الاثنين، 24 فبراير 2014

زاوية اسا في قبيلة ايت أوسا بجنوب صحراء المغرب



 التطور التاريخي لزاوية اسا، كان لزاما ان نبحث عن أصل تسمية أسا، التي اختلفت  وتضاربت حولها الآراء والتي يمكن تفسيرها الى عدة معاني:
فهناك من يربطها بقبيلة أيت أوسا باعتبارهم القاطنين بالمنطقة على إثر نزوح القبيلة من بلدة لعوينة خلال القرن 18 الى بلدة أسا ونتج عن ذلك امتزاج واختلاط للعناصر الإثنية (أيت أوسا، آل يعزى ويهدى والحراطين)، فطبعوا المنطقة بطابعهم وعاداتهم حتى اصبحت تحمل اسمهم، ومن "أيت اوسا" اشتقت كلمة "أسا" نظرا للتقارب  الصوتي واللغوي الواضح بين هاتين الكلمتيتن، غير أننا نجد بعض الباحثين يرجع اصل التسمية الى لفظ امازيغي "تاسانو" والتي تعني "واكبدي" أو "قلبي"  وقد استعملت هذه العبارة لرثاء الأبطال الذين يقتلون في الحروب التي كانت تدور في رحاب  الصحراء[1].
اضافة الى كل هدا،  نجد هناك مسألة الصيغة التي يكتب بها هذا الاسم، فنجد عددا من الوثائق المحلية وبعض المؤلفات والمصادر كالسوسي محمد المختار، توردها على هدا النحو: أسة، ءاسى، أسا*.
4 ـ الزاوية ومؤسسها يعزى ويهدى:

 
إن جل الباحثين الذين اهتموا بظاهرة الزوايا، سواء منهم المغاربة أو الاجانب، يتفقون على أنه يجب البحث عن جذور ظاهرة الزوايا بالرجوع الى الحركة الصوفية التي دخلت المغرب ابتداءا من القرن الثاني عشر الميلادي، وانتعشت مع بروز ازمة السلطة التي حدثت في القرن السادس عشر بسقوط الوطاسيين، الشيء الذي أحدث تحولا مهما في التاريخ الديني لهذا المجتمع[2]، هذا التحول في المشهد الديني شهدته بلدة أسا التي تعتبر مدينة دينية بامتياز على صعيد منطقة سوس الأقصى، حيث يتواجد بها أزيد من 366 ولي من أولياء الله الصالحين[3].
كانت المدينة تحمل مجموعة من الأسماء، فمن خلال  وثيقة تسمى سلسلة الأنوار*المؤرخة في جمادى 702 هجرية، لصاحبها محمد الأنجيتي البربوشي، الذي لا نعرف أي شيء عن حياته وعلاقته بالزاوية،فمن خلالها كان  يطلق على زاوية أسا اسم "قرية الأولياء بجبال النحاس وهي بلاد إدا وقيس وهي للأغنان" وهي أسا الحالية.
ان الاساطير المرتبطة بهذه الأرض متعددة، ويعتبر بعضها ضريفا، منها ان جبل "أورير الأنبياء " الموجود بالمنطقة قد زاره الرسول صلى الله عليه وسلم وترك فرسه أثار رجليه على صخرة، كما تقول الأسطورة أن أسا هي القبلة الثانية بعد مكة وهذا دليل على قداسة المنطقة، كما تشير بورقية رحمة الى أن ظاهرة الزوايا بالمغرب هي الوجه المؤسسي لظواهر القداسة.
إن ما يميز الزوايا بالمغرب، خاصة المناطق الجنوبية، أنها تبنى في مناطق وسيطة بين الجماعات البشرية، وهذه المناطق تكون عالية جغرافيا ومحصنة ومنيعة، وزاوية أسا لا تستثنى من هذه الحالة حيث بنيت في منطقة ذات بعد استراتيجي بجوار القصر*** الذي يحيط به سور يلعب إلى جانب الزاوية عدة وظائف، كالوظيفة الدفاعية وذلك لتفادي خطر القبائل المجاورة مع مراقبته لأي تحرك قبلي يستهدف الاستيلاء على المنطقة، إضافة إلى ذلك يشكل القصر مؤسسة اقتصادية لأفراد المنطقة فهو خزان للمنتوجات  التي يتم الحصول عليها خلال فترات الجفاف والفيضانات أو خلال محاصرة القصر من لدن القبائل الأخرى.
أما بالنسبة لمؤسس زاوية أسا، فقد تضاربت الآراء حوله، فهناك عدد من الروايات الشفوية تقول أن مؤسسها هو سيدي محمد الشبكي الذي وصل الى المنطقة سنة 130 هـ الموافق 748 م، الدي يعتبر احد أئمة الإسلام، وقد استقر بناحية "تكردات" استجابة لطلب إداوقيس بغية تعليمهم لشعائر الدين الإسلامي، كما يشير الى ذلك ناعيمي مصطفى،  في حين يرى دوفورستdefurst  ان مؤسس الزاوية هو" سيدي قيس بن صالح" المتوفى سنة






 



 
500هجرية، غيران اغلب المصادر المكتوبة والروايات، تتفق على "ان مؤسس زاوية أسا هو "العلامة  يعزى ويهدى"[4]، الذي ولد بمدينة مراكش سنة 646 هـ في دار الامير العالي بالله يعقوب المنصور رحمهم الله، أما بلده ووطنه فمستقره ببلد أسا"[5].
 أما فيما يتعلق باسمه الحقيقي فهو محمد مثل اسم ابيه, كما يظهر ذلك  من خلال مؤلف المعسول"...أما اسمه فأبو يعزى ويهدى بل محمد مكنى واسمه محمد وسماه أبوه على اسمه، وسمته جدته الام مع أقاربها بذلك  وكنيته أبو يعزى ولقبه ويهدى ولهذا يقال له أبو يعزى  ويهدى، ان الله تعالى قارن اسمه بالهداية وجعله ممن اهتدى"3.
والحقيقة أن الشيخ محمد بن سعيد المرغيتي يروي في وثيقته مجموعة من الكرامات التي تحلى بها مؤسس الزاوية، مثل : انه يخرج الماء في كل مكان نزل به "جعله الله هو وذريته  على سائر الماء الخفي تحت الأرض... كما أعطاهم الله العلم الظاهر والباطن إلى غير ذلك من الأسرار"*،وتجدر الإشارة  إلى أن الزاوية استقطبت مجموعة من  التلاميذ والمريدين والاتباع من مختلف البقاع، لكن بعد وفاة مؤسس الزاوية تفرق أولاده وحفدته في سوس الأقصى فبنوا مدارس ورباطات لحفظ القرآن وتعليم المبادئ الصوفية، لكن يبقى السؤال  المطروح هو ما سبب هجرة أبناء وحفدة يعزى ويهدى؟

 
يمكن تفسير هذا  التشبت أن وراءه أهداف  وأبعاد  دينية تتمثل أساسا في  نشر طريقة يعزى ويهدى الصوفية، ويمكن إرجاع ذلك إلى رواية شفوية  مفادها أن أكراريم** من آل يعزى ويهدى كانوا مستقرين بموقع يدعى الخربة*** لا تزال آثارها واضحة الى يومنا هذا، فأتى عندهم  وفد من قبيلة  أيت اوسا فاستضافوهم، والمتعارف عليه ان الضيف يسلم  سلاحه للمستضيف فكان أن دبرت لهم مؤامرة،  حيث تم إفراغ مادة سائلة في أسلحتهم باستثناء عنصرين من الوفد، وبعد مغادرة  هؤلاء تم اللحاق بهم إذ تمت محاصرتهم من طرف اكراريم والقضاء  عليهم باستثناء العنصرين اللذين فرا، حيث سيتم تحرك قبائل أيت اوسا من عاصمتهم عوينة أيت أوسا في اتجاه أسا إذ هاجموا آل يعزى  ويهدى  في عقر دارهم وأضرموا النار فيهم[6].
إن زاوية أسا كغيرها من الزوايا تخلق  شعورا لدى أفراد قبيلة أيت اوسا بالوحدة الجماعية وبالتحالف والاتفاق الجماعي حول تقديس ولي  يعد من الأولياء  الله الصالحين، وكانت الزاوية تقوم بدور  تحكيمي بين القبائل المتناحرة  والحد من الصراعات بينها وبين القبائل المجاورة وتسوية الخلافات التي تحدث من حين لآخر في غياب تام للسلطة المركزية.
كانت قبائل  أيت أوسا  تشترك في الموسم السنوي لقطب زاوية أسا المتزامن مع ذكرى عيد المولد النبوي الشريف، حيث تنحر "تعركيبه" أي ناقة ويتكلف بهذه النحيرة "في كل مرة أحد اعراش القبيلة، ويتم توزيعها على المساكين والفقراء،  وجزء للزاوية وخدامها، وجزء يتم طهيه في ذلك اليوم وهذا يعتبر بمثابة دليل على مدى قداسة هذا الولي  الصالح والدور الاجتماعي للزاوية، إضافة إلى اعتبارها  ملجأ لطلاب  العلم  والمريدين "كانت الزاوية فداك الزمان يجيبها  المسكين والضيف والمسافر والمريض وحتى داك لهارب من المخزن"[7].
إن الزاوية  كمؤسسة اجتماعية ودينية تقوم بمجموعة من المهام على رأسها توفير الأمن ونشر الدين الإسلامي، إضافة إلى دورها الفاعل في الجهاد، ولقد برزت في العقود الأخيرة  "زاوية تيجانية"،لكن يبدو انها لم تكن  تمارس أية سلطة على قبيلة أيت اوسا.
تضع كل قبيلة أو مجموعة من القبائل زاويتها فوق كل سلطة[8]، الشيء الذي ينطبق على زاوية أسا التي تعتبر كرمز روحي وسياسي في بعض الأحيان لدى أفراد قبيلة أيت اوسا.


[1] بيه ، محمد صدوق،  الصحراء المغربية قبل الاحتلال وبعده ، الجزء 2، العيون 1992، ص:57.
*  فضلنا كتابتها على هذا النحو لانها  وردت  في معظم المصادر.
[2]   بورقية،رحمة، الدولة والسلطة والمجتمع، دراسة في الثابت والمتحول في علاقة الدولة بالقبائل في المغرب ، الطبعة الأولى 1991 ، دار الطليعة بيروت لبنان، ص 39.
3.defurst ,op,cit,p :9.

*  وثيقة  تم الاطلاع عليها عند احد الاشخاص دون ان يزودنا بنسخة منها
***  القصر : مجموعة من البنايات المتكدسة المتداخلة فيما بينها ، يتكون من 6 أبواب و 127 منزل و 26 زقاق،   وللاشارة لم تعد تسكنه الا ثلاث
عائلات.
[4]  وثيقة رقم1:شجرة انتساب الشيخ الولي الصالح إعزا ويهدى. ص.
2السوسي، محمد المختار  ، المعسول، الجزء العاشر، الرباط 1961، ص:172.                
3السوسي، المصدر السابق، ص:172.
*وثيقة لصاحبها محمد سعيد، المرغيثي،نقلا عن صاحب المعسول،الجزء العاشر.
**  لفظة امازيغية  تعني المرابط الذي يحترمه الجميع داخل القبيلة.
***   هناك مشروع لتسويتها  مع الارض لإقامة  ساحة عمومية وفي ذلك ضرب للمعالم الاثرية للمنطقة.
[6]   رواية شفوية لحبتي عبد الرحمان بن مبارك فرع أيت ايدر + ميسين مسعود فرع انفاليس.
[7]  رواية شفوية لصاحبها نيكرو محمد فرع أيت وعبان.
[8]  بورقية، رحمة، المرجع اليسابق، ص :41.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق