الجمعة، 14 فبراير 2014

أنواع الحوار بين الأديان وأحكامها



أنواع الحوار بين الأديان وأحكامها

"الحوار بين الأديان" اسم عام يطلق على كل مخاطبة ومحاورة تتم بين طرفين أو أكثر من أهل الأديان والمؤمنين بها. فكلمة "حوار" كلمة عامة تشمل كل ما يقع عليه معنى التجاوب والتراجع والتخاطب. ولا شك أن مطلق الكلام لا يصح الحكم عليه دون معرفة خصائصه المميزة.
والحوار من المصطلحات المجملة التي تحمل معنى حقاً ومعنى باطلاً فلا يصح الحكم عليه وهو بهذه الحالة من الإجمال والإبهام؛ بل لابد من الاستفصال عن المعنى المراد بدقة ثم النظر بعد ذلك في حكمه في ضوء النص الشرعي. ومن خلال التتبع لأحوال الحوارات المتعددة بين الأديان تبيّن أنها على أنواع مختلفة، ولكل نوعٍ خصائصه المحدَّدة له والمميزة له عن غيره، مع أن جميع الأنواع يصح إطلاق اسم "الحوار بين الأديان" عليها. وعليه، فلابد من توضيح نوع الحوارات المجملة والاستفصال عنها ومعرفة أهدافها وخصائصها قبل الخوض فيها أو الحكم عليها. وبناء على ذلك فسأذكر كل نوعٍ على حدة، وأذكر الخصائص المميزة له باختصار ثم أُبين الحكم الشرعي على كل نوعٍ على حدة.

أولاً : حوار الدعوة :

والمقصود به في المفهوم الإسلامي: الحوار مع أتباع الأديان الأخرى لبيان صحة هذا الدين، وانه ناسخ لكل الأديان السابقة، وإيضاح صحة نبوة محمد r. ومحاسن الإسلام العظيمة، وبيان ما هم عليه من الباطل المنحرف. وهذا الحوار مطلوب شرعا. تدل عليه كل الآيات والأحاديث الدالة على فضيلة الدعوة إلى الله وبيان الحق ورد الباطل.

وهذا النوع تقدم الكلام فيه في المبحث الأول، وهو موجود تمارسه جمعيات ومراكز. وجهات متعددة، وأفراد كثيرون لا يسمى في الاصطلاح باسم الحوار بين الأديان، فهو داخل في عموم اللفظ العام دون مدلوله الاصطلاحي الخاص وشعاره المعروف.
أما الحوار التبشيري عند النصارى الذي تمارسه الكنيسة الكاثوليكية، ومجلس الكنائس العالمي وغيرها فهو اتخاذ الحوار وسيلة للتنصير، وذريعة لتشكيك المسلمين في دينهم ونبيهم، وطريقاً مخادعاً لأخذ الشهادة والإقرار و الموفقة بصحة دينهم وانه دين معتبر حتى بعد دخول التحريف فيه..([1])

ثانياً: حوار التعايش وحكمه :

تعريفه:

المقصود بحوار التعايش هو: الحوار الذي "يهدف إلى تحسين مستوى العلاقة بين شعوب أو طوائف، وربما تكون أقليات دينيّة، ويُعنى بالقضايا المجتمعيّة كالإنماء، والاقتصاد، والسلام، وأوضاع المهجّرين، واللاجئين ونحو ذلك، ومن أمثلة هذا اللون من الحوار: (الحوار العربي الأوروبي)، و (حوار الشمال والجنوب)" ([2]). وقد يسمي البعض هذا النوع (التسامح). وهذا التعريف هو لمعنى التعايش بالمفهوم العام الذي يؤخذ من دلالة الكلمة دون ارتباطات بالمفاهيم اللاحقة.
وهذا المفهوم العام لا يزيد على حسن المعاملة، والعيش بصورة ملائمة بين كافة المجتمعات مع الاختلاف الديني والفكري والثقافي.
والتعايش بهذا المعنى بين اتباع الأديان المختلفة لا يرفضه الإسلام، ويدل عليه معنى البر والإحسان والقسط الوارد في مثل قوله تعالى :(( َا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ))(الممتحنة: 8).
ولهذا المفهوم ثلاثة ضوابط:
أولاً: مراعاة الولاء والبراء، فلا تلازم بين الإحسان والعيش الكريم والتسامح في المعاملة وبين الموالاة للكفار. أو ترك البراءة منهم، فالولاء والبراءة أصل شرعي دلت عليه نصوص شرعية كثيرة.([3])
ثانياً: إقامة العدل، و الإنصاف مع كل الناس، فالعدل أساس عظيم في نماء المجتمعات واستقرارها.
ثالثاً: التزام الحكمة في المعاملة، وهي وضع الأمر في موضعه ومقامه الصحيح ألائق به. الموافق للمنهج الرباني. ولطبيعة النفس الإنسانية.
لكن هذه الكلمة (التعايش والتسامح) أخذت بعداً آخر غير المفهوم العام السابق وذلك عندما رفعه العالم الغربي كشعار مع العرب والمسلمين بعد حرب 6 أكتوبر (1 رمضان عام 1973م) وما تلاها من المقاطعة العربية في 17 أكتوبر بقرار من وزراء النفط العرب في الكويت الذي يقضي بفرض الحصار النفطي على أميركا وتخفيض مستوى الضخ حتى يتحقق الجلاء عن الأراضي العربية وتؤمن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
فرفع الغرب هذا الشعار لتهدئة الوضع ووقف القتال وتخفيف حدة الضغوط العربية إلى حين ترتيب أوراقه وإعادة تنظيم أهدافه الإستراتيجية وقد تم ذلك وأصبح واضحاً للعيان أن حوار التعايش والتسامح ما هو إلا شعار لأهداف سياسية بحتة لا سيما بعد السيطرة الأمريكية على الخليج ومنافذ البلاد العربية والإسلامية بعد أزمة الخليج الثانية، وأصبح الأمر أشد وضوحاً بعد الاجتياح الإسرائيلي الأخير للضفة الغربية، وعندما طرح خيار الضغط بمنع النفط عن أميركا ولو لوقت محدد لم توافق عليه الدول العربية النفطية، لا لكونه يلحق الضرر بمصالحها بل لكونها غير قادرة عليه لضعف سيادتها أو زوالها عن النفط على أقل تقدير.
وعندما وقعت أحداث 11 سبتمبر وهاجت أمريكا ورفعت شعار (الحرب على الإرهاب) عاد العرب و المسلمين لرفع شعار التعايش والتسامح بنفس المفهوم الغربي السابق الذي رفع إبان حرب 6 أكتوبر وتداعياتها.
لقد أصبحت فكرة (التعايش والتسامح) دعوة فكرية تحمل في طياتها مضامين فكرية وثقافية وحضارية واجتماعية. وقد تبنى هذه الفكرة ونظر لها من الطرف الإسلامي  "المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" (ايسسكو)حيث أصدرت كتابا بعنوان "مفهوم التعايش في الإسلام" تأليف د. عباس الجراري. والتعايش والتسامح بهذا المفهوم عرفه (اليونسكو) في بيان له بأنه "احترام الآخرين وحرياتهم والاعتراف بالاختلافات بين الأفراد والقبول بها... وهو تقدير التنوع الثقافي وهو الانفتاح على الأفكار والفلسفات الأخرى بدافع الإطلاع وعدم رفض ما هو غير معروف". وسيأتي مزيد توضيح لمفهومه إن شاء الله.

خصائصه:
سبق في التعريف أن التعايش له مفهومين متغايرات، أحدهما مأخوذ من المفهوم العام للكلمة والآخر مأخوذ من شعار خاص رفع في فترة من الفترات لأهداف سياسية ثم تطور إلى أن أصبح فكراً منظماً تقوم على تصديره بعض المؤسسات الكبرى (اليونسكو - والايسسكو) ثم عاد ليصبح شعاراً سياسياً للتخفيف من هيجان العالم الغربي بسبب أحداث 11سبتمبر بنفس المضامين الفكرية. وبناءً على هذا فلابد من تمييز خصائص النوع الأول عن النوع الثاني ثم بيان الحكم في كل واحدة على حدة. فخصائص (حوار التعايش)بالمفهوم الأول المميز له عن غيره هو:
1)    أنه حوار لا علاقة له بالدين.
2)    أنه يقتصر على الحوار فيما يتعلق بالمعيشة البحتة بين أهل الأديان التي تفرضها طبيعة الحياة البشرية وحاجاتها الفطرية.
3)    أنه لا يتضمن محبةً أو ولاءً أو اعترافاً بصحة دين الآخر أو تزكيةً له أو مدحاً بل هو قاصر على الأمور الدنيويّة وفي حدود الحاجة.
4)  أن لا يتضمن شيئاً من التنازل عن أمر من أمور الدين بحجة الترغيب لهم في الدخول في الإسلام أو أعطاء صورة حسنة عن الإسلام أو بأي تعليل آخر.

حكمه :
هذا  النوع من الحوار - إذا لم يصاحبه ما يعكِّر على خصائصه السابقة أو يزيد فيها - فهو جائز لا إشكال فيه، وهو خاضع للسياسة الشرعية العملية التي يقدرها أهل الحل والعقد من أهل الخبرة والعلم والدين. وقد تفاوض رسول الله مع اليهود وعاهدهم، وصالح المشركين في الحديبية، وكذلك الصحابة الكرام تفاوضوا مع أهل الأديان المختلفة فيما يخص دنياهم ومعاشهم، ولا يزال هذا الأمر موضع اتفاق. وقد "زخر الفقه الإسلامي المؤسس على الكتاب والسنة بتراث ضخم في مجال العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين"([4]).

خصائص التعايش بالمفهوم المعاصر ([5]):
لقد أعطي مصطلح (التعايش) بعداً آخر غير ما مضى من التوصيف وأخذ مفهوم التعايش بعداً فكرياً جديداً وهو بهذا المعنى يندرج تحت التقارب الذي سيأتي الكلام عليه.
وحوار التعايش يكون في العادة بين الدول التي تمارس الحياة العملية بحكم الاتصال المادي بينها ولا مجال له بين الأديان إلا من هذه الزاوية وإنما ذكرناه في موضوع الحوار بين الأديان لأنه يدخل في العنوان العام بسبب عمومية لفظة (الحوار) ولأن البعض يخلط بينه وبين حوار التقارب.
ثم إن حوار التعايش أخذ مدلولاً آخر غير ما سبق ذكره في الخصائص العامة ليكون بذلك فكراً جديداً له خصائصه الفكرية المختلفة عن ما سبق ذكره. ويمكن تلخيص تلك الخصائص في النقاط التالية :
1)  القول بحرية التدين وإنكار حد الردة في الإسلام باعتباره معارضاً لحرية اختيار الإنسان للدين الذي يقتنع به، وجعل القاسم المشترك بين كل الأديان البيان العالمي لحقوق الإنسان.
2)    منع كل ألوان الاعتداء على الآخر وإنكار الحرب باسم الدين وتفسير الجهاد في الإسلام بأنه للدفاع عن النفس وإنكار جهاد الطلب.
3)    منع الكراهة الدينية و الدعوة للإخاء الإنساني.
4)  المطالبة بالحرية الدينية للأقليات غير المسلمة في البلاد الإسلامية والتعامل معهم على أساس الوحدة الوطنية وليس على أساس المعتقد الديني، واقتراح الغرب الحل العلماني كأفضل حل لمشكلة الأقليات وان كان هذا لا يراه كل من يرى الحوار بهذا المفهوم.
5)  الإقرار بالأديان السماوية جميعاً وتفسير هيمنة الإسلام عليها بأنه (مراقب) عليها فهو يرصد ما تتعرض له الديانات من انحراف عن الحق.
6)    الاجتماع على تقوية الصلة بالله في النفوس، خاصة بعد طغيان المادية وتفشي قيمها المسيطرة على الشباب في العالم.
7)  البعد عن العنف والإرهاب والتطرف الديني والتكفير والتدخل في خصوصيات الآخر الدينية وأن كل هذا مناف للاحترام الديني الذي يجب أن يكون بديلاً عن كل القيم السابقة. ([6])

حكمه:
من خلال الخصائص السابقة يتبين لنا أن التعايش تحول من تعايش مادي عن طريق المفاوضات بين الدول إلى تقارب ديني وحضاري بين الدول والشعوب. والخصائص السابقة تتضمن إنكار أمور معلومة في دين الإسلام وواضحة فيه، مثل: قضية إنكار الجهاد، والولاء والبراء، وحكم المرتد، والسماح للكافر بنشر كفره في المجتمعات الإسلامية باسم حقوق الأقليات، وكل هذا يعتبر إنكاره كفرٌ مخرج من الملة لأنه تكذيب للنصوص الشرعية الدالة عليه. أما من تأوَّل بعض النصوص للوصول إلى قوله هذا فهو بحسب طريقته في التأول إن كانت شبهة وإشكالاً لها مسوِّغ في اللغة فهو ينفي عنه التكفير، ويصبح مثل عامة المبتدعة، الذين تأولوا وصاروا إلى مقالات مناقضة لصريح الكتاب والسنة ولم يكفرهم العلماء بذلك. أما إن كان تأولاً بعيداً لا شبهة له في اللغة أو قول لبعض العلماء فهذا لا حجة في تأوله وغير معذور فيه. و بالجملة فهذا النوع من الحوار يعود إلى حوار التقارب الآتي ذكره.



([1]) انظر : الحوار مع أهل الكتاب- خالد القاسم- ص/112-117.
([2]) دعوة التقريب بين الأديان 1 / 348.
([3]) انظر الولاء و البراء- د/ محمد سعيد القحطاني - كاملاً
([4]) دعوة التقريب بين الأديان 1 / 348
([5]) انظر في هذا النوع:التعايش السلمي — هيوكتسكل - , دراسات في التسامح — ناجي البكري وآخرون - , تسامح الغرب مع المسلمين في العصر الحاضر — عبد اللطيف الحسين -, مفهوم التعايش في الإسلام — عباس الجراري- , المسلمون والأوربيون ( نحو أسلوب أفضل للتعايش ) — الخزندار-.
([6]) هذه الخصائص ملخصة من الكتب المشار إليها في الحاشية السابقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق