الاثنين، 24 فبراير 2014

سياسة المخزن الدولة المغربية تجاه قبائل الصحراء المغربية



ـ سياسة المخزن تجاه قبائل الصحراء:
شهدت الصحراء حضورا مخزنيا منذ أيام "احمد المنصور الذهبي السعدي"  والذي لا يزال الموروث الثقافي يحفظ عددا من أعماله، ولازالت العديد من المواقع في  المنطقة تشهد على مروره أو مقامه بها.

 
اما فيما يخص فترة الحكم العلوي، خضعت المنطقة لسلطة المولى الرشيد خاصة بعد القضاء على إمارة "أبي حسون  السملالي"  الملقب "ببودميعة" ومركزها" إيليغ"، حيث استولى على تارودانت  وسائر بلاد سوس، فملك المغرب بأسره قطرا بعد قطر إلى وادي نول،[1] واقتفى نفس السياسة أخوه المولى اسماعيل  بعد بيعته، حيت "انه في منسلخ ربيع الاول قدم مولانا اسماعيل بعض وصفانه ثم دفع المرتب وعزم على الحركة للصحراء وغيرها وصرح انه يخرج بعد صلاة الجمعة"[2].
لكن الذاكرة الشعبية،كخزان ثقافي، تفيد ان فكرة خروج المولى اسماعيل الى الصحراء مبهمة، والاعتقاد البين انه زار الصحراء الجنوبية الشرقية فقط، ويتبين من الرسالة التي  وجهها المولى اسماعيل إلى ابنه المولى المأمون يؤنبه فيها بسبب تقاعسه  عن عدم تبليغه بأخبار تلك البلاد والتي لم تكن غائبة عنه"... ولا قدرت حتى تشير إلى شيء من خبر تلك البلاد الصحراوية التي أتيت منها خوفا أن تذكرنا فيها إلى أن كان خديمنا ابراهيم بن حام الكسيمي... وكان يعطينا بها أخيار  تلك البلاد من وادي نون إلى الصحراء وينظر في برواته جميع ما يعرف او يبحث عنه أو يعرف أن نتشوف إليه"[3].
يتبين من خلال هذه المعطيات أن المنطقة كانت حاضرة في الترتيبات المخزنية في العهد السعدي وبدايات الحكم العلوي، لكن يرى بعض المؤرخين أن سكان  المنطقة  ليست لهم أية علاقة بالمخزن، حيث : "... فرحوا بمقدم السلطان ووطئه بلادهم غاية الفرح حتى اتخذوا موضع خبائه الذي كان مضروبا به  مزارا يتبركون  به إلى الآن، إذ لم يكونوا هم ولا آبائهم من قبل رأوا سلطانا بأرضهم ولا سمعوا بوصوله إليها"[4].
كانت هذه المرحلة الأولى من أشكال الحضور المخزني في المنطقة، أما المرحلة الثانية من هذا التدخل فستظهر ملامحها في النصف الثاني من القرن  التاسع عشر الميلادي.

 
تمت مبايعة السلطان الحسن الأول في سنة 1873، الذي عرف عنه الجهاد وتوطيد دعائم الدولة العلوية، وكان من خططه نهج سياسة "الحركات" او الرحلات نحو مختلف المناطق بالمغرب  لتثبيت حكمه والاتصال بالرعية، وتدخل حركته إلى منطقة وادي نون في إطار الظرفية العامة التي عرفتها المنطقة[5]، والمتمثلة في الضغوط الداخلية والخارجية الشيء الذي حتم على السلطان القيام بحركتين للصحراء[6]، حتى  وصفته الكتابات بأنه "كان يحمل ملكه فوق صهوة جواده".
لقد كانت الغاية من هذه الرحلات فرض سلطة المخزن في الوقت الذي اشتد فيه التكالب الأوربي حول المغرب والمناطق الصحراوية بالخصوص.
جاءت  حركة الحسن الأول إلى وادي نون  نتيجة لعدة أسباب من ضمنها الوقوف  في وجه التجار الاوربيين  في المناطق الجنوبية امثال التاجر "ماكينزي"، حيث أن "جنس الوصبنيول كان متشوفا لتملك بعض المراسي السوسية منذ انعقاد الهدنة معه عقب حرب تطاوين".[7]

 
اضافة الى ان المخزن كان لا ينظر بعين الرضى الى الزعامات المحلية رغم كونها تمثل الجهاز المخزني ويتعلق الامر بالاسر الدينية والتجارية.
             أ ـ الأسر التجارية :
وعيا من المخزن بأن الصحراء الشمالية الأطلسية بعيدة كل البعد عن سلطته، ووعيا منه أيضا بأن المعاينة المباشرة لشؤون المنطقة تكلفه مصاريف باهضة، فإنه حاول الاعتماد على الأسر التجارية في بسط سيطرته من خلال استقطابهم وإضفاء الشرعية على بعض ممارساتهم بغرض ضمان شرعية السلطة المركزية وتمرير خطاباته السياسية إلى المنطقة.

 
? اسرة آل بيروكـ : تنتمي هذه الأسرة إلى  قبيلة "أيت موسى أوعلي"، إحدى اهم قبائل تكنة الممتدة جنوب وادي نون، وقد اشتهرت بأهمية دورها التجاري، وقد برزت من هذه القبيلة أسرة "اهل بيروكـ" كقوة اقتصادية، حيث أن في الفترة التي اشتهر فيها شخص الشيبخ بيروكـ حيت جاء  كبا ر الرحالة للذبح له.
أما بخصوص العلاقة بين أهل بيروكـ والمخزن، فإن هذا الأخير عمل جاهدا على إعادة صياغة العلاقات فيما بينهما والتي كانت متوترة في حكم السلطان محمد بن عبد الرحمان، نتيجة جهود اهل بيروكـ في فتح مرسى في واد نون.
وقد كانت الأسرة البيروكية في عهد السلطان الحسن الأول تتمتع بحضور قوي في الترتيبات المخزنية، حيث تبرز العلاقة بين هذه الأسرة والسلطة المركزية من خلال الرسالة التي وجهها السلطان الحسن الأول  إلى الشيخ لحبيب بيروك الوادنوني الجليمي[8].
بعد أن كانت أسرة اهل بيروكـ تتعامل مع الأوربيين في معزل عن المخزن، أصبحت تنفذ أوامره المتمثلة في مراقبة العلاقات التجارية بين السكان المحليين والتجار الأوربيين، وتنفيذا  لأوامر السلطان قام دحمان ولد بيروكـ بتنصيب فرق عسكرية في السواحل وقد روعي في هذا التوزيع المعطى القبلي، كما قام بعدة حملات تأديبية ضد القبائل التي تتاجر مع الاوربيين، وشن حملات على حصن ماكينزي، وقد تلت هذه المواجهة مواجهات اخرى فشل دحمان بن بيروكـ من خلالها في ارغام ازركيين في وضع حد لعلاقاتهم التجارية مع ماكينزي.
وقام القائد دحمان بحملة عسكرية بمساعدة  عساكر المخزن للقضاء على احد  قواد  "كنتة" والذي لقب نفسه "بالمتمهدي" وتبع فلوله حتى "شنكيط"، ودخل الى "اطار" وعقد الصلح مع "إذاوعيش"[9].
وبالإضافة  إلى ذلك فقد كان الجهاز المخزني يسعى الى ايجاد زعامات محلية أخرى جنوب وادي نون وفي الساقية الحمراء ونخص بالذكر"محمد المصطفى ولد محمد فاضل ولد ماميين" المعروف"بالشيخ ماء العينين".
             ب ـ الأسر الدينية :

 
برز دور رجال الزوايا والتصوف خلال الازمة الخطيرة التي عرفها المغرب خلال القرن الرابع العشر الميلادي، اواخر الدولة المريينة، بل كان لهؤلاء الاشياخ دور بارز في تنظيم  الجهاد ضد النصارى الذين  نزلوا بالتراب الوطني منذ سنة 1415، كما كان لهم الفضل في بلورة  قيادة سياسية جديدة بالجنوب السوسي والمتمثلة في الاسرة السعدية، ومع ذلك تؤكد المصادر ومن ضمنها صاحب نزهة الحادي على ان السلطان محمد الشيخ السعدي المؤسس الفعلي لحكم  هده الأسرة : "كان يتوهم من مشايخ الفقراء ويخاف منهم  لدخولهم الملك من بابهم".
ورغم  هذا التخوف، ورغم ما كانت عليه الدولة المغربية سواء في العهد السعدي أو العلوي فإنها حافظت على مؤسسة الزاوية وشجعتها بمختلف مظاهر التوقير والاحترام وبأنواع العطايا[10].

 
! الزاوية المعينية :   نسبة إلى مؤسسها محمد بن المصطفى ولد محمد فاضل ولد  مامين القلقمي، ولد سنة 1830 في أقصى جنوب موريتانيا، وهو الابن الثاني عشر من بين إخوته الثمانية والأربعين، وتفيد المصادر أن هذه الأسرة انحدرت من إحدى السلالات العربية المهاجرة من اليمين، والفرق  الذي كان يميز الشيخ  ماء العينين  عن باقي  إخوته  انفراده بالتوجه نحو فاس لاستكمال تكونه المعرفي وتحقيق المزيد من التحصيل، ولعب الشيخ ماء العينين  دورا تحكيميا في فض النزاعات بين قبائل الصحراء، وبهذه الطريقة استطاع التقرب من السلطان الحسن الاول بلغة الاصلاح المطابقة للوضع القبلي آنذاك، فأمر  السلطان الحسن الاول بتاسيس زاوية بالسمارة سنة 1889،  كانت لها ادوارا دينية  وسياسية  واجتماعية.
يرى  بعض الباحثين[11] ، أن الشخصيات  القليلة كانت تستطيع  أن تمارس سلطة فوق القبيلة هي الشخصيات الدينية، حيث أن تأثيرهم كان دينيا ويحترمون على هذا الأساس، فهناك فرق  بين سلطة  الشيخ القبلي وسلطة الشيخ الديني الذي تلجأ إليه القبائل للتعلم والتبرك  وفض الخلافات، فالشيخ ماء العينين لعب هذا الدور في الصحراء وما يزكي هدا، تلك الحرب التي دارت بين "أولاد غيلان" و"الركيبات" والتي انتهت بوساطة الشيخ وعقد  الصلح في زاويته في السمارة.






 



 
             ج ـ سياسة تعيين القواد:
إن تعيين القواد بتكنة كان يتم بإحدى الطريقتين:
·       الأولى : وهي أن يعين القائد من طرف السلطان بظهير شريف،ليس كوسيلة ولكن لاضفاء الشرعية، وقبل عهد الحماية كان لا يمكن أن يترأس أي فرد على إحدى الجهات إلا إذا كان يتوفر على ظهير من السلطان.
·       اما الطريقة الثانية:  فهي ان يعين القائد من طرف قبيلته، وتجدر الاشارة الى ان "عملية تعيين القواد هي مسألة شملت مختلف  القبائل"[12].  وفيما يلي بعض قواد قبيلة ايت اوسا:
·      

 
 القائد محمد ولد الخرشي: ينتمي إلى فخدة ايت بوجمعة، كان قائدا وزعيما حربيا، من صفاته الذكاء، "انه شخص لطيف، ذكي ومتزن، فآرائه مسموعة، قاد عدة حروب ضد مختلف القبائل، يرجع له الفضل في عقد مجموعة من المعاهدات على الخصوص مع أيت مربيط والتي كانت ودية وحارة"[13].
       كما وقع معاهدة  تاريخية مع الركيبات سنة 1910، وقد اشتهر أيضا بمنحه الحط والانتصار لقبيلة أثناء المعارك، ويحكى انه قبل دخول الاستعمار طلب "عليات ولد شياهو" من "محمد ولد الخرشي" السماح له بغزو قبيلة إزركيين، لكن هذا الأخير رفض  على اعتبار أن الوقت غير مناسب وعلينا أن نجمع كل قوتنا  لمواجهة النصارى، إلا أن عليات  صمم على رأيه، وجمع  من حوله  عددا من أفراد القبيلة ومنهم ابن محمد ولد الخرشي لمباركة "غزي" خصوصا وان محمد ولد الخرشي رفض اعطائهم  لثامه* وقاد عليات  "غزي" إلا انهم هزموا وقتل عليات وكان أسوأ "غزي" عرفته أيت اوسا.

 
ـ القائد عليات ولد احمد شياهو: وهو ابن القائد الذي عينه المولى الحسن من فخذة  أيت وعبان  إحدى  اقوى الفخذات من الناحية الحربية والمادية، ويعتبر شخصية بارزة داخل القبيلة،تصاهر مع اولاد الدليم، له علاقة متميزة مع ايت امريبط خلال فترة تدبيره شؤون القبيلة، لكن يؤاخذ عليه هؤلاء  نهبه لمحمييهم وعدم إعادته الغنائم عند توسطهم عندئذ  قطع علاقاته معهم[14].
ـ القائد الرباني ولد حمدي: يسمى أيضا ولد جاعا ويسي، وهو من أبرز أعيان إذاونكيت ينتمي إلى فخذة أهل حمو وعلي، قاد عدة  حروب ضد القبائل، كما كان زعيما حربيا له دراية بمختلف المسالك الصحراوية المهمة.

 
       عموما تتحدث الرواية الشفوية عن القائد شياهو،  الذي عينه السلطان الحسن الاول، إلا أن تعيينه بقي صوريا حيث أنه لا يمارس أية سلطة على أفراد القبيلة، صحيح أن عائلته تنعت بخيمة القيادة، الا ان ذلك لا يغير شيئا من واقعه  كفرد عادي  من افراد القبيلة.
شكلت مؤسسة "القايد" صلة وصل بين المخزن والقبائل، "فالقايد"  يلعب دور الوسيط بين السلطة المركزية والقبيلة، حيث كلف بعدة مهام على رأسها  جمع الضرائب  والاعشار[15].
إضافة الى الاخبار بكل ما يجري في القبيلة بواسطة المراسلات بين المخزن والقيادات[16].
وبين  القيادات والمخزن[17]، حيث تغطي أتفه الحوادث وأهمها.
لقد كشف مؤرخ مشرقي حرص السلطان الحسن الأول على معرفة أحوال القبائل بقوله: "... وبحث في أحوال الرعية فسال كل قبيلة عن قوتها وضعفها وعددها وعدتها وخيلها  ورجالاتها  حتى لم يخفى عليه حال قبيلة من قبائل المغرب وكل هذا من القيام على ساق بأمور الملك... كما انه لم يفته  حال من أحوال قواده وعماله ووزرائه وكتابه  وقضاته وما هو عليه أهل حاضر من الأحوال وما ولي بأرض المغرب إلا وكشف عن نسبه واصله واسمه وتاريخ وفاته وأشياخه..."[18] .
يتضح من خلال ما تقدم أن اختيار "القايد" لا يتم تلقائيا، فنفوذه  لم يكن مستمدا من ظهير تعيينه ولكنه مستمد  كذلك من أملاكه  وجاهه، غير أن أساس مقومات تلك القيادة  كانت في تكثير الاملاك  والمداخيل، فلا يمكن ان نفكر في قائد مخزني دون ان نفكر فيه، كمالك كبير ومعظم املاكه في إيالته[19].

 
       وهكذا  يبدو أن العلاقة إذا كانت ايجابية بين القايد والمخزن فان ذلك يعني ضياع القبائل التي تصبح عرضة لكل أشكال القهر، وهذا ما يفسر أحيانا رغبة القبائل في العيش بعيدا عن "بلاد المخزن" و"النظام القايدي"، وهذا حال قبيلة أيت اوسا في لف أيت عثمان، وأيت لحسن في لف أيت الجمل.
وحسب روبير مونطاني Robert Montagne " أن القايد باعتباره زعيما ملحقا بالجهاز المخزني، فقد كلف بتحطيم المؤسسات التقليدية ومن بينها "العرف" الذي يعتبر مظهرا من مظاهر الإرادة الشعبية"[20].
2 ـ سياسة المخزن تجاه قبيلة أيت أوسا:
       كان المغرب مقسما الى جزئين بلاد المخزن التي يبسط في إطارها السلطان سلطته كاملة بواسطة قواده، ولم تكن تشمل في نظر البعض الثلث من مساحة المغرب[21]، ثم بلاد  السيبة التي تتحدد في المجال الذي تدير فوقه القبائل والتي تمكنت  من الانفلات من قبضة  المخزن  او السلطة المركزية، وتتبع بنوع من  التسيير الذاتي "وطاعتها مشروطة بقدرة المخزن  على ممارسة  الضغط عليها وتننطبق  هذه المواصفات على المناطق الجبلية  التي تشرف على سهل سوس، كما تنطبق علىى الاراضي الواطئة، والمناطق المرتفعة المنحصرة بين وادي ماسة ووادي نول[22].

 
عن الطاعة في تصور المخزن تتحدد في أداء القبائل   لما لها من واجبات تجاه المخزن بماضي ذلك المساهمة في ضمان دخل قار للمخزن وعدم  خلق مشاكل من شانها أن تشغله او تكبده مشاق انتقال جزئي أو كلي الى عين المكان، " فأداء الزكاة والأعشار يعني المساهمة في تمكين المخزن من إدارة دواليب الحكم، كما أن التزام الحفاظ على السلم  يعد  تعبيرا  عن المساهمة  في خلق جو ملائم لسير طبيعي للحركة التجارية ولدوام  الاستقرار السياسي"3[23].
في إطار  دراسة هذه  العلاقة التي تربط المخزن بالقبائل والتي تتأرجح بين التبعية الاسمية احيانا  والخروج عن طاعته احيانا اخرى، فأين يمكن ان تتموضع قبيلة أيت اوسا ضمن هذه المنظومة؟  والى أي حد استطاعت  السلطة المركزية إخضاع هذه القبيلة؟
كما هو معلوم  فقبائل تكنة حيثة العهد بالمخزن بحكم موقعها الجغرافي البعيد عن مركز السلطة إذ ان السلطة الفعلية لم تتركز بالمنطقة الا منذ عهد قريب.
اما الوجود المعنوي للمخزن فالاعتراف به لم ينقطع حتى في الفترات التي كان المخزن فيها متفككا وضعيفا،ويتجسد هدا الاعتراف لدى القبائل في الولاء للسلاطين ونصرتهم في خطب الجمعة والاعياد على لسان  فقهائهم، "يدعون السلاطين على  المنابر  وينصرونهم في المواسم والاندية ويعتقدون  ان مخالفتهم شقاق"[24].
لقد كان السلطان يحكم جميع القبائل والمدن وكانت سلطته مطلقة، وباعتباره سليل البيت النبوي الشريف، فكل السلط كانت بين يديه،"فباسمه تلقى خطبة الجمعة والأعياد وكان  بمثابة حامي الملة والدين، عليه أن يحرص على احترام تعاليم الشريعة الإسلامية، والمشرع الذي يبلور إرادته عبر  ظهائر، يمكن أن تكون نصوصا تشريعية  أو مراسيم أو نصوص تنظيمية، لكن مع الحرص على ألا يمس في ذلك تعاليم القرآن الأساسية"[25].

 
ان ما يميز النظام السياسي في المغرب  السلطة  الشخصية للسلطان ، فإلى جانب  "الشرف" كان السلطان  معروفا بما يمتلكه من "بركة"،  يحقق من خلال  هذه الاخيرة  "الشريف" المعجزات، ويمكن ان نذهب مع كثير من الباحثين " على كون  هذين  العنصرين (الشرف والبركة) هما احدى ركائز الرأسمال الرمزي الذي كان بحوزة السلطان"[26].
نتيجة لنذرة الوثائق المحلية والكتابات التاريخية، تبقى هناك صعوبة معرفة العلاقة التي تربط قبيلة أيت اوسا بالسلطة المركزية، نظرا للبعد الجغرافي لمنطقة أسا عن "بلاد المخزن" الشيء الذي جعلها تشكل مركزا لحماية المتمردين من المخزن، ولعل أبرزهم "أبو  حسون السملالي" المعروف "ببودميعة"  "حفيد  الشيخ سيدي احماد اوموسى" دفين تازروالت الذي كان لجوؤه بعد تدمير إمارته من طرف العلويين سنة 1670 ميلادي، نظرا لسوء علاقته بالسلطة المخزنية، "حيث عاش بين ايت أوسا إلى سنة 1695، تاريخ عودته إلى "إيليغ" مقر زاويته، وخلال مقامه باسا، كان يعيش على نفقات زاوية أسا، وهذا يعني نوعا من الاستقلالية عن المخزن التي كرستها هامشية المنطقة"[27].
هذا الاستقلال السياسي لا يمكن ان يتم الا بوجود استقلال اداري يتمثل في مجلس "أيت الربعين" السلطة العليا للقبيلة، وما يعمق هذا الاستقلال اعطاء  قبيلة أيت اوسا  لقوادها مكانة مهمة، حيث كانوا يتوفرون على كامل  الصلاحيات في فرض بعض الضرائب، كضريبة  "المرور" وكذلك ضريبة " الاقامة"  بهذا المجال[28].
امام هذه الوضعية التي عرفتها منطقة أيت اوسا خاصة، وتكنة عامة، قامت  السلطة المركزية بعدة "حركات" خصوصا في عهد السلطان "الحسن الاول"، الذي  جمع كلمة القبائل  وجعل من مدينة  تزنيت عاصمة السوس الأقصى  على أساس أن يحمكها ضابط كبير في الجيش، ترجع اليه القبائل في كل شؤونها، وكذلك عن طريق تعيين القواد والأعيان على رأس كل قبيلة، وفي هذا الصدد جاء تعيين القائد "احمد شياهو" من فرع أيت وعبان على قبيلة أيت اوسا[29].
وبعد هذا القائد تم تعيين ابنه "عليات ولد احمد شياهو"، إلا انه هناك غموض بالنسبة لسلطة هذين القائدين خصوصا وان جل عناصر القبيلة تعرف حياة الترحال، إضافة إلى كون المراحل اللاحقة ستسجل غياب بعض المعطيات التي تؤكد  ذلك الحضور المخزني بالمنطقة، خصوصا وان هذا الأخير عرف مجموعة من الاضطرابات ساهمت في تدهور علاقاته مع القبائل، "خاصة بعد  وفاة الوزير "احمد بن موسى" واستمرت على هذه الوثيرة في التدهور إلى عهد الحماية"[30].
بعد وفاة الشيخ ماء العينين سنة 1910، بايعت القبائل الصحراوية ابنه "احمد الهيبة" ليقوم بالجهاد ضد المحتلين، وكان من ضمن هذه القبائل قبيلة أيت اوسا، حيث نصب نفسه حاكما على كل اقليم سوس وأجزاء من وادي درعة ووادي نون، وما يؤكد صحة هذا الكلام البيت الشعري التالي:
      حنا هاذوكـ في زمان السيبة            ما راينا حاكم يجيبنـا
      وكت جـانا سيـدي احمـد             الهيبة طلع البدر علينا
خضعت القبيلة هي الأخرى للضرائب التي خضعت لها القبائل الأخرى، خصوصا بعد الكوارث التي عاشها المغرب بسبب الأزمة المالية وتكالب الديون عليه، وقد عثرنا في هذا الصدد على رسالة سلطانية مؤرخة  بتاريخ 12 رجب 1341 هـ /1921م، جاء فيها "الحمد لله وحده خدامنا المرضين جماعة آسا كافة راعكم الله وسلم عليكم  ورحمة الله وبركاته، وبعد فقد وجبنا إليكم حملة أمناءنا المرضيين في شان أعشار زروعكم المباركة..."[31].

ويبقى التواجد المخزني باسا معنويا[1]. أكثر منه ممارسة فعلية نتيجة لعدة ظروف تتعلق بالقبيلة أو المخزن، على ان هذا التواجد الجزئي والمعنوي جعل القبيلة والقبائل الأخرى تعيش في نوع من الحرية، حيث تحن أكثر من مرة إلى رحمة اعرافها بعيدة عن الهيمنة المخزنية.

 
بصورة عامة بمكن ملاحظة ان سياسة المخزن تجاه القبائل كانت ترمي بصفة خاصة إلى  إيقاف كل حركة قبلية من شأنها أن تمنح لقبيلة ما او مجموعة من القبائل تطورا سياسيا وعسكريا، يبتدئ من الداخل ليتسرب  إلى الخارج، مخلا بأسس القوة   وتفرقة القبائل، والتحكم في الطرق والمحاور الأساسية مع استعماله لمجموعة من الوسائل المتراوحة ما بين المرونة والتراضي، وتتلخص هذه السياسة في موقف المخزن تجاه القبائل القوية بعددها والمنيعة ببعدها، إذ يتحاشى  كل مواجهة معها، ويلاحظ عموما أن البعد أو القرب عن النظام له تأثير على السلطة، فالقبائل  التي قليلا ما يصل إليها نفوذ المخزن تحتفظ بنظام جماعي بخلاف القريبة من السلطة، فالنظام السياسي للقبائل البعيدة جغرافيا عن المخزن لا يظهرون ارتباطهم به إلا إذا صار "الذين" في خطر على إثر غزو أجنبي، وحين ذاك يكونون ملزمين بالتطوع وإمداد السلطان بإعانة عسكرية، وهي خدمة لا تتواني أية قبيلة في أدائها مهما كانت ظروفها وعلاقاتها بالمخزن.


[1]  هناك مقولة شائعة عند شيوخ القبيلة مفادها: "الله ينصر السلطان ويهن الاوطان".


[1]  الضعيف، الرباطي، تاريخ الضعيف، تحقيق وتقديم  العماري احمد، دار المأثورات الرباط، طبعة  الاولى  1986 ، ص: 56..
[2]  حجي، محمد، موسوعة عالم المغرب، الجزء الرابع،  دار الغرب الاسلامي،  الطبعة الاولى  1996، ص: 1575.
[3]   الغربي، محمد، الساقية الحمراء ووادي الذهب، الجزء الاول، دار الكتاب  البيضاء، بدون تاريخ ، ص:219... تحقيق لرستاذ جعفر الناصري ذ. محمد الناصري.
[4] الناصري، أبو العباس، احمد بن خالد، الاستقصا الجزء التاسع ،  تحقيق الاستاذ جعفر الناصري  و محمد الناصري، دار الكتاب، البيضاء   1956، ص: 181.
[5]  نسخة من وثيقة رقم11: فترة السيبة والنزاعات بين أيت الجمل وأيت بلا قبل حركة الحسن الاول.
[6]   وثيقة رقم 12: رسالة  سلطانية الى لحبيب بن بيروك  في شان عزم السلطان الحسن الاول  الى التوجه لتلك النواحي  مؤرخة سنة 1295هـ.
[7]  الناصري، المصدر السابق،ص: 174.
[8]  وثيقة رقم 13: رسالة سلطانية من السلطان الحسن الاول الى لحبيب بيروك، : تبرز  العلاقة الحسنة بين المخزن وخدامه.
[9]  الغربي، محمد، المرجع السابق، ص: 272.
[10]  بوركاري، احمد، كتب التراجم كمصدر لإغناء المعرفة بتاريخنا،  مجلة المناهل العدد 36. ص: 255.
[11]  بوبريكـ، رحال، القانون والمجتمع بالمغرب، سلسلة  ندوات ومناظرات 7، المعهد الملكي للثقافة الامازيغية ومركز الدراسات الانتروبولوجية والسيمولوجية ، العرف في المجتمع الصحراوي (قراءة اولية في نصوص عرفية)، ص: 83.
[12]  الغربي، محمد، المرجع السابق، ص: 172.
[13] De lachapelle. F : OP,CIT,p :98.
*  يعتبر محمد ولد الخرشي اكثر مقدمين أيت اوسا بركة ، حيث كان يحمل اثنين لثامه ويمر من تحتة كل المقاتلين قبل أي غزو للتبرك به.
[14] De lachapelle. F. op,cit , P :98.
[15]  Mantagne,R : Le régime juridique, P :98.
[16]  وثيقة رقم 14: نسخة من رسالة سلطانية من الحسن الاول الى خديمه الحسين ولد هاشم.
[17]  وثيقة رقم  15: نسخة  من رسالة مخزنية الى السلطان الحسن الاول في شأن مبايعة قبائل تكنة واهل الصحراء له.
[18]  بورقية، رحمة، المرجع  السابق، ص   65 ، نقلا عن المشرقي الحلل البهية ، ص: 246.
[19]  توفيق، احمد،  المرجع السابق، 476.
[20] Montagne, R, op,cit, p :371.
[21]  Terasse, H, Le maroc  à la fin de XIX siècle « ED ATLANTIQUES, P 344 Casablanca
[22] المحمدي  علي، السلطة والمجتمع في المغرب نموذج أيت بعمران، الطبعة  الاولى، الدار البضاء 1989 ص 86.
[23]  نفس  المرجع.ص 87.
[24] آفا عمر ، المرجع السابق، ص:106.
[25]  البير، عياش، المغرب والاستعمار حصيلة السيطرة الفرنسية ، ترجمة عبد القادر الشاوي ونور الدين السعودي ، مراجعة وتقديم ادريس بن سعيد وعبد الاحد السبتي ،منشور بدار الخطابي للطباعة والنشر، الطبعة الاولى، ابريل 1985 (المغرب) ص 56.
[26]  الجماني، احمد، الاولياء والقداسة  بواحات واد نون بوابة الصحراء طبعة 1995 منشورات كية الاداب والعلوم الانسانية، ص 324 – 325..
[27]  Pascon, Paul, la maison d’Illigh et l’hIstIore social du Tazerwalt, casablanca, 1984, P : 15.
[28]  وثيقة رقم 16: ضريبة الاقامة.
[29]  وثيقة رقم 17:  ظهير سلطاني في شلن تعيين القائد احمد شياهو.
[30]  آفا ، عمر، المرجع  السابق ، ص : 110.
[31] وثيقة رقم 18 :رسالة سلطانية من اجل دفع الاعشار المفروضة  على الزرع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق