الاثنين، 24 فبراير 2014

المفهوم الاتفاقي الدولي لجريمة الابادة الجماعية



                           المفهوم الاتفاقي لجريمة الابادة الجماعية
    جاءت لائحة نورنبورغ لعام 1945 التي حددت هذه الأعمال كجريمة دولية فعبرت بذلك على استنكار العالم المتمدن لهذا الانحدار الأخلاقي الشديد الذي انزلق اليه القتلة .
قد جاءت المادة 6 فقرة ج من ميثاق نورنبورغ بقواعد جديدة عندما نصت على ان الجرائم ضد الإنسانية و التي تثير المسؤولية الفردية هي " القتل ، الابادة ، الاستبعاد ، الترحيل ،و الأعمال غير الإنسانية التي ترتكب ضد أي من السكان المدنيين ، قبل او بعد الحرب ، او الاضطهاد لأسباب سياسية ، عنصرية او دينية ... تقع بارتباطها مع أي جريمة تدخل في نطاق اختصاص المحكمة ، بغض النظر عن كونها تشكل او لا تشكل خرقا لقانون الدولة التي ارتكبت في ظله هذه الجرائم ".
يشير النص المتقدم الى النقاط التالية :
- ارتكاب الفعل قبل او بعد الحرب .
- ضد أي فئة من السكان المدنيين .
- بغض النظر انها تشكل او لا تشكل خرقا لقانون الدولة الذي ارتكبت في ظله الجرائم .
فبالنسبة للنقطة الأولى يفيد النص ان القانون الدولي يرتب المسؤولية الجنائية الفردية في زمن السلم و الحرب على حد السواء . اما بالنسبة للنقطة الثانية ، فتعني ان السكان المدنيين في حمى القانون الجنائي دون ان يكون ستار سيادة الدولة عائقا دون ذلك ، فالمسؤولية الجنائية الشخصية لسلطات الدولة تثار سواء ارتكبت تلك الجرائم ضد مواطنيها ام ضد الأجانب . وتفيد النقطة الثالثة علوية القانون


 
1- اتجه الفقيه "جرافن" الى اعتبار هذه الجريمة داخلة ضمن الجرائم ضد الإنسانية . هذا عكس ما نجده في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية التي فرقت بينهما .
2- مصطلح genocide  لفظ مركب يتألف من التعبير اليوناني )genos  (و يعني عنصر race  امة  nation . قبيلة (tribe  و التعبير اللاتيني cide  الذي يعني القتل .

الدولي على القانون الداخلي ، وتفيد ان الجماعة الدولية لها حق التدخل في أمور كانت سابقة تعد
من صميم الاختصاص الداخلي للدولة و سيادتها  .
الدولي الاول                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 
و بالتالي أصبحت المبادئ التي جاء بها ميثاق نورنبورغ بخصوص الجرائم ضد الإنسانية من المبادئ العامة للقانون الدولي .(1)
وقد كان موضوع الابادة الجماعية احد أهم المواضيع التي عالجته الأمم المتحدة بعد قيامها مؤكدة نبذ هذه الأعمال في قرارها الصادر في 11 ديسمبر 1946 رقم 96  الذي تبنته الجمعية العامة بصيغة التأكيد على ان جريمة ابادة الجنس هي جريمة طبقا للقانون الدولي و يعاقب مرتكبوها سواء كانوا فاعلين أصليين ام شركاء و بصرف النظر عن كونهم موظفين عموميين او أفراد عاديين .
بعد ذلك طلبت الأمم المتحدة من المجلس الاقتصادي و الاجتماعي إعداد مشروع اتفاقية خاصة بتجريم ابادة الجنس البشري لغرض عرضها في الدورة الثانية للجمعية ، وبعد ان اعد مشروع الاتفاقية من قبل لجنة خاصة شكلها المجلس المذكور ، قرر المجلس إحالة المشروع في 26 أوت 1948 على الجمعية العامة في دورتها الثالثة . وقد قررت الجمعية العامة بتاريخ 9 ديسمبر الموافقة على مشروع الاتفاقية و دعت الدول الى التوقيع و الانضمام إليها ، حيث وضعت موضع التنفيذ في 12 ديسمبر 1951 بعد ان صادقت عليها 20 دولة .
و قد جاء في نص المادة الأولى من هذه الاتفاقية على ان الأطراف المتعاقدة تؤكد بان الابادة سواء ارتكبت في زمن السلم او في زمن الحرب تعد جريمة طبقا للقانون الدولي .
كما جاء في نص المادة الثانية ان :
" في هذه الاتفاقية، تعني الإبادة الجماعية أيا من الأفعال التالية، المرتكبة علي قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة
قومية أو أثنية أو عنصرية أو دينية، بصفتها هذه:
(أ) قتل أعضاء من الجماعة.
(ب) إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بأعضاء من الجماعة.
(ج) إخضاع الجماعة، عمدا، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كليا أو جزئيا.
(د) فرض تدابير تستهدف الحول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة.
(هـ) نقل أطفال من الجماعة، عنوة، إلي جماعة أخري."


 
1- عباس هاشم السعدي ، مسؤولية الفرد الجنائية عن الجريمة الدولية ، مصر ، الإسكندرية ، دار المطبوعات الجامعية ، 2002 ، ص 94 .
هذا و لا يذهب الفقه بعيدا عن هذا التحديد الرسمي الصادر عن الأمم المتحدة لهذه الجريمة ، فقد قيل ان جريمة الابادة هي القتل الجماعي المرتكب عن سبق الإصرار من قبل بعض الجماعات المسيطرة على سدة الحكم ، الموجه ضد جماعة مستهدفة لسبب ما ، و جاء في تعريف آخر بان جريمة الابادة تعني التهديد المنظم لكيان جماعة ما بريئة من قبل الجهاز البيروقراطي في دولة ما .
و قد جاء نص المادة 3 من نفس الاتفاقية على ذكر المبادئ العامة للقانون الجنائي التي أقرتها مختلف النظم القانونية في العالم ، وذلك حين اعتبرت التآمر على ارتكاب ابادة الجنس و التحريض المباشر و العلني على ارتكابها و الشروع في الجريمة المذكورة و الاشتراك في ارتكابها جرائم معاقب عليها .
كما أكدت المادة 4 على المبادئ التي جاءت بها اتفاقية لندن ، حين أشارت الى ان الشخص الذي يرتكب أفعال الابادة او الواردة في المادة 4 يعاقب عن عمله بصرف النظر عن عن صفته سواء كان من الحكام المسئولين دستوريا ام من الموظفين العموميين او فرد عادي
  وقد ذكرت المادة 6 الاختصاص الأصيل للمحاكم الوطنية و التكامل الذي بينها و بين المحاكم الدولية في قولها
 " يحاكم الأشخاص المتهمون بارتكاب الإبادة الجماعية أو أي من الأفعال الأخرى المذكورة في المادة الثالثة أمام محكمة مختصة من محاكم الدولة التي ارتكب الفعل علي أرضها، أو أمام محكمة جزائية دولية تكون ذات اختصاص إزاء من يكون من الأطراف المتعاقدة قد اعترف بولايتها " .
و قد أصبحت المبادئ التي جاءت بها اتفاقية الابادة الجماعية من مبادئ القانون الوضعي الملزمة لكافة الدول بغض النظر عن الرابطة الاتفاقية التي تجد أساسها في الاتفاقية ، وهذا ما أشار إليه مندوب الولايات المتحدة الأمريكية لدى اللجنة الثالثة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 ديسمبر 1967 ، بقوله " غالبا ما يعترف القانون الدولي بان ابادة الأجناس ، القتل ، الابادة ، الاستبعاد و التهجير تشكل في ظروف معينة جرائم ضد الإنسانية ، بصرف النظر عن طبيعة النظام السياسي الذي ترتكب في ظله تلك الأفعال "  (1) .
كما أشارت الى ذلك محكمة العدل الدولية في أكثر من قضية مثال في قضية التحفظات التي أبديت على اتفاقية ابادة الأجناس سنة 1950 . ايضا في قضية Barcelona traction  سنة 1970   (2) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق