السبت، 22 فبراير 2014

نظام الازدواج البرلماني



إقرار لنظام الازدواج البرلماني
  الفرع الأول :  في أسباب تبني نظام الغرفتين بالمغرب
     في خطاب بمناسبة عيد العرش ليوم 3مارس 1996 أشار العاهل المغربي الحسن الثاني على أنه "سنقدم في بحر  هذه السنة – بعد نهاية الدورة الثانية لمجلس النواب مشروع تعديل جديد يهدف إلى تركيب برلماننا من مجلسين إيمانا منا بصلاحية هذا النهج وفعاليته وحرصا على أن نوفر  لشعبنا المزيد من مشاركته؛ ذلك أن ثنائية المجلس توفر للشرائح المعنية من المجتمع المدني من جهات وجماعات محلية وغرف مهنية ومنظمات نقابية المشاركة في مجلس نيابي له حق التقرير؛ ومن شأن ذلك أن يقيم التنافس بين الغرفتين لتحسين أدائهما وإغناء تداولهما بالخبرة اللازمة والحكمة المتوخاة عند مناقشة النصوص التشريعية التي تتعاقب الغرفتان على دراستها لإقرارها"[45].  فماذا نستشف من هذا الخطاب الملكي؟
     لقد توخى العاهل المغربي من تبني نظام الازدواج البرلماني تحقيق أربع امتيازات أساسية : أولها توسيع قاعدة المشاركة الشعبية حتى يحقق النظام السياسي المغربي أكبر تمثيلية ممكنة، وهذا أمر فرضه زيادة النمو الديمغرافي، ثانيها إيجاد تمثيل عادل للنخبة الاقتصادية المغربية، ثالثها تحقيق الانسجام بين البرلمان المغربي ومؤسسة الجهة، رابعها  تعزيز المراقبة البرلمانية على أعمال الحكومة، فعوض أن يراقبها مجلس واحد ستصبح أمام مراقبة مزدوجة إلى جانب مراقبتها من قبل جلالة الملك .
أولا : توسيع قاعدة المشاركة السياسية ونظام الغرفتين : يبدو حضور هذا العامل جد جلي، حيث يشير العاهل المغربي في هذا الصدد: " عندما أحدثنا نظام الغرفتين في الدستور المراجع الذي وافقت عليه ما يقارب الإجماع لم يكن ذلك منا قرارا اعتباطيا ولا من قبيل المحاكاة، بل تعبيرا عن تشبثنا بالمقومات الشعبية والديمقراطية  لمجتمعك العتيد وسعيا كذلك من أجل بلورة برلمانية لقيم الملكية الدستورية الديمقراطية  والاجتماعية غايتنا من ذلك أن نفسح أوسع مجال ممكن أمام تمثيلك الوطني؛ فالتعقيد الذي  تتسم به التحولات الجارية اليوم سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي يطرح العديد من التحديات التي لا يمكن مواجهتها بنجاح إلا بتضافر ما لوطننا من طاقات خلاقة وفاعلة  ومنتجة"[46]
ثانيا: إيجاد تمثيل عادل لكافة الشرائح المجتمعية داخل نظام الغرفتين : لقد كان جلالة الملك الحسن الثاني من أنصار تبني نظام الغرفتين، ففي رده على كلمة رئيس وفد مجلس الشيوخ الفرنسي في 5 يناير 1993 عبر جلالته عن الدور المحوري الذي تلعبه الغرفة الثانية قائــلا:
 "أعتقد أن مجلس الشيوخ يعتبر أفضل مدرسة للإنجازات؛ ولكن ليس للإنجازات الكمالية وغير الضرورية، بل الإنجازات اللاصقة بواقع حاجيات السكان وهذا ما أكرره دائما لمنتخبينا المحليين؛ إذ أقول لهم : إنه لو كان القانون يسمح لي بأن أتقدم كمرشح للانتخابات فإنني لن اختار الانتخابات التشريعية، بل كنت سأختار الانتخابات المحلية والجهوية لأن الهيئات المنتخبة المحلية والجهوية تمكن من صياغة سياسة للحاضر وبالتالي تحديد ملامح المستقبل[47] لذلك اعتبر جلالته بأن الثلث غير المباشر الذي كان متواجدا في نظام الأحادية المجلسية (مجلس النواب) لم يكن تمثيلا عادلا لباقي الشرائح المجتمعية  خصوصا النخبة الاقتصادية المغربية مؤكدا على "أن ذلك الثلث المنتخب بكيفية غير مباشرة  لا يمثل في الحقيقة ذلك الثلث أحسن تمثيل؛ فذلك الثلث يمثل القوة الحية التي تغذينا كل يـوم والتي تعمل لنا ولبلدها كل يوم إلا وهي الغرف المهنية والطبقة الكادحة المأجورة والمجالس المنتخبة والجماعات المحلية، هذه هي القوة العاملة النابضة يوميا، وكانت في الحقيقة  مهضومة الحق حينما تمثلت فقط بالثلث في البرلمان" [48]
 ثالثا : الجهة كخيار استراتيجي ..ونظام الغرفتين : حتى يتم تكريس الجهة كمعطى ترابي وسياسي على أرض الواقع كان من المفروض إيجاد تمثيل عادل له ومنفصل داخل مجلس تشريعي لذلك لم يتردد جلالته في القول :" إننا عبرنا في المشروع الأخير للدستور أو قبل الخير عن وجوب إعطاء الغرب الجهات لتضمن اللامركزية من ناحية ولتضمن كذلك الفاعلية والنماء المحلي من ناحية أخرى؛ وقد قررنا آخذين بعين الاعتبار هذه العناصر كلها أن نعطي للمغرب غرفة ثانية سميناها مجلس المستشارين "[49]
 رابعا : تعزيز الرقابة البرلمانية في ظل نظام الغرفتين : إن خلق غرفتين متساويتي السلطات التشريعية  والرقابية يجعل الحكومة  تفكر جديا في أي مشروع قانون؛ فتحتاط بشكل كبير  قبل الإقدام على أية مبادرة تنفيذية لأنها تعلم مسبقا وجود غرفتين تراقبان أعمالها[50]
 الفرع الثاني : فرادة نظام الازدواج البرلماني المغربي
   إن تبني نظام الازدواج البرلماني في الدستور المراجع لسنة 1996  ليس مسألة جديدة عن النظام السياسي المغربي، إذ سبق وأن عرف المغرب هذا النظام مع دستور 1962، غير أن البون كبير بين المقتضيات التي جاء بها أول دستور في المغرب المستقل في هذا الباب وتلك التي حملتها المراجعة الدستورية لسنة 1996، حيث تعامل المشرع الدستوري المغربي بكيفية متساوية عند إعطاءه اختصاصات تشريعية ورقابية شبه متساوية للغرفتين معا. 
أولا: السلطات التشريعية بين الغرفتين :  تتمتع الغرفة الثانية بنفس الصلاحيات التشريعية  الممنوحة للغرفة الأولى، فكلاهما له حق عرض مقترحات القوانين والمصادقة  عليها والنظر  في مشاريع القوانين والمصادقة عليها[51]
ثانيا: السلطات الرقابية بين الغرفتين : منح المشرع الدستوري المغربي  لمجلس المستشارين سلطات رقابية  شبه متساوية مقارنة مع تلك الممنوحة  لمجلس النواب؛ فالغرفة  الثانية تتوفر على حق ملتمس الرقابة وإمكانية خلق لجن تقصي الحقائق وطرح الأسئلة  بشقيها والكتابي؛ بل إنها تنفرد بتقنية جديدة لا يحظى بها مجلس النواب ألا وهي " توجيه التنبيه" الأمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن هذه الغرفة ليست استشارية، بل غرفة  تقريرية، حيث تصدى  العاهل المغربي لشرح هذه النقطة  قائلا :"… والحالة أنها ليست غرفة استشارية، ولكن كما أشرت- شعبي العزيز- هي غرفة  تقريرية بكل ما في الكلمة من معنى، فهذه الغرفة ستكون الشطر الثاني من البرلمان[52]
 إن منح هذا التوازن في السلطات بين غرفتي البرلمان المغربي لا نجد له نظيرا في جل الأنظمة السياسية المعاصرة، فغالبا ما يجنح المشرع الدستوري إلى إعطاء تفوق ملحوظ للمجلس الأدنى المنتخب بالاقتراع العام غير المباشر، ويجسد النظام السياسي الألماني هذا التوجه أفضل تجسيد، حيث يعطي صلاحيات واسعة للبوندستاغ (9 المجلس الأدنى ) على حساب البوندسرات( المجلس الأعلى )، إذ حصر مهام هذا لأخير في المجال المالي .
غير أن للعاهل المغربي تصور مخالف لهذا النمط الغربي من الازدواج البرلماني عبر عنه بقوله :" عادة ما نرى في الدساتير التي تصفحناها واطلعنا عليها أن الغرفة الثانية تكون ناقصة القوة وناقصة الآليات بالنسبة للغرفة الأولى، ولكن حتى نجعلها شيقة وحتى نجعل الناس يقصدونها قررنا أن نجعل من هذه الغرفة الثانية غرفة تتميز عن أخواتها في الدساتير  الأخرى لنظهر بذلك أن المغرب ليس مقلدا فقط، بل ينهل من مناهل الغير ولكن يصبها في كأسه ليبتلعها هو لجسده"[53]
مجمل القول أن دخول مغرب الألفية الثالثة في ظل هذه التجربة البرلمانية المتميزة بنظام الغرفتين توضح بشكل جلي أنها لم تنبثق من فراغ؛ بل ستؤسس على ما نمت مراكمته من تجارب وما ترسخ من تقاليد برلمانية تستمد خصوصياتها من واقع المغرب السياسي  الاقتصادي والاجتماعي؛ لذلك جاءت حصيلة  الأولية  لهذه التجربة البرلمانية جد ايجابية  تمثلت في مصادقة هذا  البرلمان على قوانين هامة كقانون الجهات والقانون المنظم الانتخابات والقانونين التنظيمين لمجلس النواب ومجلس المستشارين بجانب مجموعة من القوانين الأخرى ساهمت في بلورتها كل مكونات المجلس وفق نظرة وطنية وواقعية، وأعطت لمفهوم التراضي بعده العميق، فجاءت هذه القوانين ثمرة مجهود وتفكير جماعيين تم إغناؤها بمجموعة من المقترحات والتعديلات التي تعاملت معها الحكومة بشكل إيجابي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق