الاثنين، 24 فبراير 2014

التظيم السياسي لقبائل المغرب الصحراوية قبيلة اي اوسا نموذجا



 التنظيم السياسي لقبيلة أيت اوسا:
إن القبيلة كمؤسسة عامة وكيان مستقل بذاته تتألف من وحدة سياسية  واجتماعية واقتصادية، حرصت كل الحرص على وضع قانون عام وشامل لتنظيم الحياة الجماعية، وفق ما تنص عليه الأعراف والتقاليد، وهذا التنظيم القبلي بالصحراء الشمالية الأطلسية  تجسد بشكل ضمني في هيئة تدعى أيت الاربعين (الربعين)*، كهيئة تشريعية  وتنفيذية، وهو  مجلس يتكون من أعضاء تعينهم الجماعة حيث يختار كل عرش من اعراش القبيلة من يمثله داخل هذا المجلس، دفاعا من مصالحه، وهذا المجلس أو المؤسسة لا تتجاوز أربعين شخصا في غالب الأحيان.
1 ـ مجلس أيت الربعين قبل الاستعمار:
تتمثل السلطة  السياسية في المناطق الصحراوية  في مجلس أيت الربعين  قبل التوغل الاستعماري في الصحراء، حيث  ترددت بالمنطقة أسماء مرادفة لهذه المؤسسة منها على وجه الذكر : "انفلاس"  " المقدمون" "الشيوخ"  "النقباء" العمال" "الرؤساء" "الضمان"... هذا التعدد الاسمي مرتبط أساسا بالوسط الجغرافي وباختلاف اللهجات.
كان اعضاء مؤسسة ايت الربعين ينتخبون بطريقة شرعية وتقليدية، حيث تختار كل فخذة من يمثلها في هذا المجلس، لتلعب دور الوساطة   بين أفرادها وبين الجماعة، ويخضع هذا الاختيار  لمعايير ومقاييس ثابتة والتي يجب ان تتوفر في الشخص  المترشح لهذا المنصب كالنسب والانتماء القبلي، وبعد تشكيل  مجلس أيت الربعين  يتم اختيار  المقدم من بين الأعضاء المنتخبين الذي بدوره  يختار أفرادا من الجماعة تساعده في تطبيق أعراف وأوامر الهيئة (أيت الربعين).
وحسب  ديوان القبيلة كان من أهم الرؤساء والشخصيات البارزة في ممارسة  السلطة  على القبيلة.
من خلال الرواية الشفوية  تبين لنا أن فرقة اداومليل كانت تتزعم القيادة خاصة فخدة ايت وغبان، نظرا لأهميتها وكثرة عددها مما جعلها تتبوأ الريادة.
علاوة على ذلك فإن فرقة إذاومليل تتكون من ستة أفخاذ مقابل خمسة لفرقة إداونكيت، الامر الذي لم يخلق  أية معارضة من طرف هذه الاخيرة.

 
كان تنظيم  قبيلة ايت اوسا  السياسي والقضائي يعتمد على العرف، فالعرف هو كل ما شاع بين الناس وتم التعارف عليه بينهم فهو مجموع التقاليد والعادات التي توارثوها وخضعوا لأحكامها بحكم تعايشهم تحت ضغط نفس الظروف البيئية وفي مناخ شروط تاريخية متجانسة لذلك فهو أقرب تعبير عن مستواهم الحضاري والاجتماعي لأنها تعكس بدقة نمط عيشهم اليومي  وطبيعة الفكر السائد  بينهم[1].

 
فقبيلة أيت اوسا كباقي قبائل الصحراء لها عرفها الخاص، المتمثل في "ديوان ايت اوسا" الدي يحتوي على مجموعة من البنود منها ما هو موافق للشريعة ومنها ما هو سد للذريعة، حيث كانت الغاية المتوخاة  من كتابة هذا العرف وتبني الجماعة له لكونها في بلاد سائبة "في البلاد السائبة مثل ترابنا"[2]. وفي غياب تام للمخزن أو من ينوب عنه فيحل محله أهل الحل  والعقد[3]، والجماعة تعتبر في هذه الحالة ممثلة للقبيلة والقائمة مقام السلطان لمسايرة أحوال الأفراد والجماعات لتفادي الفوضى والتسيب.
ومن خلال قراءتنا  لديوان قبيلة ايت اوسا تم استنباط الاعراف التالية:
n من  سرق شيئا  فعليه أربعة من مثل هذا الشيء.
n في حالة اغتصاب امراة حرة تعطي مائة ريال (نصاف) وصداق تلك المراة.
n من دخل بيت أحد او خيمة أو دار او زاوية على وجه الخديعة فعليه 50 ريالا، 25 لرب البيت و 25 لأيت الربعين.
n من تعدى على زاوية او مسلم يغرم بـ 12 ريالا.
n من ضرب أحدا بخنجر فعليه "تعركيبة" ودية الجروح ومؤونة المجروح.
n إذا ظهر حمل في امرأة ولم يكن لها زوج، فإن أهلها يعطون 100 ريال وتحرق خيمتها وتطرد من وسط القبيلة.
n من قتل أحدا من القبيلة يعطي 100 ريال وتحرق خيمة القاتل ويرضي اهل الدم والرضى يكون  بتعركيبتين واحدة لأهل الميت والثانية للجماعة والدية سبعة من الإبل.
n من نعت للعدو شيئا من مال القبيلة فيعطي خمسين ريالا نصاف وتحرق خيمته ويغرم ما ذهب به العدو.



من خلال  ما تقدم نستنتج أن نظام  قبيلة أيت اوسا ارتكز على العرف مع إضفاء طابع الشرعية الدينية عليه، وذلك بموافقة الفقهاء والقضاة، فبواسطته يتم تنظيم العلاقات الداخلية وكذلك العلاقات التي تقيمها القبيلة مع القبائل المجاورة.
2 ـ مواصفات اختيار المقدم:
عرفت الصحراء نظاما سياسيا ظلت السلطة فيه مقتصرة على القبيلة، فالسلطة ظلت جماعية عبر مجلس يشمل مختلف اعراش القبيلة، تمثل في مؤسسة أيت الربعين، هذه الاخيرة ظلت حاضرة في كل الوثائق الخاصة لقبائل الصحراء، ومن اهم الشخصيات التي تمثل هذه المؤسسة شخصية المقدم، الذي يتم تعيينه تبعا لمقاييس ومعايير معينة منها: ان يكون ذا نسب "من خيمة كبيرة"، حيث  تقول  بورقية رحمة " ان الخيام الكبيرة هي العائلات التي نجد لها ممثلين داخل الجماعة"[1] ، و"دينوزين" عالما بامور الدين، وان يكون محاربا وشجاعا و"بكلمتو"  و"مايحن" و"امبارك وعكيد"، حيث عادة يتم اختيار اسمه من اسماء : محمد علي – سالم – امبارك، كما يجب أن تتوفر  فيه صفة الكرم، فالبخل والسلطة لا يتناسبان حسب كلاستر.
3 ـ المهام المنوطة بالمقدم:
كانت المهام التي يزاولها المقدم داخل القبيلة تتمثل في تطبيق الأوقاف والأحكام  العرفية للحفاظ على الأمن داخل القبيلة، في غياب جهاز امني وسلطة مركزية  تقوم بذلك، فالقبيلة تستقر على شكل "فركان"*، يقوم المقدم بدوريات لحراستها ويعمل على الحسم في القضايا  التي تهم هذه التجمعات السكنية حسب دوفورستdefurst ، ويقوم بحراسة القطيع والمنتجعات التي ترتادها، عن طريق تعيين أشخاص  للقيام بهذه المهمة، اضافة إلى  كونه يعين فرقا استطلاعية للبحث عن الماء والكلأ "البواهة".

 
كما يشرف المقدم على تنظيم الغزوات ويفرض الغرامات والاتاوات على أولئك الذين يتخاذلون في اللحظة الأخيرة، إضافة إلى كونه يحضر الحفل التمهيدي الذي يقيمه أفراد القبيلة قبل الغزو "غزي"، حيث يمرون تحت ثوب أبيض ممدود وذلك للدلالة على الاتحاد، ويزكي هذا الطرح"أن الجماعات الاجتماعية تكون متضادة في مستوى أدنى بينما  تتحد كليا في مستوى أعلى، وهكذا  يمكن لوحدتين سلالتين بسبب مشاكل الماء والأرض أن تجنحا للسلم لتشكيل جبهة أخرى، كما أن الفرقتين المتضادتين تصبحا  متحالفتين كليا داخل القبيلة عندما يتعلق الأمر بخوض القتال ضد قبيلة منافسة"[2] .
الى جانب السلطة التشريعية التي يتحملها المقدم فانه يتحمل كذلك أعباء السلطة التنفيدية حيث يمارس الضغط المادي كطريقة لجعل اعراف القبيلة سارية المفعول وذلك  من خلال الغرامة، كما يسهر على تنظيم المواسم "امكاكير" حيث يحرص على سلامتها وسلامة الافراد الوافدين اليها، تقول الرواية الشفوية: "كانت الناس لما  تجي للموسم تطرح سلاحها، وتكد ملي ما تطرحها، غير عندها ضمانات من طرف القياد ومسؤولي القبائل باش يمشي  السوق هاني"[3].
عموما عرف التنظيم القضائي والسياسي عند قبيلة أيت اوسا بالليونة والتعقيد في آن واحد، حيث تكمن ليونته في بيئة السكان التي تتميز بطابع الترحال الخاضع للتقاليد والعادات، ولكونه معقد نتيجة ممارسة السلطة من طرف مجموعة من أفراد القبيلة، ولا تمارس من طرف شخص واحد كدليل على الديمقراطية حيث لمجلس أيت الربعين صلاحيات تشريعية وتنفيدية تشكل بذلك سلطة او محكمة عليا داخل القبيلة.


[1]  بورقية ، رحمة ، المرجع السابق، ص: 101.
*الفريك:تجمع لخيام القبيلة وهي تمثل وحدة سكنية متجانسة.
[2]  اكنوش، عبد الله ، تاريخ المؤسسات والوقائع الاجتماعية بالمغرب، افريقيا الشرق ، الدار البيضاء،  طبعة 1987 ص: 29.
[3]  رواية شفوية لصاحبها بردليل البشير الزقاطي.

[1]  كلاوي، محمد، المجتمع والسلطة دراسة في اشكالية التكوين التاريخي والسياسي للمؤسسات  والوقائع الاجتماعية، مطبعة النجاح، الجديدة الدار البيضاء، 1995 ص 29.

[2]  ديوان قبيلة "أيت اوسا"  ،رقم:2 ص:
[3]  جماعة "أيت اوسا"، " أهل الحل والعقد" ديوان قبيلة أيت اوسا، واهل الحل والعقد هم الفقهاء والقضاة وتتركز وظيفة الفقيه في كونه شاهد ومصدر لشرعية العرف الدينية حيث يبارك الاوقاف العرفية.

*  وجدت مكتوبة على هذا النحو في كتاب السلطة والمجتمع في المغرب نموذج ايت باعمران،لصاحبه المحمدي علي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق