السبت، 22 فبراير 2014

إستراتيجية الإصلاح الدستوري-السياسي للمؤسسة الملكية



: إستراتيجية الإصلاح الدستوري-السياسي للمؤسسة الملكية
   كيف بلورت المؤسسة الملكية مسألة الإصلاح الدستوري – السياسي؟ وما هي مرتكزات هذا الإصلاح؟ وفي أي اتجاه يصب؟ هل يصب في اتجاه بلورة مشروع مجتمعي حداثي؟ أم يكرس الطابع التقليدي؟ أم سعى إلى بلورة نهج تثاقفي يزاوج بين المعطى التقليدي والحداثي؟
المطلب الأول : تثاقفية الإصلاح الدستوري-السياسي في تصور المؤسسة الملكية
كان للمؤسسة الملكية تصور واضح من مسألة الإصلاح الدستوري- السياسي بالمغرب، فقد انطلقت من توظيف إرث الخلافة الإسلامية؛ بحيث يكون مصدر الشرعية قوامها البيعة والمرجعية التاريخية المرتكزة على الإرث التاريخي الإسلامي الذي عمر أزيد من اثني عشر قرنا، والمرجعية الوطنية نظرا لكون المؤسسة الملكية كافحت بشكل فعلي على امتداد تاريخ هذا البلد من أجل ضمان حريته واستقلاله، وفي اتجاه آخر حرصت المؤسسة الملكية على توظيف القناعة السياسية لمواكبة العصر لكن دون أن تنسى المعطى التقليدي.
   إن هذا التوجه السياسي سيترجمه بوضوح جلالة المغفور له الحسن الثاني من خلال التأكيد على مبدأ التوازن بين القيمتين المرجعية والتحكيمية؛ فهناك تلازم منهجي في جعل الملك حكَمَا وحاكما. وإذا كانت مرجعية الحاكم قد تعرضت مع المراجعة الدستورية لسنة 1992 إلى تحول نوعي مس البنية الدستورية في نطاق آليات ممارسة السلطةعبر طابق المشروعية وليس طابق الشرعية، فإن مرجعية  "الحكَم" لم يتم تحجيمها في المغرب الراهن، بل تكرس إقرارها من قبل جميع الفاعلين السياسيين ليس فقط لإيمانهم بأن المؤسسة الملكية حكمت فعليا على امتداد التاريخ المغربي ولكن لإدراكهم بكون هذه المؤسسة تشكل صمام أمان للمجتمع المغربي برمته[10] ذلك أن الإصلاح الدستوري-السياسي ركز على مجال السلطات العصرية للملك دون أن يمتد إلى عمق المجال التقليدي للملكية. فلم يطرأ على المهام التقليدية للملك أي تعديل أو تحوير؛ فالتعديل الدستوري مس جانبا من جوانب السلطات العصرية كمسألة تحديد الأجل في تنفيذ القانون في أجل أقصاه 20 يوما؛ كما أن التحسينات التي طرأت على الجهازين التنفيذي والتشريعـــي لا تعني مطلقا تفويت سلطات الملك لهذين الجهازين بقدر ما لا تعدو أن تكون تفويضا لبعض سلطاته دون أن يمس هذا التفويض المهام التاريخية للمؤسسة الملكية.
 المطلب الثاني : الطابع التدريجي للإصلاح الدستوري-السياسي الملكي
 نهجت المؤسسة الملكية نوعا من "التدريجية" في تدشين مسلسل الإصلاح الدستوري-السياسي؛ إذ أن إصلاح الترسانة الدستورية لمغرب التسعينات تطلب أكثر من خمس سنوات؛ حيث أشار العاهل المغربي في هذا الصدد: "منذ أن أناط الله  بنا أمانة قيادتك والسير بك نحو المستقبل الجدير بماضيك المستجيب لطموحاتك المشروعة لم نفتأ نعبد الطريق أمام تقدمك المتواصل متدرجين بك مرحلة مرحلة؛ دونما تباطؤ ولا تسرع مفضلين سياسة ما هو ممكن التي لا تعني إيثار ما هو أسهل، بل تعني انتهاج السبل واختيار الوسائل المؤدية إلى ما ترتجيه"[11].
المطلب الثالث: واقعية الإصلاح الدستوري للمؤسسة الملكية
    انبنت إستراتيجية الملك الحسن الثاني على جعل مسألة الإصلاح الدستوري إصلاحا فعليا للمؤسسات الدستورية فـ"الإصلاح الدستوري يجب أن يكون إصلاحا لا آليا خياليا ولا فارغا ولا فلسفيا فقط؛ بل يجب أن يكون إصلاحا للدواليب وللآليات التي ستجعلنا قادرين على تناول الملفات الثلاثة التي ذكرتها لك- شعبي العزيز- والتي لا تقتضي الانتظار، بل يجب أن ننكب عليها جميعا في أقرب وقت ممكن، فقريبا إن شاء الله سنتناول هذه المواضيع وعلينا جميعا بهذه المناسبة أن نقطع على أنفسنا عهدا وقسما وأن نضع قاطرة بلدنا في السنة المقبلة على السكة الجيدة الجديدة القويمة التي ستؤدي بنا إلى بلوغ أهدافنا ورغباتنا"[12].
 المبحث الثاني: مواقف الفاعلين السياسيين من مسألة الإصلاح الدستوري السياسي
 تباينت مواقف الفاعلين السياسيين من مسألة الإصلاح الدستوري؛ فإذا كانت أحزاب "الوفاق" قد كرست مطالبتها بملكية دستورية حاكمة؛ فإن أحزاب الكتلة نهجت نوعا من الإصلاح الدستوري المتطلع إلى خلق ملكية برلمانية.
 المطلب الأول : رؤية أحزاب الوفاق
سعت أحزاب الوفاق إلى بلورة مذكرات إصلاحية استهدفت تحقيق هدفين أساسيين أولهما: الانطلاق من نفس التصور الملكي لمسألة الاصلاح الدستوري- السياسي وثانيهما محاولة إثبات الذات خصوصا بعد أن انفردت أحزاب الكتلة في البداية بتقديم مطالب إصلاحية لذلك لجأت أحزاب الوفاق إلى توظيف نفس الآلية المتمثلة في  صيغة" مذكرات".
الفرع الأول: الخلفيات الرئيسية لإصدار مذكرات أحزاب الوفاق
   استهدفت الأحزاب المكونة للوفاق من إخراج مذكراتها إلى حيز الوجود قطع الطريق على أحزاب الكتلة للجوء إلى التحكيم الملكي، إذ أشارت مذكرة هذه الأحزاب على أنه "إذا كنا في الأحزاب المكونة للوفاق الوطني نؤمن بالعمل السياسي الهادف في إطار من التوافق والتشاور فإننا لا نوافق؛ بل نعترض على كل الأشكال والمحاولات الداعية إلى العمل خارج الإطار القانوني الجاري به العمل أو بمعزل عن المؤسسات الدستورية القائمة[13] مشيرة في نفس السياق إلى "أننا نعتقد أن على الحكومة وعلى مجلس النواب وعلى الإدارة كل فيما يخصه، إن على هؤلاء جميعا، أن يقوم كل منهم بدوره كاملا غير منقوص؛ كما أن على المؤسسات المكلفة بالرقابة والاستئناف أن تقوم بدورها المنوط بها خير قيام حتى ولو أدى الأمر إلى  المزيد من تقوية وسائل الرقابة وأسباب التقاضي"[14]  
الفرع الثاني: في مضمون المطالب الدستورية-السياسية لأحزاب الوفاق
 ركزت أحزاب الوفاق في مذكراتها المرفوعة للعاهل المغربي الحسن الثاني التركيز على طبيعة تشكيلة الغرفة الثانية، الجهة، ومسألة إعادة تكوين اللوائح الانتخابية.
لقد رأت هذه الأحزاب على أنه "نظرا لاتجاه الإرادة الملكية السامية إلى جعل هذا المجلس* جهازا تمثيليا للجماعات المحلية والهيئات المهنية والاجتماعية فقد بدا لمجموعة الأحزاب المكونة للوفاق الوطني أنه من الأنسب استيحاء النموذج الفرنسي الذي يمكن اعتباره الأكثر قربا من انشغالاتنا واهتماماتنا في هذا المجال[15].
وبخصوص تشكيلة الغرفة الثانية اقترح أصحاب هذه المذكرة أن تشتمل على "ممثلين عن المجالس الجماعية المحلية والجهوية؛ ممثلين عن الغرف المهنية؛ ممثلين عن هيئات المأجورين، ممثلين عن المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج"[16]
ولم تنس أحزاب الوفاق أن توجه خطابا نقديا لأحزاب الكتلة الديمقراطية بقولها "على الرغم من أن لدينا مقترحات واضحة ودقيقة على هذه الموضوعات فإننا نعتقد مخلصين أن التسابق في مجال الإصلاحات الأساسية قد يبعدنا عن البحث عن التوافق المنشود، بل من شأنه -على العكس من ذلك- أن يؤدي بنا إلى الرجوع إلى النظام المعروف أغلبية/أقلية الأمر الذي يبدو أن الجميع متفق على تجنبه في هذه المرحلة السياسية الدقيقة[17].
المطلب الثاني : المطالب الدستورية-السياسية لأحزاب الكتلة الديمقراطية
 في يونيو 1990 سيطلب العاهل المغربي الحسن الثاني من الأحزاب المنحدرة عن الحركة الوطنية تهيئة مقترحات قصد المراجعة الدستورية القادمة[18] فكيف برز تكتل الكتلة الديمقراطية؟ وما مضمون مطالبها الإصلاحية الدستورية والسياسية؟ وهل هناك تطابق في وجهات النظر بين تصور العاهل المغربي وهذا التكتل اتجاه الدستور، وإلى أي مدى استجاب العاهل المغربي لمطالب هذه الأحزاب؟
 الفرع الأول: السياق التاريخي للمطالب الدستورية لأحزاب الكتلة الديمقراطية:  في سنة 1991 برز تكتل سياسي يضم الأحزاب المنحدرة عن الحركة الوطنية لتؤسس" الكتلة الديمقراطية"* تشمل حزب الاتحاد الاشتراكي، حزب الاستقلال، حزب التقدم والاشتراكية، منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ليقدم هذا التكتل "بمذكرتين لاقتراح تعديلات دستورية لا تمس جوهر الحمولة التقليدية التي ظلت الدساتير المغربية تجرها معها ولكنها سعت إلى تفعيل حقلي العمل" التشريعي" و"الحكومي".[19]
لقد تبنت أحزاب الكتلة الديمقراطية إستراتيجية مشتركة- خصوصا بعدما أفرزت الانتخابات التشريعية لسنة 1984 تفوقا عدديا لأحزاب الأغلبية الحكومية- الأمر الذي دفع المعارضة إلى تشكيل "كتلة ديمقراطية" جعلت من الإصلاح الدستوري شعارها الأساسي. بيد أن هناك بونا كبيرا بين مطالب "الكتلة الوطنية" و"الكتلة الديمقراطية" فيما يتعلق بطبيعة المسألة الدستورية في مغرب الأمس واليوم؛ فإذا كانت الكتلة  الوطنية قد طالبت في عقد السبعينات بضرورة خلق "جمعية تأسيسي " منتخبة يعهد لها بوضع دستور للبلاد فإن هذا المطلب اختفى من مذكرات أحزاب الكتلة الديمقراطية التي أمست تطالب بالإصلاح الدستوري- السياسي من داخل المؤسسة الملكية .
الفرع الثاني: مضمون المطالب الدستورية-السياسية لأحزاب الكتلة الديمقراطية:
 تمحورت المطالب الدستورية لأحزاب الكتلة حول ثلاث محاور أساسية:
1- تكريس مبادئ العصرنة داخل المؤسسات الدستورية المغربية.
2- التأكيد على دور الملك كحكم وحاكم.
3- توسيع اختصاصات مجلس النواب من خلال المطالبة بالتنصيب البرلماني للحكومة- المساءلة النيابية  للوزراء- تحديد الأجل لتنفيذ أمر بالقانون- خلق لجن تقصي الحقائق- منع حل البرلمان لدى الإعلان عن حالة الاستثناء….
4- ضرورة خلق مجلس دستوري تناط له مهمة مراقبة دستورية القوانين.
والملاحظ أن هذه المذكرات المقدمة للملك لم تأت كلها بكيفية مشتركة؛ فالمذكرة الأولى بتاريخ 9 أكتوبر 1991 اقتصر التوقيع عليها من قبل حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال دون باقي مكونات الكتلة.
ودون الدخول في خلفيات تحييد باقي الأحزاب السياسية المكونة للكتلة الديمقراطية عن التوقيع على هذه المذكرة؛ فإنها تضمنت جملة من المطالب الدستورية الهامة على مستوى التشريع والرقابة؛ فبخصوص المجال الأول دعا أصحاب هذه المذكرة إلى ضرورة توسيع مجال القانون؛ العمل بنظام الدورات النيابية؛ ضرورة انتخاب جميع أعضاء مجلس النواب عن طريق الاقتراع العام المباشر؛ تقليص مدة الولاية التشريعية إلى خمس سنوات…
 أما على مستوى الرقابة فقد نصت على جملة من الإصلاحات من أبرزها ضرورة تمكين مجلس النواب من تشكيل لجن تقصي الحقائق ولجن المراقبة؛ منح البرلمان إمكانية استجواب الوزير الأول؛ ضرورة ضبط مسطرة الأسئلة الشفهية والكتابية؛ تمكين عشر الأعضاء من اللجوء إلى الغرفة الدستورية مع ضمان في تشكيلة لجان المراقبة المطالبة  بتخفيض النصاب القانوني لإيداع ملتمس الرقابة.
 وفيما يخص الجهاز التنفيذي طالب أصحاب هذه المذكرة بضرورة عرض الوزير الأول البرنامج الحكومي على أنظار مجلس النواب قصد التصويت وحصوله على الأغلبية المطلقة  الذين يتألفون منهم المجلس مع الحرص على إقرار المسؤولية التضامنية لأعضاء الحكومة وكذا تنظيم اجتماعات المجلس الوزاري بتفويض من جلالة الملك.
وفيما يخص باقي المؤسسات الدستورية طالبت نفس المذكرة بضرورة خلق مؤسسات دستورية جديدة كالمجلس الدستوري؛ إذ طالبت بتعويض الغرفة الدستورية ب"مجلس دستوري قائم بذاته مع ضرورة توسيع اختصاصاته لتشمل القوانين التنظيمية والعادية على حد سواء"
والى جانب المجلس الدستوري نصت المذكرة على حضور مؤسسة "الوسيط" التي أنيطت لها مهمة حماية حقوق الإنسان ضد تعسفات السلطة الإدارية؛ كما نصت نفس المذكرة على ضرورة إحداث مجموعة من المؤسسات الدستورية المساعدة لتنظيم الحوار واقتراح الحـلول والتدابير اتجاه القضايا الكبرى التي تواجه البلاد .
 وستتوالى تقديم المذكرات من قبل الكتلة الديمقراطية؛ ففي 8 يوليوز 1992 سترفع مذكرة أخرى إلى العاهل المغربي تطالب من خلالها بـ"الإصلاح الدستوري في الاتجاه الذي يضمن ترسيخ سلطة المؤسسات وتعزيز سيادة القانون وتحديث أجهزة الدولة وضبط العلاقات بين السلطات على أساس من التوازن البناء والفصل الإيجابي وتحديد مسؤولية كل سلطة مع ضمان استقلالية القضاء بصفة فعلية عن السلطة التنفيذية والتشريعية  وتحقيق إصلاح شامل للنظام القضائي.[20]
وفي 24 يونيو 1992 التقى جلالة الملك بالديوان الملكي مع قادة الكتلة السادة : محمد بوسته الأمين العام لحزب الاستقلال؛ عبد الرحمان اليوسفي الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي؛ عبد الله إبراهيم الأمين العام للاتحاد الوطني للقوات الشعبية؛ علي يعته الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية؛ محمد بنسعيد أيت يدر الأمين العام لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي"[21].
وفي اليوم الموالي عقد نفس الزعماء بمسرح محمد الخامس بالرباط مهرجانا خطابيا اختاروا له شعار :"الديمقراطية طريق وحيد للأجيال الصاعدة  لبناء المستقبل" عبر فيه الأمين العام لحزب الاستقلال امحمد بوسته عن أنه "لا يمكن أن تفرض الخيارات على شعبنا؛ بل يجب أن يقرها بنفسه" بينما أكد محمد بن سعيد على "أن الكتلة الديمقراطية استمرار لكفاح الشعب وبعث جديد للروح الوطنية" أما علي يعته فقد اعتبر بأنه" لا يمكن للمغرب أن يلاحق ركب الحضارة الإنسانية بتزوير إرادة الشعب وبتهميش الجماهير، فيما ذهب عبد الرحمان اليوسفي  إلى القول بأنه "لا خلاص إلا بتغيير حقيقي عن طريق دمقرطة الدولة".[22].
لقد رأت المعارضة أن في إصلاح مدونة الانتخابات بوابة حقيقية لتدشين المسلسل الديمقراطي، لذلك سعت إلى وضع مقترح قانون ينظم الانتخابات لمجلس النواب تطالب من خلاله بتغيير طريقة انتخاب هذا المجلس مؤكدة في هذا الصدد على انتخاب كافة أعضــاء مجلس النواب وفق الاقتراع باللائحة عوض الاقتراع الفردي، مثلما طالبت هذه المذكرة بتخفيض سن الناخب إلى 18 سنة وسن المرشح إلى 21 سنة؛ كما نصت على ضرورة خلق هيئة وطنية مستقلة تشرف على سير العمليات الانتخابية.
 الملاحظ أن تكتيك المذكرات تحول إلى آلية قوية للتواصل بين القصر وهذه الأحزاب قصد تدشين مسلسل الانتقال الديمقراطي والشروع في إنهاء مسلسل الحذر المتبادل بين الطرفين بالرغم من إدراك الملك لذلك" الطموح الذي يحرك الزعماء الوطنيين، لذلك فهو حريص كل الحرص على أن تراعى الضوابط التي يتم بموجبها التواصل بينه وبين الأحزاب السياسية، ففي كل مرة يحصل ما تعتبره المؤسسة الملكية إخلالا بقوانين التواصل وخروجا عن ضوابط "القعيدة" يبادر الملك شخصيا إلى إرجاع الأمور إلى نصابها مستعملا عبارات صارمة لا تدع مجالا لأي تأويل.
 وقد جاء خطاب عيد الشباب الذي ألقاه العاهل المغربي في 8 يوليوز 1992 كنموذج لموقف للملك مما قدمته هذه الأحزاب من اقتراحات، إذ شدد على أن هذه الطريقة في العمل ليست ملزمة في كل الأمور المتعلقة  بالحكم: "بعد أن أخذنا نحن تلقائيا من الأحزاب السياسية أن تعطينا وجهات نظرها وتغنينا باقتراحاتها فيما يخص تعديل الدستور فهناك من الأحزاب من أجابنا كتابة، وهناك من أجابنا خطابا؛ ولم تكن استشاراتنا محصورة  في حزب دون حزب، أو هيئة دون هيئة"[23]
المطلب الثالث: مدى استجابة المؤسسة الملكية لمطالب أحزاب الكتلة
 استجابت المؤسسة الملكية بشكل كبير للمطالب الدستورية لأحزاب الكتلة الديمقراطية؛ فعلى المستوى المؤسساتي تم خلق المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان والمجلس الدستوري ورفع الجهة إلى مستوى مؤسسة دستورية. أما على مستوى الإجراءات التدبيرية فقد شهد مغرب التسعينات طفرة نوعية في مجال حقوق الإنسان تميزت بسيادة هامش كبير من حرية الرأي والتعبير. مما مكن من تحقيق تقارب فعلي بين الملكية وأحزاب الكتلة ترجم بالشروع في تدشين مسلسل التناوب التوافقي.
وإدراكا من أحزاب الكتلة بصعوبة تمرير مقترح قانون تعديل مدونة الانتخابات أمام لجنة العدل والتشريع بادرت المعارضة إلى نهج سياسة المذكرات المقدمة إلى جلالة الملك؛ غير أن الحكومة ستتمكن من تمرير مشروع قانون الانتخابات بواسطة أغلبيتها البرلمانية مما سـيدفع بأحزاب المعارضة إلى طلب تحكيم ملكي في الموضوع استجاب له جلالة الملك عبر خطاب 29 أبريل 1992 مشيرا إلى أن أسباب هذا التحكيم يعود إلى "عملية تدارس القانون الانتخابي والنظر والبت فيه ليست عملية روتينية أو تصويتا روتينيا بحيث يكتفي فيه بأخذ رأي الأغلبية دون الأقلية نظرا لما يكتسيه هذا القانون وما يترتب عليه من تبعات جسام"[24] مؤكدا في هذا الصدد على أن هذا التحكيم ذو طابع سياسي وليس دستوري يجد مشروعيته في إطار البيعة وحق رعاية الملك لجميع رعاياه؛ إذ أشار جلالته في نفس الخطاب "كلنا مغاربة وكلنا أب أسرة وكل من جهته مكلف من طرف الشعب المغربي النائب من طرف منتخبيه والأحزاب من طرف المنتمين إليها وملك المغرب من قبل كافة أفراد الشعب المغربي"[25]، لذلك بادر العاهل المغربي إلى خلق لجنتين مكلفتين بالانتخابات.
1- لجنة التحكيم: أنيطت بها مهمة النظر في القوانين الانتخابية بهدف الوصول إلى نوع من التراضي ثم تعرض نصوصها على البرلمان لينتهي دورها وقد شكلت هذه اللجنة من  ممثل لوزارة الداخلية وممثل عن حزب سياسي كان متواجد بالبرلمان؛ وقد تم تعيين السيد محمد ميكو القاضي والأمين العام عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان على رأس هذه اللجنة يساعده في ذلك السيد الشدادي بالمجلس الأعلى؛ وكان يرأس هذه اللجنة حسب الحالات الملك شخصيا أو مستشاره اكديرة.
2- لجنة وطنية لمتابعة سير العمليات الانتخابية: تشرف على لجان إقليمية يرأسها قاضي وتتكون من عامل الإقليم أو العمالة ممثلة من كل حزب من الأحزاب المشار إليها أعلاه. لقد قاد اقتناع جميع الفاعلين السياسيين بجعل الإصلاح الدستوري- السياسي مدخلا أساسيا لخلق انتقال ديمقراطي مغربي هادئ وهادف وفقا للثوابت الوطنية من خلقتوافق سياسي بين المؤسسة الملكية والأحزاب المغربية ترجم من خلال المقتضيات الجديدة والمجددة التي جاءت بهما المراجعتان الدستوريتان لسنتي 1992 و1996 اللتين استجابتا لجل المطالب الدستورية التي طالبت بها الأحزاب السياسية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق