني ، ولا النصراني من اليهودي ، وما عداهما
لا يرثون من اليهودي ولا النصرانيّ .
=3=
الحنابلة قالوا : ملة الكفر ملل شتّى ، فلا يرث أهل كلّ ملة من أهل الملل الأخرى .
ودليلهم
أنّ الله I دلّ على تعدّدهم بقوله عنهم ، وعن
أهل الإيمان : ) إنَّ الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس
والذين أشركوا إنَّ الله يفصل بينهم يوم
القيامة ..( [الحج : 17] ؛ فكلّ ملَّة ترث من ملَّتها ،
ولا ترث من الأخرى . وعليه حملوا قوله r : "لا يتوارث أهل ملَّتين شتّى" .
من
موانع الإرث المختلف فيها :
(1)=
الارتداد :
المرتـدّ
في اللغة هو : الراجع .
والردة
معناها الشرعي : الرجوع عن الإســـلام إلى غيره ؛ وهو الكفر بعد الإسلام . قال
الله تعالى : ) ولا ترتدوا على أدباركم ( [المائدة : 21] .
فالـردة
إذاً : خروج المسلم عن دينه ، وإعلانه الكفر به ، وبتشريعه . والمرتدّ هو : الراجع
عن الدين طوعاً .
ولا
خلاف بين العلماء في أنّ المرتد لا يحجب غيره .
ولكن
السـؤال : هل يرث من مورِّثه المسلم ؟ وهل يرث غيره منه ؟
=
إرث المرتد :
س
: هل يرث المرتدّ من مورِّثه المسلم ؟
=1=
الجمهور (وهم الحنفية ، والمالكية ، والشافعية) ، قالوا بعدم توريث المرتدّ .
=2=
الحنابلة : قـالوا بتوريث المرتدّ إذا أسلم قبل تقسيم التركة .
ولا
منافاة بين القولين ؛ إذ المرتد الباقي على ردته لا يرث بإجماع علماء المسلمين .
=
الوراثة من المرتدّ :
س
: هل يرث غيره منه ؟
=1=
الجمهور (وهم المالكية ، والشافعية ، والحنابلة) : قالوا بعدم توريث غيره منه ،
وماله يعتبر فيئاً للمسلمين ، يُوضع في بيت المال ، سواء اكتسبه في حال إسلامه ،
أو حال ردَّته ، وسواء كان ذكراً أو أنثى .
=2=
الحنفية : قالوا بتوريث ورثته المسلمين ، على اختلاف فيما بينهم .
والراجح
في مذهبهم : أنَّ المال الذي كسبه في حال الإسلام ، والذي كسبه في حال الردّة هو
مال واحد ، ويرثه ورثته المسلمون . وهو قول أبي يوسف ، ومحمد من تلاميذ أبي حنيفة
.
والمرجوح
في مذهبهم : أنّهم فرَّقوا بين المال الذي كسبه الرجل الذكر في حال إسلامه ، والذي
كسبه في حال ردّته ؛ فالذي اكتسبه في حال الإسلام يرثه ورثته المسلمون . أما الذي
اكتسبه في حال الردَّة ، فلا يرثوه .
أمَّا
المرأة المرتدة : فيرثها ورثتها المسلمون في كلّ الأحوال . وهو أحد قولي أبي حنيفة
رحمه الله .
من
موانع الإرث المختلف فيها :
(2)
= اختلاف الدار :
وهذا
يكون بين غير المسلمين ؛ إذ " لا خلاف بين العلماء في أنّ المسلمين مهمـا
تباينت أوطانهم ، وتعدّدت ممالكهم ، وتميّزت حدود دولهم بعضها عن بعض ، فهم أبناء
وطن واحد ، تجمعهم راية الإسلام ، ووحدة تشريعه ونظامه ؛ فالمسلم العربي يرث من
المسلم الباكستاني أو التركي ، كما لو كانا من بلدة واحدة ؛ لأنّ من مبـادئ
الإسلام أنّ الوطن الإسلامي وطن واحد ، وأنّ المسلمين أمة : ) وأنّ هذه أمتكم أمة واحدة ( [الأنبياء : 92] ، ) إنّما المؤمنون إخوة ( [الحجرات : 10] . ولا خلاف بين العلماء أيضاً
في أنّ المسلم يرث من المسلم ، ولو كان أحدهمـا تحت سـلطة الأعـداء ، أو من رعية
دولة غير إسلامية ؛ فالمســلم العربي يرث من قريبه المسلم الأمريكي ، أو الإنكليزي
، أو الروسي ؛ لأنّ ولاية المســلم للإســلام ، مهما اختلفت جنســــيته وقوميته .
أمَّـا غير المسلمين : فإن كانوا من رعايا دول إسلامية ، توارثوا فيما بينهم ، ولو
تميَّزت حدود هذه الدول بعضها عن بعض" ؛ فالنصراني السوري يرث من النصراني
المصري أو الإيراني .
أما
إن كان أحدهما من رعايا دولة إسلامية ، والآخر من رعايا دولة غير إسلامية ، فلا
توارث بينهما لاختلاف الدار .
والمراد
باختلاف الدار : اختلاف المنعة ، والحوزة (الحدود) ، والسلطان ، والملك . وبتعبير
العصر الحاضر : اختلاف الجنسيَّة .
س
: هل يُعتبر اختلاف الدار مانعاً من موانع الإرث بين غير المسلمين ؟
=1=
الحنابلة والمالكية : لا يعتبرونه مانعاً من موانع الميراث ؛ لعدم ورود نص فيه ؛
فالرسول قال : "لا يتوارث أهل ملتين شتى" ، وهؤلاء ملة واحدة ؛ فلا يمنع
اختلاف الدارين من الإرث بينهم .
=2=
الشافعية والحنفية : يُعتبر مانعاً .
س
: ما العلة في اعتبارهم اختلاف الدار من موانع الإرث ؟
ج
: قالوا : لانعدام النصرة والتآزر بين المتوارثين .
وقد
قسَّموا هذا الاختلاف إلى ثلاثة أقسام :
=1=
اختلاف الدارين حقيقة وحكماً ؛ كالحربي المقيم في بلده ، بالنسبة لقريبه الذمِّي
المقيم في بلاد الإسلام .
مثال
: نصراني أمريكي ، له أخ نصراني سوري ، وكلّ واحد منهما يُقيم في دولتـه ، (فلا
توارث بينهما لاختلاف الدار) ؛ فهذا السوري ذمِّي في دار الإسلام ، وقريبه
الأمريكي حربي في دار الحرب ، والعصمة بين البلدين منقطعة ، والاختلاف بين الدارين
موجود حقيقة وحكماً .
=2=
اختلاف الدارين حكماً لا حقيقة ؛ كالذمِّي الذي يعيش في بلد الإسلام ، بالنسبة
لقريبه المستأمن الذي دخل بلاد الإسلام بأمان ، ليعيش فيها فترة من الزمن ؛
فإنَّهما في دار واحدة حقيقة ، من جهة أنّهما يعيشان في دار الإسلام وقت وفاة
أحدهما ، لكنهما من حيث المعنى والحكم في دارين مختلفين ؛ لأنّ المستأمن لا تزول
جنسيته عنه بإقامته المؤقتة في بلد المسلمين ، وهو من أهل دار الحرب حكماً لتمكنه
من الرجوع إليها، بينما قريبه الذمي يعتبر من دار المسلمين .
مثال
: نصراني ألماني مقيم في سوريا ، وله أخ نصراني سوري يعيش في سوريا أيضاً .
=3=
اختلاف الدارين حقيقة لا حكماً ؛ كالمستأمن الذي دخل بلاد المسلمين بأمان ، وهو من
دار الحرب ، بالنسبة لقريبه الذي يعيش في دار الحرب ؛ فإنّ الدار مختلفة وقت وفاة
أحدهما حقيقة ، لكنها لا تختلف في الحكم ؛ نظراً إلى أنَّ المستأمن على وشك الرجوع
إلى وطنه الأصلي ، وهما من دار واحدة حكماً .
مثال
: نصراني روسي دخل بلاد المسلمين مستأمناً ، وله أخ روسي يُقيم في دار الحرب .
ففي
الحالتين الأوليين يمتنع الإرث ، وفي الحالة الثالثة لا يمتنع .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق