الجمعة، 14 فبراير 2014

التعايش بين الاديان في القرآن والسنة

التعايش بين الاديان في القرآن والسنة

حوار التقارب بين الاديان وحكمه :

تعريفه:
"التقارب بين الأديان" لا يحمل مدلولاً اصطلاحياً محدداً، فلفظ "التقارب" أو "التقريب" مأخوذٌ من القرب، وهو أمرٌ نسبي يتفاوت في حقيقته وتطبيقاته فقد يقتصر على حدٍّ أدنى من المجاملات الشكلية، وقد يبالغ فيه إلى درجة الاندماج الكامل والوحدة التامة، وبين هذين مراتب متعددة وكلها داخلة في عموم اسم التقارب ([1]). و هذا المفهوم أوسع نوع من أنواع الحوار بين الأديان، ولعله أشهر مفهوم له والذي تعقد له المؤتمرات المتعددة.

خصائصه:
ولعل الخصائص المميزة للتقارب الذي لا يصل إلى درجة الوحدة يمكن أن تجمل فيما يلي ([2]):
1)    اعتقاد "إيمان" الطرف الآخر، وإن لم يبلغ الإيمان التام الذي يعتقده هو، أما القول بكفر الآخر فقد يصرح به البعض، وينفيه الأكثر.
2)    الامتناع عن التلفيق بين عناصر الأديان، وتجنب البحث والمناقشة في المسائل العقدية الشائكة.
3)    التعرف على الآخر كما يريد أن يُعرف.
4)    نسيان الماضي التاريخي والتخلص من آثاره، والاعتذار عن أخطائه.
5)    إبراز أوجه الاتفاق، وترك نقاط الاختلاف.
6)    التعاون على تحقيق القيم المشتركة وهي تشمل ما يلي ([3]):
         ‌أ-         التعاون لصد الإلحاد في العقيدة.
      ‌ب-      الوقوف ضدا دعاة الإباحية.
       ‌ج-       التعاون حول قضايا العدل و المستضعفين والشعوب المضطهدة والأوطان المحتلة، والفقر والمرض... الخ.


7)  الاعتراف بالآخر، واحترام عقائده وشعائره، وتبادل الزيارات والمجاملات في المناسبات الدينيّة المختلفة ([4])، والمشاركة في عباداتهم أحياناً([5])، ويدخل في ذلك التأكيد على المحبة والمودة والإخاء والصداقة والثقة والاحترام المتبادل معهم.
8)    البعد عن جعل الحوار دعوة مبطنة سواء للإسلام أو النصرانية. ([6])
ومن خلال ما سبق يتبين أن التقارب أمرٌ نسبي، فيمكن حصول التقارب إلى درجة الوحدة ويمكن الاكتفاء بالتفاهم العام القريب من حوار التعايش.
وقد ظهر لي أن دعاة التقريب نوعان:
النوع الأول: تجتمع فيه الخصائص السابقة إلاَّ عدم تكفير اليهود والنصارى. ويمكن التمثيل لهذا النوع بالشيخ يوسف القرضاوي ولجنة الحوار في الأزهر.
النوع الثاني: تجتمع فيه الخصائص السابقة مع قوله بعدم تكفير اليهود والنصارى كما هو قول جمال الدين الأفغاني والدكتور محمد عمارة مثلاً.

حكمه:
حكم حوار التقارب يختلف بحسب نوع القرب، وقد سبق أن بينتُ أن دعاة التقريب على نوعين، والفارق بينهما هو تكفير اليهود والنصارى، فمن كفّرهم مع القول بالتقريب على نحو ما سبق فقوله بدعة مخالف لمنهج النبي r  في حواره مع أهل الكتاب، ومن لم يكفّرهم فقوله كفرٌ لأنه تكذيب لأمرٍ قطعي في القرآن والسنة، بغض النظر عن الأشخاص المعينين، لأن لهم شأن آخر فيما يتعلق بوجود الشروط وانتفاء الموانع وليس هذا مجال بحثنا هنا. أما المودة والمحبة القلبية، فإن كانت لدينه فهي كفر أكبر بغير خلاف، وأما إن كانت المحبة القلبية لغير دينه بل لأمر دنيوي، ولم يقتض ذلك مظاهرته على المسلمين فهي من الكبائر ولا توصل للكفر الأكبر.
وسأدلل على أن "حوار التقريب" مخالف لأصول الدين ومناقض لمنهج الرسول صلى الله عليه وسلم بشكل عام من خلال الوجوه التالية:
الوجه الأول: أنه موالاة للكفار ومخالفة لعقيدة الولاء والبراء، يقول تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ} (الممتحنة: 1). ويقول تعالى:{لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ...}(المجادلة: 22 ). ويقول تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ...} (المائدة: من الآية51). والمودة والموالاة في "حوار التقريب" هو الشعار البارز الذي يردد في اللقاءات والبيانات المشتركة. ولعلي أكتفي بالنقل عن أفضل المشاركين في هذه الحوارات والمنظرين لها وهو الشيخ يوسف القرضاوي حيث يقول في بيان أهداف الحوار : "تنقية العلاقات من رواسب الروح العدائية التي خلفتها الصليبية قديماً، والاستعمارية حديثاً، وإشاعة معاني الإخاء والإنسانية والرحمة، وفتح صفحة جديدة لعلاقات أنقى وأصفى"([7]).
الوجه الثاني: أنه مخالفة لمنهج النبي صلى الله عليه وسلم في حوار الأديان، وإتباع لغير سبيل المؤمنين، ومخالف لإجماع المسلمين. قال تعالى : {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} (النساء: 115). ولا شك في أن "حوار التقريب" مناقض لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وعلماء الإسلام فأصحاب التقارب يتركون نقاط الاختلاف، ولاسيما مسائل العقائد وهذه مناقضة لمنهج الدعوة النبوية، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا أهل الكتاب وغيرهم من أهل الأديان إلى تحقيق التوحيد ونبذ الشرك وجادلهم على ذلك، ولم يرد تركه لمخاطبتهم في العقائد والإعراض عن ذلك إلى قضايا مشتركة أخرى. فدعوة التقارب فيها تنكّب لطريق الأنبياء ومعاكسة له، وهذا من دلائل بطلانه.
الوجه الثالث: أنه إعراض وترك لبعض الأحكام الشرعية. يقول تعالى : {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك ...َ} (المائدة: 49). وهذه الآية صريحة في ثلاثة أمور أثناء الحوار مع أهل الكتاب وهي:
1- دعوتهم والحكم بينهم بحكم الله، وهذا أعرض عنه دعاة التقريب بالبعد عن نقاط الاختلاف وتنزيل الدين الحق منزلة الدين المحرف بحجة اعتبار الآخر واحترامه.
2- البعد عن مجاملتهم والتنزل معهم وإتباع أهوائهم، وهذا أعرض عنه دعاة التقريب في مشاركتهم لهم في أعيادهم وإثبات إيمانهم وتزكيتهم.
3- الحذر من فتنتهم عن بعض ما أنزل الله تعالى، وهذا أعرض عنه دعاة التقريب فانزلقوا في مخالفة بعض ما أنزل الله بحجة التقارب والحوار، ومن أمثلة ذلك:
o   الإعراض عن الولاء والبراء، والحب في الله والبغض في الله تحت مسمَّى "المحبة والاحترام المتبادل" و "الأخوة الإنسانية" و "نبذ التعصب".
o       إلغاء أحكام أهل الذمة تحت مسمى "العدالة الاجتماعية" و "حقوق الإنسان".
o   إبطال حد الردة، وتمكين الكفار من الدعوة إلى دينهم وبناء معابدهم، ونشر كتبهم تحت مسمى "حرية التدين" و "التعددية الدينية" و "التعرف على الآخر".
o   إلغاء الجهاد في سبيل الله وما يتبعه من أحكام مثل استرقاق الأسرى والغنائم تحت مسمَّى "السلم العالمي"، وفكرة الجهاد من أصلها لا تناسب الحوار بين الأديان بمعنى التقريب المزعوم. وغير ما تقدم من الأحكام الشرعية أعرضوا عنها بسبب الحوار والتقريب ([8]).
الوجه الرابع: أنه يتضمن المساواة بين الكافرين والمسلمين، يقول تعالى : {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} (القلم: 35). ويقول تعالى : {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} (صّ: 28). ودعوة التقريب في أساسها تقرر مبدأ المساواة الدينيّة، وهذا رفع لما وضعه الله، وتنزيل لما رفعه الله تعالى. فالتقارب يفترض المساواة بين الأديان وعدم امتلاك الحقيقة المطلقة لأي منها، وهذا شك في الإيمان والإسلام وتوسط بين الأديان وهذا يقتضي ترك الجزم بصحة الحقائق المطلقة في الإسلام ونظرته إلى أهل الأديان الأخرى.

 





([1]) انظر : دعوة التقريب بين الأديان 1 / 335 . والحوار الإسلامي المسيحي ص/44-13-43 .
([2]) المصدر السابق 1 / 336
([3]) انظر لقاء الشيخ يوسف القرضاوي حول ( الحوار بين الأديان ) في : قنـاة الجزيرة - برنامج الشريعة والحياة - الثلاثاء 19/8/ 1422هـ , الموافق 6 / 11 / 2001م.
([4]) انظر : خطاب الشيخ يوسف القرضاوي في ندوة الحوار بين الأديان - موقع إسلام أون لاين . نت - نافذة الإسلام وقضايا العصر .ومقابلة مجلة ليلة القدر مع رئيس لجنة الحوار بين الأديان الشيخ فوزي الزفزاف.                       www. Lailatalqadr.Com زاوية حوارات.
([5]) الحوار مع أهل الكتاب ص / 124.
([6]) انظر: الحوار الإسلامي المسيحي ص/43-44
 ([7]) أولويات الحركة الإسلامية في الرحلة القادمة ص / 176
([8]) انظر : دعوة التقريب بين الأديان 4 / 1448

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق