السبت، 22 فبراير 2014

جديد الترسانة الدستورية لمغرب التسعينات



جديد الترسانة الدستورية لمغرب التسعينات
المبحث الأول: مضمون المراجعة الدستورية لصيف 1992
توطئة
تعتبر المراجعة الدستورية لصيف 1992 دستورا جديدا لكونها فتحت آفاقا متعددة تستجيب بشكل كبير لتطلعات مغرب القرن الواحد والعشرين؛ فمع هذه المراجعة تم الإقرار بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا؛ مثلما عرفت المؤسسات الدستورية نقلة نوعية حيث شهد العمل الحكومي انتعاشة قوية ومسؤولية حقيقية أمام البرلمان، دون أن ننسى إدماج مؤسسات دستورية من شأنها تفعيل النسيج الديمقراطي بالمغرب.
وللإحاطة بمستجدات هذه المراجعة سنخصص المطلب الأول لرصد موقف الفقه الدستوري من هذه المراجعة؛على أساس أن نفرد المطلب الثاني للحديث عن ابرز المقتضيات الجديدةالتي حملتها هذه المراجعة بين طياتها.
المطلب الأول: موقف الفقه الدستوري من المراجعة الدستورية لصيف 1992
لقد أجمع العديد من الفقهاء الدستوريين المغاربة والأجانب على أن سنة 1992 تعتبر سنة  متميزة في سجل التاريخ الدستوري المغربي إذ حملت معها الجديد على أكثر من صعيد  وقد ذهب الفقيه الفرنسي ميشيل روسي إلى القول "بأن المراجعة الدستورية ليوم 4 شتنبر 1992 حققت نقلة نوعية في النظام السياسي المغربي في اتجاه دولة القانون"[26] فيما اعتبر الفقيه الدستوري عبد الهادي بوطالب "هذه المراجعة أدخلت عدة تعديلات جذرية حورت عددا من الخيارات التي أقرها الدستور الأول"[27] هذا في الوقت الذي أخذ فيه البعض على هذه الإصلاحات كونها تداولت بكثافة خلال عقد التسعينات من طرف الفاعل السياسي المركزي والفاعل السياسي الثانوي لم  يولد سلطة  حكومية جديدة أي  لم يدخل تحويرات دستورية من  شأنها المساعدة  على توفير الآليات الكفيلة بضمان استقلالية الأداء الحكومي علما أن الجانب الدستوري لوحده  لا يكفي بل لابد أن يتعزز بالاصلاح السياسي المكمل له.[28] فما هو الجديد الذي جاءت به هذه  المراجعة؟
المطلب الثاني : جديد المراجعة الدستورية لصيف1992.
حملت المراجعة الدستورية لصيف 1992 بين طياتها معطيات جديدة ومجددة على أكثر من  صعيد تفضي بالنظام السياسي المغربي إلى أن يصبح قريبا من النظام البرلماني هذا في الوقت الذي كان فيه قبل هذه الدستور –نظاما شبه برلماني أو شبه رئاسي، أو ما يمكننا أن نطلق عليه جزافا نظام" ذو نزعة رئاسية " ليعطي الانطباع بوجود قدر كبير من الحراك السياسي في هذه الوثيقة الدستورية، إذ تعطي الانطباع باستيعاب جميع الفاعلين السياسيين لتحقق لهم مطالبهم السياسية دون أن تخل ببنية وهندسة النظام السياسي المغربي.
 فكيف كان منظور المؤسسة الملكية  لهذا الاصلاح الدستوري؟
 في خطابه لذكرى ثورة الملك والشعب أبى المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني إلا أن يكشف عن عناصر التجديد التي جاءت بها هذه المراجعة الدستورية مخاطبا شعبه قائلا :" انتظر منك أن تقول نعم لأنك ترى وسوف ترى أن هذا الدستور مبني على أثاف ثلاث :
أولا : إعطاء الحكومة مسؤوليات أكثر حتى يمكنها عند الامتحان أن تعز أو تهان.
ثانيا: إعطاء منتخبيك الوسيلة القانونية والموضوعية لمراقبة الحكومة وتشجيعها على السير أو الطلب منها أن تتوقف عن العمل.
أما الركن الثالث -ورغم هذا كله- فقد بقي خديمك وملكك ساهرا على سير هذا كله لتسيير الدواليب بكيفية متوازية ومرضية لا تطاحن فيها ولا اعوجاج ولا انحراف"[29]
الفرع الأول : الاعتراف بكونية حقوق الإنسان
      إن الحديث عن حقوق الإنسان بالمغرب ليس مسألة جديدة كل الجدة عن النظام الدستوري المغربي؛ إذ سبق وأن تضمن المشاريع الدستورية لمغرب ما قبل الحماية مقتضيات تنص على ضرورة احترام حقوق الإنسان[30]، مثلما شملت دساتير المغرب المستقل إقرارا بالحريات العامة؛إلا أن هناك قفزة نوعية مست مجال حقوق الإنسان في مغرب التسعينات[31]  إذ تضمن تصدير مراجعة 4 سبتمبر 1992 تشبث المملكة المغربية بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا.[32]
إن التزام المغرب بحقوق الإنسان بمفهومها الكوني في صلب أسمى ميثاق قانوني وضع حدا لبعض المؤاخذات" التي أثارتها بعض المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حول المغرب
الفرع الثاني: وضعية المؤسسات الدستورية وفق المراجعة الدستورية لسنة1992
حملت المراجعة الدستورية لصيف 1992 بين طياتها معطا حداثيا شمل مختلف المؤسسات الدستورية المغربية دون أن يفضي إلى إفراغها من حمولتها التقليدانية  .
أولا : التقييد الجزئي لسلطات الملك في اتجاه الحداثة
   في معرض جوابه عن إحدى أسئلة الصحفي الفرنسي إيريك لوران أشار العاهل المغربي الحسن الثاني على أنه يتنازل عن بعض اختصاصاته لفائدة تقوية باقي المؤسسات الدستورية الأخرى مشيرا في هذا الصدد:" إنني أتنازل عن بعض اختصاصاتي لكي تتحد المسؤوليات بشكل أفضل، فالملكية غدت مثل تلك المظلة  التي يحتمي بظلالها الكثيرون، بينما أتلقى أنا ضربات الشمس لذا فإني أريد أن أعكس الآية شيئا ما، ومن جهة أخرى اعتقد أن المغرب خطا خطوة هامة إلى الأمام"[33] غير أن تقييد سلطات الملك لم يمس المهام التقليدية للسلطان المغربي بقدر ما شمل جانبا من السلطات العصرية للملك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق