اركان
جريمة الابادة الجماعية
قلنا سابقا ان أركان
الجريمة الدولية هي : الركن المادي الذي يقصد به الأفعال او الامتناع عن الأفعال
التي تشكل جريمة دولية . و هناك الركن المعنوي الذي هو أن الجريمة الدولية
ترتكب عمدا ( قصد جنائي ) وهو ما يدل على خطورة الجريمة الدولية التي تهز أركان
المجتمع الدولي في أمنه وتهدد السلم العالمي .
و هناك الركن الدولي .
المـطلـب
الاول
الركن المادي
تعددت
المظاهر المادية لهذه الجريمة ، و بالتالي حسب المادة 2 من اتفاقية منع جريمة
الابادة الجماعية حددت ان أعمال الابادة
هي :
- قتل اعضاء من الجماعة :
و يقصد بها أعمال القتل التي يذهب ضحيتها
مجموعة من أعضاء الجماعة ، الأمر الذي ينبئ عن وقوع و لو جزئية للجماعة . فالقتل
مزجه للقضاء على الجماعة و على ذلك فان الابادة الجماعية لا يشترط لقيامها عدد
معين من القتلى ، كما لا يشترط في القتلى ان يكونوا كبار او صغار ، رجالا او نساء
...
ويستعمل في قتل الجماعات الغازات السامة او الإعدام
او الدفن وهو أحياء او القصف بالطائرات او الصواريخ او باي وسيلة أخرى تزهق الروح .
- إلحاق أذى جسدي او روحي
خطير بأعضاء من الجماعة :
تشمل الابادة أيضا
الاعتداءات الجسيمة التي تقع على الجماعة فتصيب أعضائها في سلامتهم الجسمية او
العقلية .
و قد يتحقق ذلك بممارسة بعض أنواع القهر المادي او المعنوي المباشر
على الجماعة ، كالضرب و التشويه ، التعذيب و الحجز ، ونشر الأوبئة او إجبارهم على
القيام بأعمال معينة او بإعطائهم بعض المواد ، او تعريضهم الى مواقف قاسية و مرعبة
. فالابادة هنا تعني كل عمل يفقد الجماعة هويتها او يشوه شخصيتها بحيث تصبح غير
قادرة على الاستمرار الطبيعي في الحياة .(1)
1- عبد الله سليمان سليمان ، المقدمات الأساسية في القانون الدولي
الجنائي ، الجزائر ، ديوان المطبوعات الجامعية ، 1992 ، ص 289.
- اخضاع الجماعة لظروف
معيشية قاسية يراد منها تدميرها
المادي كليا او جزئيا :
و ذلك بهدف منع الجماعة من
الاستمرار الطبيعي في الحياة . ويحدث ذلك بحصر الجماعة و اجبارهم
على العيش في بيئة معينة او في ظل ظروف مناخية محددة او إجبارهم على
العيش في منطقة مجدبة و بالتالي تعريض الجماعة للموت البطيء .
- التدابير التي ترمي الى إعاقة
النسل داخل الجماعة او الابادة البيولوجية :
اذا ما خضعت تلك الجماعة
لوسيلة من الوسائل التي تجعلها غير قادرة على النمو و التزايد ، اعتبر ذلك بمثابة
الموت التدريجي للجماعة ، بهذا فان عمليات إعاقة النسل ( كتعقيم النساء و خصي
الرجال ) هي أعمال لا تختلف مع أعمال القتل المنظم للجماعة
من حيث غايتها .
- نقل الصغار قهرا من
جماعتهم الى أخرى :
و هو بمثابة تغيير مسيرة
الحياة في الجماعة ، إذ يعد نقل الصغار من جماعتهم الى أخرى من قبيل التغريب
الثقافي او الفكري ، حيث ان مستقبل الجماعة و استمرارها يكمن في صغارها ، فان
نقلهم الى جماعة أخرى يعني وقف استمرارية الحياة على نحو طبيعي في تلك الجماعة .
و هناك نوع آخر من الابادة الجماعية يتمثل في
الابادة الثقافية وتتمثل في تحريم التحدث باللغة الوطنية والاعتداء على الثقافة
القومية . غير ان الأسرة الدولية لم تتجه بعد
الى اعتبار هذا النوع من الابادة جديا وخطيرا ويؤدي الى الفناء ، على الرغم من هذا
النوع من الابادة هو ابادة معنوية تدمر البشر وهي تؤدي الى الصهر والإذابة
والتدمير وهو عمل غير مشروع .
المـطلب
الـثانـي
الركن المعنوي
يتطلب
الركن المعنوي لهذه الجريمة ضرورة توافر القصد الجنائي الخاص فالجاني او الجناة
يجب ان يكون على علم بأنه يقوم بعمل يؤدي الى تهديم كيان الجماعة و ابادتها ، ومع
ذلك فلا يرتدع و إنما يواصل عمله بهدف الوصول الى الغاية .
و لا يكفي في هذه الجريمة ان يتوافر للجاني
عنصري القصد الجنائي : العلم و الإرادة فقط . إذ يتطلب الركن المعنوي ان يكون
مدفوعا بغرض محدد و تحركه أسباب معينة ترتبط بعوامل ذكرتها المادة 2 من الاتفاقية
و هي أسباب قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية، فالفاعل هنا يكون مدفوعا بأغراض
انتقامية و كيدية محصورة في هذه الأسباب دون غيرها .
وعليه فالقتل الجماعي لا يعد جريمة ابادة إلا إذا
كان بدافع من هذه الدوافع ، وهذا ما يجعل القصد الجنائي في هذه الجريمة قصد جنائي
خاص .
و يلاحظ ان الاتفاقية لم تأخذ الأسباب السياسية
الى جانب الأسباب التي ذكرت ، إذ لا يعد القتل الجماعي الراجع لأسباب سياسية جريمة
ابادة .
و حسب الأستاذ عبد الله سليمان سليمان فان هذه
نقطة انتقاد للاتفاقية ، خاصة وان التاريخ عرف الكثير من الممارسات التي تعني قيام
هذه الجريمة ضد جماعات تحمل أفكار سياسية تختلف مع أفكار أصحاب السلطة .
المـطـلب
الثـالث
الركن
الدولي
غالبا
ما تكون هذه الجريمة مدبرة ، ترتكب من قبل الحكام او فئات اجتماعية غالبة و بيدها
السلطة او ترتبط ارتباطا وثيقا بالسلطة ضد فئات اجتماعية او عرقية او دينية مقهورة
. و لا يعفي الحكام من المسؤولية تواريهم وراء فئات أخرى و دفعها لارتكاب الجريمة
.
و تستمد هذه الجريمة صفتها الدولية من الأمور
التالية :
- ان مرتكبها هو صاحب سلطة فعلية قائمة او من
يرتبط بالسلطة الفعلية القائمة .
- كما ان موضوعها مصلحة دولية تتمثل في وجوب
حماية الإنسان لذاته بغض النظر عن جنسه او دينه او العنصر الذي ينتسب إليه .
- و تجد هذه الجريمة مصدرها في الوثائق و
المعاهدات الدولية التي تصت عليها و جرمتها .(1)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق