الجمعة، 21 فبراير 2014

توثيق القرض الحسن




توثيق القرض الحسن

    شرع الإسـلام أموراً صانت العقود من التحريف وحفظت الحقوق من الجحود فصـارت المعاملات أكثر نشاطاً ، فكانت وسائل التوثيق على النحو التالي :

1- الكتابة :

        الكتابة هي من أهم الوسائل لحفظ المعلومات من الضياع أو التحريف ، وقد استخدمها الإنسان عبر التاريخ فهي قديمة بقدمه . وجاء القرآن فأعلى من شان الكتابة ، فكان أول الآيات نزولاً : ﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾]العلق : الآية3،4] .

        وأوصانا بكتابة الديون المترتبة على المعاملات وذلك حفظاً للحق من الضياع ، فقال سبحانه في أطول آية في القرآن : ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاّ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاّ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاّ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاّ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾]البقرة : الآية282] .

وحثت السنة النبوية الشريفة على كتابة الوصية تبياناً للحقوق المتعلقة بذمة المسلم ، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: ]مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ]([1]).

       مشروعية الكتابة وحجتها :

 اتفق العلماء الذين يعتد برأيهم على مشروعية الكتابة كوسيلة من وسائل الإثبات لكثرة النصوص وصراحتها ، ولكن اختلفوا بعد ذلك في التفاصيل . هل الآية " فاكتبوه " للوجوب و الفرضية أم للندب والإرشـاد ؟ وهل الحجة بالكتابة المقرونة بالإشهاد أم الخالية منه ؟
على كل حال فإن الكتابة إذا استجمعت الأمور التي ذكرتها الآية فهي حجة بلا ريب :
1.    أن يكون الكاتب عدلاً معتمداً (وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ).
2.       توثيق الكتابة بالإشهاد (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ) .
3.       أن تحتوي الوثيقة اعتراف من عليه الحق بذلـك الحق ( فَلْيَكْــتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاّ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ).
4.       أن تحوي الوثيقة تفاصيل العقد (وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ) .
(وإذا أردنا اختصار المعنى فنقول : إن الآية الكريمة أمرت بكتابة الدين لدى كاتب موثوق معتمد ، مع توثيق الكتابة بالإشهاد عليها ، وهذا هو السند العادي أو العقد الرسمي الذي يستعمل اليوم في أنحاء العالم ، وانتشر استعماله في كل الأمور ومن كل الأشخاص ، ويعتبر سنداً في الدين ، حجة في القضاء ، يلزم صاحبه ، ويلزم القاضي بالحكم به ، مالم يثبت تزويره أو تغييره)([2]).

    أنواع الكتـابة :

للكتابة أنواع كثيرة ذكرها الفقهاء([3])، وقبلوا الاحتجاج بها أمام القضاء ، وسنقوم بذكر أهمها:
1.       البراءات السلطانية : هي الأوامر الكتابية التي تصدر عن الحاكم ، وتكون ممهورة بخاتم الدولة ، وموقعة من مُصدرها ، وهي حجة أمام القاضي ؛ لأنها تصدر عن الحاكم ، وخاتم الدولة يصعب تقليده ، ويقوم جمع غفير بنقلها ، ولأنها تسجل وتحفظ ، فالأمن من التزوير مقطوع به ، وتشبه في أيامنا هذه المراسيم الجمهورية أو القرارات الوزارية .
2.       كتاب القاضي إلى القاضي : وهو أن يكتب القاضي ما يسمعه من الشهادة ، أو ما يقضي به ويرسله لقاض آخر ليعمل به . ويسمى الكتاب الحكمي . وقد أجمع العلماء على العمل به فيما يتعلق بالأمور المالية .
3.       ديوان القاضي : (وهو الخرائط التي فيها السجلات وغيرها لأنها وضعت فيها لتكون حجة)([4])، وتسمى المحضر أو السجل ، ويحفظهـا القاضي تحت يده أو عند أمنائه ، و هي حجـة يجب العمل بها باتفـاق الفقهاء ، سواءٌ كان بخط القاضي نفسه أم قاض سابق ، ولكن بشرط أن يكون موثّقاً ([5]). ويماثله في الحكم كل نص محرر صادر عن موظف رسمي إذا كان مضبوطاً بالقاعدة الملازمة لذلك كالتسجيل في الدائرة الحكومية الصادر عنها وممهوراً وموقعاً من كاتبها .
4.       الكتابة التي تتضمن الشهادة أو الإقرار : وتتضمن الوثيقة اعتراف الكاتب بالـحق على نفسه أو بشهادتـه ، واشترط العلماء لقبولها اعتراف الكاتب بخطه .
5.       دفاتر البياع أو السمسار : فما وجد في دفاترهم يكون حجة عليهم وليس حجة على غيرهم ، ويجب العمل بما فيها صيانة لحقوق العباد([6]) .
6.       الرسـائل : وقد اتفق الفقهاء على حجية الرسائل في الإثبات بين الغائبين ، وصرحوا بالقاعدة الفقهية المشهورة([7]) : "الكتاب بين الغائبين ، كالخطاب بين الحاضرين" ، يقول صاحب البحر الرائق : (وهو أن يكتب في صدره من فلان بن فلان على ما جرت به العادة في سير الكتب فيكون هذا كالنطق فيلزم حجة)([8]).
7.       صكوك العقـود : وهي الأوراق التي تدون فيها العقود مع التوقيع والإشهاد ، وتذكر فيه الشروط وتفاصيل العقد ، ومتى ثبت الكتاب أمام القاضي صار حجة لصاحب الحق بلا خلاف عند الفقهاء .  
ومن كل ذلك نرى أن الكتابة منها ما يكون صادراً عن جهة رسمية كالقضاء ومثله القرارات الوزارية والمراسيم الجمهورية وأشباهها من الوثائق التي تحمل خاتم الدولة ؛ تكون حجة أمام القضاء .
  ومنها ما يكون موثقاً بالشهادة كالصكوك ـ وهذه تقبل أمام القضاء لإثبات الحق لصاحبها ـ ومنها ما يكون غير موثق بالشهادة أو بخاتم الدولة وإنما تكون بخط صاحبها فهي حجة عليه وليس له ، كدفاتر التجار والرسائل و الاعتراف المدون على وثيقة .
كل هذه طرق لحفظ الحقوق المالية ـ ومن أهمها القرض ـ من الضياع و الجحود والنكران . وأفضل طريقة هي ما أمرت به الآية القرآنية من تدوين العقد وتوثيقه بالشهادة على يد كاتب بالعدل ، الذي يطلق عليه الآن نفس التسمية القرآنية ( أي التوثيق عند كاتب العدل ).

2- الإشهاد:

الشهادة هي طريقة أخرى لتوثيق الدين وحفظه من الضياع ، لذلك جعل الله سبحانه الشهادة حقاً له فقال : ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾[ الطلاق : الآية2]، وحث عز وجل عليها حفظاً للحقوق من الضياع و دفعاً للتنازع فقال : ﴿ وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء﴾[البقرة : الآية282] ، وقال في نفس الآية : ﴿وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ﴾ ، وذكر الله فيها قوله: ﴿ وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ ، وقال تعالى : ﴿وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾[البقرة : الآية283] ، وقال تعالى:﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا﴾[النساء : الآية6]، وقال تعالى : ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ ﴾[الطلاق : الآية2].
والشهادة  في اللغة : أن يخبر بما رأى ، وأن يُقِر بما علم ، والخَبرُ القاطعُ ، والبينة ، ومجموع ما يدرك به الحس([9]).أما الإشهاد فهو الحضور والمعاينة مأخوذ من المشاهدة([10]).
حكم الإشهاد : ندب الشرع الإشهاد وحض عليه . نصاب الشهادة : يَثْبُتُ الحقُّ أمام القضاء بشهادة رجلين قد استوفيا شروط الشهادة .
 قال الإمام القرافي :( ما علمت عندنا ولا عند غيرنا خلافاً في قبول شهادة مسلمين عدلين في الدماء والديون )([11]) ؛ وذلك اعتماداً على الآية القرآنية : ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾. وينوب عنها شهادة رجل وامرأتين ، وذلك على الخيار بين الحالتين ، فلا يشترط وجود مانع لمشاركة النساء بدل الرجلين ، لقوله تعالى :﴿ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾.
ونابت المرأتان عن الرجل لبعد النساء عادةً عن العقود والمعاملات في المجتمع الإسلامي ، فكانت عرضة للنسيان.
شروط الشهود([12]) : يجب على من يريد الإشهاد لحفظ حقه من الضياع أو الجحود أن يتحرى توفر الشروط التالية في الشهود لتكون شهادتهم صحيحةً مقبولة عند القاضي :
1.     الإسـلام : ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ﴾ ولأن في الشهادة ولايةً على المشهود.
2.     العقل والبلوغ : وهما سبب في تحري الصواب و الحق ، والصبُّي والمجنون لا يدركان عواقب الكذب ، كما أنه لا مسؤولية عليهما.
3.     البصر والتيقظ : أن يكون متيقظاً حافظاً لما يشهد به فإن كان مغفلا أو معروفا بكثرة الغلط لم تقبل شهادته .
4.     العلم بالمشهود به : أي أن يشاهد بعينه و يكون حاضراً للعقد ؛ لهذا لا يصح أن يشهد على ظنه و إنما يشهد على يقين ، فعن ابن عباسt ، قال : سئل النبي r عن الشهادة ، قال : [هل ترى الشمس ؟ » قال : نعم . قال : على مثلها فاشهد أو دع]([13]).
5.     العدالة : ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ﴾ ، (وجملته أن العَدْلَ هو الذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله قال القاضي يكون ذلك في الدين والمروءة والأحكام أما الدين فلا يرتكب كبيرة ولا يداوم على صغيرة)([14]) ، قال عز وجل : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾[الحجرات: الآية6] ، والفاسق لا يتورع عن شهادة الزور والقول الباطل .
6.     ألا يكون محدوداً بقذف : وذلك لقوله تعالى عن الذين يقذفون بغير بينة :﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[النور: الآية4]. ومن لا يتورع عن الوقوع في أعراض الناس لا يتورع عن التعدي على أموالهم وأماناتهم .
7.     ألا يكون متهماً  بقرابة : كالأصول من مثل الأب و الجد والأم ، والفروع كالابن أو كل من الزوجين للأخر . أو شهادة أحد الشريكين للآخر أو متهماً بخصومة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق