الجمعة، 21 فبراير 2014

تاريخ اسباب ظهور مذهب الاباضة في المغرب



 تاريخ اسباب ظهور مذهب الاباضة في المغرب
تعرض سكان المغرب للغزو الخارجي منذ قرون كثيرة قبل الفتح الاسلامي وكان الغرض الاساسي من تلك الغزوات هو الاستيطان واستغلال ثروات البلاد التجارية والزراعية وابعاد سكان المغرب عن ترابهم ما امكن ذلك فقاوموا اليونانيين والرومان والوندال والبزنطيين وسواء تمت تلك المقاومة تحت قيادة الممالك الوطنية او تحت ألوية القبائل فإنها سعت للاحتفاظ بالارض وعدم الجلاء عنها وقد تعلم البربر من تلك الاحداث الاتحاد أمام الاطماع الخارجية فكانت القبائل الصحراوية تتعاون مع قبائل الساحل وكذلك الممالك تستنجد ببعضها فقد أعانت مملكة الجرمانتيين في فزان مملكة نوميديا ـ في الجزائر ـ في صراعها ضد الرومان في القرن الميلادي الاول ونتج عن ذلك رباط قومي. ولم تكن هناك صعوبات تواجه اختلاط العرب بالبربر كالتي كانت قائمة بينهم وبين الروم رغم عدم وجود الكيان السياسي الذي يضم السكان في دولة واحدة.

وعندما زحفت جيوش المسلمين نحو المغرب هب البربر للمقاومة وخاضت الجيوش الاسلامية الكثير من المعارك في سبيل كسر شوكتهم ولم يتمكن المسلمين من ذلك حتى تحقق للبربر أن النزلاء الجدد يختلفون عن السابقين بما تحقق يحملونه من تعاليم دينهم الذي يرفض الاستغلال وينادي بالمساوة وبدأ البربر في أعتناق الاسلام وقلت مقاومتهم كلما ازداد الاسلام انتشار حتى هدأت أحوال المغرب وانتهت المقاومة قبل نهاية القرن الهجري الاول.

ويبرز هنا سؤال هام لماذا عاد البربر الى الثورات في القرن الثاني للهجرة بعد انتشار الاسلام بينهم؟

لقد وجد البربر في الدين الاسلامي حلاً لجميع العلاقات التي قادتهم الى الاصطدام بالشعوب التي دخلت بلادهم وأزالت التشريعات الاسلامية المشاكل التي كانو يعانون منها وعلى راسها المساوة ومشكلة الضرائب الا ان سلوك ولاة المسلمين خاصة في مطلع القرن الهجري الثاني بدأ يخالف تعاليم الدين الاسلامي.

كان البربر يسعون الى تطبيق مبادئ الاسلام كما فهموه من معلميهم الاوائل بينما اتجه الولاة الى فرض سيطرة العنصر العربي وتميزه ويتعارض ذلك مع مبدأ المساواة وكان الولاة يسعون الى جمع الاموال بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لترضية الخلفاء ويتعارض هذا أيضا مع تعاليم الاسلام وأصبح الفرق واضحا بين تعاليم الدين وما هو واقع دينهم فماذا كان رد الفعل ؟

تحرك البربر غير خارجين عن الاسلام بل مصححيين لممارسته. بدأ تحرك البربر في مطلع القرن الثاني للهجرة مع بداية ولاية يزيد بن ابي مسلم لافريقية عام 102هـ (720م) ونكتفي بما ذكره ابن عزاري المراكشي عن هذا الوالي حيث قال " كان ظلوما غشوما ... وكان البربر يحرسونه فقام على المنبر خطيبا فقال : أني رايت ان ارسم اسم حرسي في ايديهم كما تصنع ملوك الروم بحرسها فارسم في يمين الرجل اسمه وفي يساره حرسي ليعرفوه بذلك بين سائرالناس فلما سمعوا ذلك منه ـ اعني الحرس ـ اتفقوا على قتلة.

كانت هذه المحادثة في بادية القرن الثاني بعد المحاولات الجادة التي بذلها الخليفة عمر بن عبد العزيز لتدعيم إسلام البربر وإرسال الكثير من التابعين للمغرب يعلمونهم أصول الدين ويبصرونهم بقواعده فقد أحس البربر ان ولاة الامويين عادوا الى أنظمة الحكم البيزنطية التي لم يرتضوها وانطلقت الشرارة مرة أخرى في طنجة التي تسلط عليها أحد ولاة عبيد الله بن الحبحاب " فاساء السيرة وتعدى في الصدقات والعشر وأراد أن يخمس البربر وزعم أنهم فئ للمسلمين "( ابن الاثير ،الكامل في التاريخ )

حاول البربر إصلاح تلك المساوئ بالحسنى وارتفع صوت الشكوى في كل مكان الا انهم لم يتمكنوا من الوصول الى الخلفاء الذين احتجبوا في قصورهم وكان الخلفاء أنفسهم " يستحبون طرائف المغرب ويبعثون فيها الى عامل أفريقية فبيعت لهم البربريات السنيات فلما أفضي الامر الى ابن الحباب مناهم بالكثير وتكلف لهم او كلفوه فاضطر الى التعسف وسوء السيرة "(ابن غزاري المراكشي ج1 ص 52).

أدت مساوئ الادارة الاموية الى التذمر وسخط البربر وجد دعاة المذاهب المناهضة للأمويين بيئة صالحة لبث آرائهم فهيأوا البربر للثورات ونبذ طاعة الولاة كما حركت تلك المساوئ في نفوسهم الرغبة في الانفصال عن مركز الخلافة العاجزة عن رعاية وتطبيق مبادئ الاسلام بل والخارجة عليه في نظر بعضهم وكان دعوة الاباضية من بين أولئك الدعاة الذين وجدوا أرضا صالحة لحزبهم . المذهب الأباضي :

ترجع جميع المؤلفات الأباضية ( على سبيل المثال الدرجيني في طبقات المشائخ ،الشماخي في السير، الحارثي العماني في العقود الفضية ،محمد علي ديوز في تاريخ المغرب ،علي يحي معمر في الاباضية في موكب التاريخ. ) نشأة مذهبهم إلى جابر بن زيد من أبرز علماء النصف الثاني من القرن الهجري الاول ؛التقى جابر بعدد كبير من اصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذ عنهم وقد نقلت كتب السير عن جابر أنه قال : " أدركت سبعين رجلا" من بدر فحوينا ما عندهم من العلم إلا البحر الزاخر " ويقصد به أبن عباس وكان ابن عباس يقول عنه : " اسألوا جابر بن زيد فلو سأله من بالمشرق والمغرب لوسعهم علمه "

عاصر جابر الظروف السياسية التي مرت بالامة الاسلامية فقد كان في سن السابع عشر عندما قتل عثمان مما هيأ له إدراك وتقيم تلك الاحداث الكبيرة التي عاشتها الدولة الاسلامية وتركت آثارا ظاهرة على حياتها السياسية والفكرية كما عاصر جابر بداية الحركة الفكرية التي شهدتها أمصار العالم الاسلامي الكبير مثل المدينة المنورة والبصرة والكوفة وهي الفترة التي نضج فيها فكره ووضع أسس مدرسته الى جانب المدارس الاخرى مثل مدرسة الحسن البصري ثم واصل بن عطاء.

وكان لاراء جابر السياسية الصريحة التي نادت بالقضاء على بدعةالملك الاموي والتمسك بنظام الشورى صدى واسع في نفوس الكثيرين الذين لمسوا بعد الخلافة الاموية عن مبادئ الشريعة الاسلامية وقد ازعجت تلك الافكار البيت الاموي فتعرض جابر لمراقبة الامويين ولم يسلم من أيديهم فنفاه الحجاج من البصرة الى عمان حيث مكث فترة عاد بعدها الى البصرة مواصلا رسالته لوضع أسس الدولة العادلة الى ان توفي .( ابن قتيبة جعله عام103هـ ، الشماخي جعله 96هـ)

أخرجت مدرسة جابر عددا كبيرا من رجال العلم من أشهرهم عبدالله ابن أباض وابي عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي لم يكن ابو عبيدة اصيلا في بني تميم ، " بل كان مولى لهم وكان زنجبا اسود اللون لكنه كان سيدا بعقله وذكائه" (محمد علي دبوز في تاريخ المغرب ) ولم تذكر كتب السير والطبقات مقاومة أبي عبيدة للدولة الاموية فلم يخرج عليها ولم يعارضها معارضة علنية بل كان يقوم بإعداد تلاميذه وبث الدعوة بينهم وكان يتستر في ذلك محاول الابتعاد عن عيون الحجاج وقد اقترح عليه أتباعه الخروج ومنوه بالتفاف الناس حوله ان فعل لكن أبا عبيدة كان متريثا ورفض فكرة الخروج ومع ذلك فقد لسعته سياط الحجاج اذ قبض عليه وسجن وأدرك أبو عبيدة وأتباعه ان فرصة قيام دولة تتحقق فيها الشورى والعدالة لن يتم الا بعيدا عن سطوة الامويين ولذلك بدأوا يتطلعون الى الاماكن البعيدة الى عمان واليمن والمغرب .

هذا ما أوردته كتب الاباضية عن قيام المذهب أما المؤلفون غير الاباضية فقد سكت أغلبهم عن هذه الفترة من تاريخ المذهب الاباضي ولم يعتبر بعضهم تعاليم جابر بن زيد اساسا للمذهب فقد ذكر ابن سعد انه " قيل لجابر بن زيد ان الاباضية يزعمون أنك منهم فقال أبرأ الى الله منهم ... قيل كان بريئا مما يقولون وكان الاباضية ينتحلونه ( ابن سعد في الطبقات الكبرى)

وترتبط هذه الجماعة قيام المذهب الاباضي بعبدالله ابن اباض المري التميمي ( الشهرستاني في الملل والنحل ) ولم تعدنا المؤلفات بترجمات وافية لعبدالله بن اباض حتى كتب الاباضية اوردت ترجمات مختصرة جدا اذا ما قورنت بترجمة جابر بن زيد مما يؤكد قلة المعلومات المعروفة عنه وقد ذكر الدرجيني والشماخي جابر بن زيد ضمن علماء الطبقة الثانية الذين عاشوا في النصف الثاني من القرن الاول الهجري وأوردت هذه المصادر انه عاش في البصرة واشترك في الدفاع عن مكة متضامنا مع ابن الزبير ضد يزيد بن معاوية وقد كانت له مكانة بارزة في بلاط الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان وكان يسدي له النصح .

وتارخ وفاة عبد الله بن اباض غير مؤكدة والمتفق عليه انه كان عائشا في النصف الاخير من القرن الهجري الاول فهل كان حيا حين وفاة جابر بن زيد ؟

ليس هنالك تاكيد رغم رواية الشهرستاني التي ذكر فيها خروجه على الخليفة الاموي أبن محمد ولايبدو هذا الري قويا لان هنالك رواية اخرى وردت على لسان عبدالله بن اباض ردا على سؤال وجه اليه "هذا ما أدركنا عليه نبينا " ( الحارثي في العقود الفضية ) فهو على ذلك كان صحابياًفي سن تسمح له بادراك الاحداث ونقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم .

ويبدو معقولا ان نرجح وفاة ابن اباض في نهاية القرن الاول الهجري لانه لم يخلف أستاذه جابر بن زيد في زعامة المدرسة بل أسندت الى أبي عبيدة بينما اشتهر أتباع المدرسة باسم عبدالله بن اباض وعرف المذهب باسمه فأطلق عليه المذهب الاباضي ويوضح هذا انه كان من العلماء البارزين فكان " إمام أهل العراق .. وهو العمدة في الاعتقاد " (الدرجيني في الطبقات)..." وله مناظرات كثيرة مع الخوارج " (الشماخي في السير )..." وكان المناضل علناًفي سبيل تحقيق الحقائق وتصحيح قضايا العقول فيما أحدثه أهل المقالات والبدع " (الشماخي في القول المبين /علي يحيى معمر في الاباضية في موكب التاريخ ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق