الخميس، 20 فبراير 2014

أثر النهضة الاوربية عصر النهضة على الأوضاع السياسية في أوربا




أثر النهضة في الأوضاع السياسية في أوربا: 

كانت ألمانيا وإيطاليا تكونان في العصور الوسطى الإمبراطورية الرومانية المقدسة . وقد تداعى نفوذ الإمبراطور في هذين الإقليمين خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر , إذ واجه الإمبراطور في ألمانيا خصوماً أشداء هم حكام الإمارات الإقطاعية . وكانت هذه الإمارات وحدات سياسية , وكان يعضها ذا طابع ديني يحكمه أسقف أو كبير اساقفة , والبعض الآخر ذا طابع علماني يحكمه أمير , ومن ناحية أخرى كان بعض هذه الوحدات السياسية عبارة عن مقاطعة كبيرة , والبعض الآخر لم يكن يتجاوز مدينة . وقد نجح هؤلاء الحكام في أن يجعلوا من أنفسهم حكاماً مستقلين من الناحية العملية , وكان اعترافهم بالإمبراطور , مجرد اعتراف شكلي , يقبلون أحياناً أخرى , أما في إيطاليا فقد اصطدم الإمبراطور بالبابا , وخاض الاثنان صراعاً استطال أمده وتعددت صورة , وليس هذا البحث مجالا لعرضه.
فلما جاءت النهضة ازدادت نفوذ إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة وهناً على وهن  في كل من ألمانيا وإيطاليا . ففي ألمانيا حاول الإمبراطور الاستعانة بالمدن وأفراد الطبقة الوسطى لدعم مركزه تجاه الأمراء ورجال الدين , وكانوا يسيطرون على الأرض ويحكمون الإمارات الإقطاعية , ولكن كان هؤلاء الحكام أحرص على الاحتفاظ بإمارتهم وامتيازاتهم من تحقيق وحدة سياسية فعلية تجمع شتات الوطن الألماني . وظلت ألمانيا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ممزقة إلى وحدات سياسية تجاوز عددها 350 وحدة تشكل خليطاً غير متجانس في التكوين الجغرافي والاتجاه السياسي والمستوى الاقتصادي , ولكن جمعت بينهما الجرمانية في الجنس وفي اللغة , وعلى ذلك لم يكن للنهضة تأثير على الأوضاع السياسية الداخلية في ألمانيا . أما إيطاليا فكما أن مجتمعها إبان النهضة كان يموج بالمتناقضات الاجتماعية , فقد كانت هي أيضا بلد المتناقضات السياسية . لقد كانت مدنها مهاداً طيبة لمولد النهضة وازدهارها , وكانت فلورنسا والبندقية وغيرهما مراكز إشعاع فكري وفني للقارة الأوربية , وكانت فلورنسا بالذات , على عهد أميرها لورنزو دي مدتشي , عاصمة أوربا في الفنون والإبداع الفكري.
ومع ذلك فإن إيطاليا لم تكسب شيئاً من النهضة سياسياً . لم تستقم لها حكومة مركزية موحدة تبسط نفوذها على كافة أرجاء البلاد وتعنوا لها جباه الجميع , بل ظلت موزعة بين وحدات سياسية ناصب بعضها البعض العداء , وخضع بعضها للنفوذ الأجنبي المباشر حيناً , وللتوجيه الأجنبي حيناً أخر . وأكثر من ذلك , أصبحت إيطاليا ميداناً لصراع رهيب بين ملكي فرنسا وأسبانيا من اجل السيطرة على أوربا , ودخلتها القوات المسلحة الأجنبية غازية , ونشرت فيها الخراب والدمار , وأذلت بلاداً متحضرة ومسالمة كانت قد أصابت شهرة عريضة في دنيا المال وعالم الثقافة , فأصبحت مسرحاً لحروب بشعة يطلق عليها ( الحروب الإيطالية ) وهي تشكل صفحة مفزعة دامية في تاريخ إيطاليا الحديث سنعرض لها في شيء من التفصيل في الفصل الرابع من هذا البحث .
أما في دول غرب أوربا فكانت الصورة تختلف تماماً عن وسط أوربا , إذ نجح ملوك فرنسا وأسبانيا وانجلترا فيما أخفق فيه إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة في ألمانيا وإيطاليا , ونعني بهذا النجاح توحيد المملكة وبسط السلطة المركزية في أنحاء البلاد كانت الدول الثلاث قد قطعت شوطاً في إنشاء الحكومة المركزية الموحدة , وجاءت النهضة فساعدت على دعم القوى الباعثة للقومية واستكمال الشخصية المستقلة للأمم.
عرفت الملكيات في غرب أوربا كيف تستغل ظهور الطبقة الوسطى في دعم مركزها تجاه النبلاء أمراء الإقطاع وتجاه كبار رجال الدين , كانت ترى في رجال الدين مصدر خطر يتهددها , لأن ولاء الجماهير موزع بين الملكية والكنيسة . وكان أفراد الطبقة الوسطى لا يطيقون بقاء امتيازات النبلاء وكبار رجال الدين , ومن ثم تلاقت مصلحة الملكيات مع مصلحة أفراد الطبقة الوسطى في دول غرب أوربا للحد من الحقوق والامتيازات التي كانت تتمتع بها الطبقتان الأخريان والتي كانت تجعل من كل منهما حكومة داخل الحكومة lmperium in imperie وكان الموقف الداخلي في تلك الدول ينبئ بوجود جبهتين متنازعتين : جبهة تضم الملك وسكان المدن أفراد الطبقة الوسطى , وجبهة تضم النبلاء ورجال الدين . وكان افراد الطبقة الوسطى عماد الحياة الاقتصادية , ويتمتعون بثراء عريض , فقدموا الأموال للملكية لتستطيع المضي بنجاح في سبيل القضية المشتركة . ومن ناحية أخرى منحت الملكية أفراد الطبقة الوسطى الكثير من الحقوق دعماً لمركزهم في المدن , وأصبحوا بمضي الزمن طبقة ثالثة في المجالس الإقطاعية التي سوف تكون نواة البرلمانات الحديثة.
وجاء اختراع البارود – ثمرة من ثمار النهضة  – سنداً قوياً للملكية وأفراد الطبقة الوسطى على السواء في نضالهم ضد الأمراء الإقطاعيين : ذلك أن الأمير الإقطاعي كان يعتمد على السلاح التقليدي القديم وهو سلاح الفرسان , وهو سلاح باهظ التكاليف لم يستطع أن يصمد أمام الأسلحة النارية . وكان الملوك جد حريصين على استخدام السلاح الجديد الفتاك في صراعهم ضد الإقطاعيين , ومن ثم فإن النهضة التي جاءت بالبارود كانت عاملاً هاماً في سرعة تدهور النظام الإقطاعي وانهيار نظام الفروسية واختفاء طبقة رقيق الأرض Serfs وازدياد نمو الروح القومية واستخدام اللغات القومية على نطاق واسع , وقيام الملكيات ذات الحكومة المركزية الموحدة التي غدت بدورها ملكيات مستبدة مطلقة تحررت من نفوذ البابا السياسي . هذه هي المظاهر السياسية الجديدة أطلت برأسها على تاريخ أوربا الحديث وقبل أن يسدل الستار على عصر النهضة.


كانت ألمانيا وإيطاليا تكونان في العصور الوسطى الإمبراطورية الرومانية المقدسة . وقد تداعى نفوذ الإمبراطور في هذين الإقليمين خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر , إذ واجه الإمبراطور في ألمانيا خصوماً أشداء هم حكام الإمارات الإقطاعية . وكانت هذه الإمارات وحدات سياسية , وكان يعضها ذا طابع ديني يحكمه أسقف أو كبير اساقفة , والبعض الآخر ذا طابع علماني يحكمه أمير , ومن ناحية أخرى كان بعض هذه الوحدات السياسية عبارة عن مقاطعة كبيرة , والبعض الآخر لم يكن يتجاوز مدينة . وقد نجح هؤلاء الحكام في أن يجعلوا من أنفسهم حكاماً مستقلين من الناحية العملية , وكان اعترافهم بالإمبراطور , مجرد اعتراف شكلي , يقبلون أحياناً أخرى , أما في إيطاليا فقد اصطدم الإمبراطور بالبابا , وخاض الاثنان صراعاً استطال أمده وتعددت صورة , وليس هذا البحث مجالا لعرضه.
فلما جاءت النهضة ازدادت نفوذ إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة وهناً على وهن  في كل من ألمانيا وإيطاليا . ففي ألمانيا حاول الإمبراطور الاستعانة بالمدن وأفراد الطبقة الوسطى لدعم مركزه تجاه الأمراء ورجال الدين , وكانوا يسيطرون على الأرض ويحكمون الإمارات الإقطاعية , ولكن كان هؤلاء الحكام أحرص على الاحتفاظ بإمارتهم وامتيازاتهم من تحقيق وحدة سياسية فعلية تجمع شتات الوطن الألماني . وظلت ألمانيا في القرنين الخامس عشر والسادس عشر ممزقة إلى وحدات سياسية تجاوز عددها 350 وحدة تشكل خليطاً غير متجانس في التكوين الجغرافي والاتجاه السياسي والمستوى الاقتصادي , ولكن جمعت بينهما الجرمانية في الجنس وفي اللغة , وعلى ذلك لم يكن للنهضة تأثير على الأوضاع السياسية الداخلية في ألمانيا . أما إيطاليا فكما أن مجتمعها إبان النهضة كان يموج بالمتناقضات الاجتماعية , فقد كانت هي أيضا بلد المتناقضات السياسية . لقد كانت مدنها مهاداً طيبة لمولد النهضة وازدهارها , وكانت فلورنسا والبندقية وغيرهما مراكز إشعاع فكري وفني للقارة الأوربية , وكانت فلورنسا بالذات , على عهد أميرها لورنزو دي مدتشي , عاصمة أوربا في الفنون والإبداع الفكري.
ومع ذلك فإن إيطاليا لم تكسب شيئاً من النهضة سياسياً . لم تستقم لها حكومة مركزية موحدة تبسط نفوذها على كافة أرجاء البلاد وتعنوا لها جباه الجميع , بل ظلت موزعة بين وحدات سياسية ناصب بعضها البعض العداء , وخضع بعضها للنفوذ الأجنبي المباشر حيناً , وللتوجيه الأجنبي حيناً أخر . وأكثر من ذلك , أصبحت إيطاليا ميداناً لصراع رهيب بين ملكي فرنسا وأسبانيا من اجل السيطرة على أوربا , ودخلتها القوات المسلحة الأجنبية غازية , ونشرت فيها الخراب والدمار , وأذلت بلاداً متحضرة ومسالمة كانت قد أصابت شهرة عريضة في دنيا المال وعالم الثقافة , فأصبحت مسرحاً لحروب بشعة يطلق عليها ( الحروب الإيطالية ) وهي تشكل صفحة مفزعة دامية في تاريخ إيطاليا الحديث سنعرض لها في شيء من التفصيل في الفصل الرابع من هذا البحث .
أما في دول غرب أوربا فكانت الصورة تختلف تماماً عن وسط أوربا , إذ نجح ملوك فرنسا وأسبانيا وانجلترا فيما أخفق فيه إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة في ألمانيا وإيطاليا , ونعني بهذا النجاح توحيد المملكة وبسط السلطة المركزية في أنحاء البلاد كانت الدول الثلاث قد قطعت شوطاً في إنشاء الحكومة المركزية الموحدة , وجاءت النهضة فساعدت على دعم القوى الباعثة للقومية واستكمال الشخصية المستقلة للأمم.
عرفت الملكيات في غرب أوربا كيف تستغل ظهور الطبقة الوسطى في دعم مركزها تجاه النبلاء أمراء الإقطاع وتجاه كبار رجال الدين , كانت ترى في رجال الدين مصدر خطر يتهددها , لأن ولاء الجماهير موزع بين الملكية والكنيسة . وكان أفراد الطبقة الوسطى لا يطيقون بقاء امتيازات النبلاء وكبار رجال الدين , ومن ثم تلاقت مصلحة الملكيات مع مصلحة أفراد الطبقة الوسطى في دول غرب أوربا للحد من الحقوق والامتيازات التي كانت تتمتع بها الطبقتان الأخريان والتي كانت تجعل من كل منهما حكومة داخل الحكومة lmperium in imperie وكان الموقف الداخلي في تلك الدول ينبئ بوجود جبهتين متنازعتين : جبهة تضم الملك وسكان المدن أفراد الطبقة الوسطى , وجبهة تضم النبلاء ورجال الدين . وكان افراد الطبقة الوسطى عماد الحياة الاقتصادية , ويتمتعون بثراء عريض , فقدموا الأموال للملكية لتستطيع المضي بنجاح في سبيل القضية المشتركة . ومن ناحية أخرى منحت الملكية أفراد الطبقة الوسطى الكثير من الحقوق دعماً لمركزهم في المدن , وأصبحوا بمضي الزمن طبقة ثالثة في المجالس الإقطاعية التي سوف تكون نواة البرلمانات الحديثة.
وجاء اختراع البارود – ثمرة من ثمار النهضة  – سنداً قوياً للملكية وأفراد الطبقة الوسطى على السواء في نضالهم ضد الأمراء الإقطاعيين : ذلك أن الأمير الإقطاعي كان يعتمد على السلاح التقليدي القديم وهو سلاح الفرسان , وهو سلاح باهظ التكاليف لم يستطع أن يصمد أمام الأسلحة النارية . وكان الملوك جد حريصين على استخدام السلاح الجديد الفتاك في صراعهم ضد الإقطاعيين , ومن ثم فإن النهضة التي جاءت بالبارود كانت عاملاً هاماً في سرعة تدهور النظام الإقطاعي وانهيار نظام الفروسية واختفاء طبقة رقيق الأرض Serfs وازدياد نمو الروح القومية واستخدام اللغات القومية على نطاق واسع , وقيام الملكيات ذات الحكومة المركزية الموحدة التي غدت بدورها ملكيات مستبدة مطلقة تحررت من نفوذ البابا السياسي . هذه هي المظاهر السياسية الجديدة أطلت برأسها على تاريخ أوربا الحديث وقبل أن يسدل الستار على عصر النهضة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق