الخميس، 20 فبراير 2014

النهضة الاوربية عصر النهضة في فرنسا المانيا وانجلترا




النهضة في ألمانيا :
         لم تجد الدراسات الإنسانية في الأوساط العلمية والدينية في ألمانيا أول الأمر مناخاً صحياً تزكو فيه على الرغم من تشجيع بعض الحكام لأصحاب هذه الدراسات , وعلى الرغم من ان بعض الجامعات الإلمانية قد أفسحت للدراسات الإغريقية واللاتينية مجالاً في برامجها , فقد كانت معارضة رجال الدين الألمان لهذه الدراسات من القوة والعنف بحيث حدت من انتشارها في نطاق واسع , وقد ربط هؤلاء الرجال بين الدراسات الإنسانية وبين إيطاليا باعتبار أن هذا الإقليم هو مهد الدراسات الإنسانية منذ بدأت النهضة , وكان الألمان بوجه عام ورجال الدين بوجه خاص يشعرون بمقت شديد لرجال الكنيسة في روما نظراً لما كان يتناقله الناس في أحاديثهم ومجالسهم من أخبار تدل على تدهور رجال الكنيسة في روما في مستواهم الخلقي والديني والثقافي . وطالب الألمان بالعودة إلى المسيحية الأولى في بساطتها وطهارتها وتقواها , ورأوا أن هذا الغرض لن يتم إلا بتفهم المسيحية تفهماً صحيحاً سليماً قبل أن تفسدها فلسفة العصور الوسطى وتعقيداتها , وقبل أن تدخلها الخرافات والبدع والأساطير الدينية.
         ظهر في ألمانيا حنا روخلن Johann Reuchlin كان من أعلام الفكر الألماني الحديث , تخصص في الدراسات الإغريقية واللاتينية في روما وغيرها من مدن إيطاليا وفي باريس وبال . وجاهد في سبيل نشر هذه الدراسات بين مواطنيه , ثم تعمق في دراسة العبرية . وكان اهتمامه بهذه اللغة راجعاً إلى رغبته في خدمة الديانة المسيحية على أساس أن العبرية هي الوسيلة العلمية لدراسة وتفهم كتاب ( العهد القديم ). وقد ثار جدل عنيف بينه وبين زميل له من رجال الفكر الألماني يدعى حنا بلفر كورن  Johann Plefferkorn هاجم الأخير الدراسات الإنسانية هجوماً عنيفاً , ووقف الرأي العام الأاماني إلى جانب روخلن مما كفل له الفوز ورجحان كفته . ومن خلال هذا الجدل أدرك الشعب الألماني بما لا يدع مجالاً للشك أهمية الدراسات الإنسانية في شرح الكتاب المقدس , وبالتالي في تفهم الديانة المسيحية على أساس سليم , ومن هنا حدث ارتباط وثيق بين الدراسات الإنسانية وبين الرغبة على الإصلاح الديني , وهي رغبة جاشت في صدور الجماهير الألمانية واستهوت افئدتهم وعملوا على تحقيقها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً . ومن ثم اتخذ دعاة الإصلاح الديني من الدراسات الإنسانية وسيلة لتحقيق رغبتهم بعد أن كان رجال الدين يعارضون هذه الدراسات.
         وقد ترتبت على هذا الوضع عدة نتائج : فقد استهدفت الدراسات الإنسانية في ألمانيا خدمة المسيحية , وخلت كتابات أعلام النهضة الألمان من أية نزعة وثنية , وغدت النهضة في المانيا دينية فلسفية جافة تتميز بطابع الجدية الصارمة البعيدة عن تقديس الجمال . ولم تلبث أن تطورات إلى قيام ما يعرف بحركة الإصلاح الديني , وهي – كما سنرى – حركة معادية للكنيسة الكاثوليكية في روما , اعتمدت على العنف وأدت إلى تصدع العالم الكاثوليكي ونشوء مذاهب مسيحية أخرى خاضت صراعاً حربياً رهيباً استطال عهوداً وأحقاباً . ومما هو جدير بالذكر أن الألمان لم يتحمسوا لمحاكاة الإغريق والرومان في طرق معيشتهم وأزيائهم وتقاليدهم على غرار ما فعل الإيطاليون . وقد ظهر هذا الفارق وضح ما يكون في فن البناء , فبينما اتجه الفنانون الإيطاليون على محاكاة النماذج الإغريقية والرومانية , تمسك الفنانون الألمان بالطراز القوطي , وهو الطراز الذي كان منتشراً في العصور الوسطى.

النهضة في فرنساً :
         ظفرت النهضة في فرنسا بالمناخ الصحي الذي ساعد على ازدهارها , فبعد أن وضعت حروب المائة سنة أوزارها وهي عبارة عن عدة حروب متقطعة نشبت بين فرنس وانجلترا بسط ملوك فرنسا وامراؤها رعايتهم على رجال العلوم والآداب والفنون . وبتشجيع ملوك فرنسا وفد إلى باريس مجموعة من كبار العلماء , كان بعضهم من الإيطاليين , والبعض الآخر من أصل بيزنطي , وأخذوا يحاضرون في جامعة باريس في اللغات العبرية والإغريقية واللاتينية , ومضى هؤلاء الملوك يبدون إعجابهم العميق بالنهضة , فأدخلوا في بلاطهم الكثير من التقاليد والمراسم والمظاهر التي كان معمولاً بها في بلاط الأمراء الإيطاليين , ثم انشئوا الأكاديميات وغيرها من المؤسسات العلمية للعناية بالدراسات الإنسانية وغيرها.
         ومن مظاهر هذه الروح الطيبة أن توثقت عرى الصداقة بين فرنسوا الأول ملك فرنسا وبين رجال الدراسات الإنسانية , وكان من بينهم جيوم بوديه , Cuillaume Bude , وكان من كبار العلماء المتخصصين في اللغة الإغريقية , واستغل الحظوة التي كان يتمتع يها لدى الملك فرنسوا الأول وزين له إنشاء كلية لتشجيع الدراسات الإنسانية , واستجاب له الملك فأنشأ كلية فرنسا Le college de France في باريس خارج نطاق جامعتها , وعين لها أساتذة متخصصين في اللغة الإغريقية بوجه خاص . ولا يزال هذا المعهد مفخرة من مفاخر فرنسا إلى اليوم . ولم يدخر هذا الملك جهداً في تشجيع النهضة في فرنسا وإضفاء مزيد من التقدير والتكريم على رجالها حتى أطلق لقب علمي معبر ( والد وباعث الآداب) le Pere et Restaurateur des Lettres ونشطت في باريس حركة نشر الكتب الإغريقية , وأسست مطبعة يونانية متخصصة لنشر هذه المؤلفات . ومن التقاليد التي أرسيت قواعدها في فرنسا زمن النهضة والتي لا يزال معمولاً بها إلى اليوم هناك أن أصحاب المطابع لم يكونوا رجال أعمال فحسب , بل جمعوا بين الثقافة العميقة الواسعة وبين مهنة الطباعة.
         ومن بين أعلام النهضة في فرنسا رابليه Francois Rabelais تعلم الطب وغدا أستاذاً في علم التشريح , وكان أول من خالف أمر البابا وشرح جثة إنسان , وأصبح مهتماً بالبحث العلمي , واشتغل قسيساً , ونشر أبحاثه في أسلوب مبسط ممتع , واهتم العلماء الفرنسيون بدراسة القانون الروماني القديم وعكفوا على تفسير المصطلحات القانونية .
         و يجدر بنا أن نشير إلى الفرق بين موقف العلماء الإيطاليين وموقف العلماء الفرنسيين في عصر النهضة الأوربية تجاه الدراسات الإنسانية وغيرها من مظاهر النهضة . لقد بهرت المخلفات القديمة أفئدة العلماء والفنانين الإيطاليين , وأيقنوا أن هذه المخلفات هي أروع وأجمل ما يمكن أن تنتجه الطبيعة أن إنتاجهم الأدبي والفني غدا صورة آو نموذجاً للمخلفات القديمة . أما العلماء الفرنسيون فقد نظروا إلى هذه الآثار الأدبية والفنية نظرة ملؤها التقدير , ولكنهم احتفظوا في نفس الوقت بشخصيتهم الأدبية أو الفنية وبأسلوبهم في التفكير والتعبير , وكان إنتاجهم مزجا بين القديم والذي يتمثل في المخلفات الإغريقية والرومانية وبين الجديد الذي يتمثل في خصائصهم الذاتية . ويتضح هذا الفارق بين الإنتاج الإيطالي والإنتاج الفرنسي في قطاع الأدب والبناء والنحت.

النهضة في انجلترا:
دخلت الدراسات الإنسانية إنجلترا متأخرة بعض الوقت , لأن هذه البلاد كانت منصرفة إلى مشكلات الحرب التي قامت بينها وبين فرنسا , وهي المعروفة باسم حرب المائة سنة , ثم لم تلبث أن شغلت مرة أخرى بحرب داخلية عرفت باسم حرب الوردتين , فلما وضعت هذه الحرب الأخيرة أوزارها أخذت الدراسات الإنسانية طريقها إلى انجلترا , وكان جماعة من الإنجليز قد شدوا رحالهم إلى شبه الجزيرة الإيطالية ونهلوا من الدراسات القديمة في فلورنسا والبندقية وروما وغيرها ما شاء لهم نهمهم العلمي . وكان معظم هؤلاء الإنجليز من أكسفورد , ولما عادوا اتخذوا من أكسفورد مكاناً لإلقاء محاضراتهم ونشر آرائهم الجديدة فأطلق عليهم ( مصلحو أكسفورد ) Oxford Reformers .
وقد أسهم إرزمس في ازدهار الدراسات الإغريقية في انجلترا , ففي زيارته الأولى لها حاضر في جامعة أكسفورد في هذه الدراسات , وفي زيارته الثانية لإنجلترا – وقد امتدت حاضر في جامعة كامبردج , وترعرعت بينه وبين أعلام الإنجليز في الدراسات الإنسانية أواصر صداقة وثيقة , ويعتبر إرزمس من أعلام مصلحي أكسفورد بسبب زيارته لإنجلترا والعلاقة الوطيدة مع علمائها.
أهتم مصلحو أكسفورد بدراسة الأدبيات القديمة , ونادوا بضرورة إطلاق الفكر الإنساني من القيود التي كانت تفرضها الكنيسة على حرية البحث العلمي وحرية الفكر . وكان هؤلاء المصلحون متأثرين بروح النقد المنتشرة في عصرهم , وكانوا لا يرضون عن مساوئ الكنيسة , وكنهم لم يذهبوا في مطالبتهم بإصلاحها إلى حد المناداة بانفصالها تماماً عن روما.
ومن أعلام النهضة في إنجلترا توماس كولت Thomas Colet أدخل تعليم اللغة الإغريقية في جامعة أكسفورد , وسير توماس مور Thomas More وكلاهما كان صديقاً لإرزمس . وتعاون الثلاثة على نشر الإنجيل ( حتى يصل إلى كل فلاح خلف محراثه , وكل ناسخ خلف منواله , وحتى يكون سلوى كل مسافر ) .
وأخذت الدراسات الإنسانية طريقها من جامعة أكسفورد إلى جامعة كمبردج على يد إرزمس الذي حاضر في اللغة الإغريقية . وكون حلقة من دارسين نابغين شغوفين بتلك الدراسات , ثم تعاقب من إرزمس عدد من صفوة الأساتذة الإنجليز يحاضرون في اللغة الإغريقية في رحاب تلك الجامعة , حتى إذا جاءت سنة 1541 أصدر هنري الثامن مرسوماً ملكياً بإنشاء خمسة كراسي أستاذية في جامعة كمبردج للغة اليونانية واللغة العبرية واللاهوت والقانون المدني والطبيعة
وأهم فارق بين النهضة في انجلترا وبين النهضة في كل من إيطاليا وفرنسا أن النهضة في الدولتين الأخيرتين اتجهت اتجاها وثنياً , أما في انجلترا فقد أخذت النهضة طابعاً دينياً يستهدف خدمة المسيحية ,ولذلك لم تكن النهضة في انجلترا مقصورة على الآداب والفنون , بل شملت أيضاً الدين , وحاولت التوفيق بين الفن والعقيدة , وبين الجمال والدين.
واتجهت النهضة في انجلترا أول الأمر إلى جعل الآداب القديمة في متناول المثقفين , فأخرجت تراجم لأعلام الفكر القديم , مثل هوميروس , وفرجيل , وبلوتارك وغيرهم , كما ترجمت إلى اللغة الإنجليزية ألوان من الإنتاج الأدبي لأعلام النهضة الإيطاليين , ولم تقدم انجلترا في القرن السادس عشر روائع أدبية مبتكرة إلى الدراسات الإنسانية , حتى إذا جاء القرن السابع عشر بلغ الإنتاج الأدبي في اللغة الإنجليزية الذروة في الروعة والإبداع , وقد تمثل هذا الإنتاج في مؤلفات شكسبير Shakespeare وجون ملتون John Milton .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق