الجمعة، 14 فبراير 2014

التعايش المشروع والتعايش الممنوع بين الاديان



 التعايش المشروع والتعايش الممنوع

المطلب الأول: التعايش المشروع:
التعايش القائم على تبادل المصالح، والمسالمة، والمهادنة بين المسلمين وغير المسلمين في إفريقيا مظاهره كثيرة ـ والحمد لله ـ الإ أن بعض المجتمعات الإفريقية توسعت في أبواب التعايش توسعاً كبيراً، اختلط فيه المشروع من التعايش بالممنوع، واختلطت فيه العادات الإفريقية الوثنية بالعادات الإسلامية، ونشأت أجيال لا تفرق بين التعايش المحمود، والتعايش المذموم من وجهة نظر إسلامية صحيحة، و قد حاول بعض المغرضين استغلال جهل الناس، وتوظيف شعارات التعايش، والتسامح لتحذير الغيرة الإسلامية، وتجريد الشخصية الإسلامية من أصولها الإيمانية والثقافية، ونشر أفكارهم الضالة، الأمر الذي يقتضي إيضاح صور التعايش المشروع والممنوع.
فالتعايش المشروع يؤخذ من نصوص الكتاب والسنة، ومنها النصوص الواردة في هذه الدراسة، وهو وسيلة من وسائل دعوة غير المسلمين للإسلام، ويبنى معهم في حالات السلم على البر، والتسامح، والتعامل الحسن، وتأمين مصالحهم الدنيوية، وتمكينهم من المشاركة في خدمة المجتمع، والمحافظة على أمنه واستقراره، وتمكينهم من العمل على تطويره ورفعته وتنميته.
 المطلب الثاني: التعايش الممنوع.
وأما التعايش الممنوع فهو المخالف للكتاب والسنة، و من مظاهره:
الدعوة لما يسمى بوحدة الأديان [1]، وكذا الدعوة لبناء المساجد والكنائس ونحوها من أماكن العبادة في محيط واحد ، في الجامعات والمطارات والساحات العامة.
و من مظاهر التعايش الممنوع ـ أيضا ـ وهو من أشد أنواع المحرمات مبادلة الكفار الحب، والمودة، ومشاركتهم في أعيادهم  الدينية[2]، وهي أعياد غير مشروعة، لا يرضاها الله عز وجل، لأنها إما أن تكون مبتدعة في دينهم، وإما أن تكون منسوخة بالإسلام، وإقامتها والمشاركة فيها توجب سرور قلوب غير المسلمين بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء، والتمكن من  دعوتهم لأديانهم المحرفة ، والمنسوخة بالإسلام.
ومن التعايش الممنوع ـ أيضا ـ تمكين غير المسلمين في دار الإسلام من وسائل الإعلام، لبث البرامج الدينية في المجتمعات الإسلامية، والسماح لهم بتوزيع مطبوعاتهم الدينية لأبناء المسلمين، والسماح لهم بممارسة كافة أنشطتهم الدينية، ونشرها عبر المحاضرات، والندوات، والمؤتمرات في الأوساط الإسلامية، وكذا السماح لهم بإقامة المعارض في الساحات العامة، وإظهار شعائر دينهم في دار الإسلام، وأمور كثيرة ممنوعة ذكرها أهل العلم[3] ، ويشتد منعها في عصور غلبة الجهل وضعف الإيمان في النفوس الذي أوقع بعض المسلمين في شباك المنصرين .
قد نبه الإمام القرافي[4] ـ وهو أحد أئمة المذهب المالكي ـ على أمور كثيرة تدخل في باب التعايش الممنوع ، ومن أبرز ما أشار اليه : تمكين غير المسلمين من الولايات في الدولة الإسلامية ، وإخلاء المجالس لهم عند قدومهم ، والقيام لهم ، ونداؤهم بالأسماء العظيمة الموجبة لرفع شأن المنادى بها.
ثم أشار الإمام القرافي ـ رحمه الله ـ إلى ضرورة أن يستحضر المسلمون عند التعايش مع غير المسلمين؛ ما جبل عليه غير المسلمين من تكذيب نبينا r، وبغضهم للمؤمنين به،  وأنهم لو قدروا علينا لاستأصلوا شأفتنا، واستولوا على دمائنا وأموالنا، وأنهم من أشد العصاة لربنا ومالكنا عز وجل.
 نتائج الدراسة
النتائج التي توصلت إليها من خلال هذه الدراسة المختصرة لموضوع التعايش بين المسلمين وغير المسلمين في القارة الإفريقية كثيرة، ومن أبرزها ما يأتي:
1.    أن الإسلام دين يدعو للتعايش، والتقارب، ويدين التعصب، والغلو، والتطرف سواء مع الذات، أو مع الآخرين.
2.    أن المرجعية في فهم قضايا التعايش بين المسلمين وغير المسلمين في إفريقيا ـ وفي غيرها ـ تستند على نصوص الوحي الإلهي  الكتاب والسنة  ، وفهمها وفق ما كان عليه الصحابة ، والتابعون ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
3.    البوادر الأولى للتعايش بين المسلمين وغير المسلمين في القارة الإفريقية قديمة، ويرجع تاريخها إلى تأريخ دخول الإسلام للقارة في عهد النبوة.

4.    أثبتت الدراسة صلاحية المنهج الإسلامي لتحقيق التعايش بين أفراد المجتمع، حتى مع اختلاف أديانهم، وأعرافهم، وثقافاتهم.
5.    أن التعايش الذي يروج له بعض السياسيين المسلمين لا ينسجم في الغالب مع قيم الإسلام ومبادئه، وهم يهدفون إلى تمييع الدين، ونشر مايضاد العقيدة، والشريعة الإسلامية.
6.    ظهر لي أن مصطلح التعايش السلمي قد يستغله بعض المنحرفين للترويج لأفكار علمانية، وشيوعية، وتنصيرية، ونحوها من الأفكار التي تتعارض مع قيم الإسلام ومبادئه.
7.    التعايش بمنظور الشريعة الإسلامية وسيلة مهمة من وسائل تطوير المجتمعات، وتنميتها تنمية شاملة للجوانب المادية، والروحية.


[1] في إبطال هذه الدعوة لما يسمى وحدة الأديان فتوى صادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية، برقم 19402 وتاريخ 25/1/1418هـ. وللشيخ / بكر بن عبد الله أبوزيد دراسة في أبطال دعوى وحدة الأديان بعنوان:  الأبطال لنظرية الخلط بين دين الإسلام وغيره من الأديان
[2] في مسألة المشاركة في أعياد النصارى الدينية رسالة بعنوان:  لا تشاركوا النصارى في أعيادهم جمعها الباحث / ناصر علي الغامدي، ونشرتها مؤسسة المؤتمن ـ المملكة العربية السعودية ـ الرياض، الطبعة الثالثة 1413هـ الموافق 1992م. للاستزادة انظر كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الحجيم 1/425 ـ 488 لشيخ الإسلام ابن تيمية، النسخة التي حققها د/ ناصر بن عبد الكريم العقل، الطبعة الأولى عام 1404هـ بمطابع العبيكان بالرياض، وانظر ـ أيضا ـ كتاب الروض المربع شرح زاد المستقنع ـ مع حاشيته 4/ 309 للشيخ / عبد الرحمن بن محمد بن قاسم العاصمي النجدي ـ بدون المطبعة وتاريخ النشر  
[3]  أشار الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ رحمه الله ـ في فتح الباري 13/525 كتاب التوحيد   باب قول الله تعالى بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ{21} فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ{22} إلى منع المطالعة في التوراة والإنجيل ونحوها من كتب أهل الكتاب إلا للعلماء الراسخين في العلم والإيمان، وذلك عند تعليقه على حديث جابر ـ t ـ: " أن النبي r غضب حين رأى مع عمربن الخطاب ـ t ـ صحيفة فيها شئ من التوراة وقال له: أفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ ألم آت بها بيضاء نقية ؟ لو كان أخى موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي ".وجاء في بعض الروايات أن عمر بن الخطاب ـ t ـ رمى ما كان في يده وندم على ذلك.  
[4]  الفروق  2/434

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق