الأحد، 23 فبراير 2014

الطفل واللغة واكتساب الطفل للغة



الطفل واللغة :
       إن النمو اللغوي يسبق النمو القرائي، فالطفل يستطيع أن يصغي إلى اللغة التي يتكلم ب ها من يحيطون به، ويكوّن فكرة عما يقصدونه، وذلك تبعاً للمواقف التي يستمع بها إلى كلمات معينة، سواء قام أحد بتعليمه أم لم يقم، فكما هو معروف تسبق مرحلة الفهم مرحلة الكلام عند الطفل، والكلام مهارة من مهارات اللغة الأساسية يستعمل فيها الإنسان الكلمات للتعبير عن أفكاره، فهو مزيج من التفكير والإدراك والنشاط الحركي. والاستعداد للكلام فطري، أما اللغة فهي مكتسبة، وهي ملكة اختص بها الإنسان وحده دون سائر المخلوقات، إنها أهم وسائل الاتصال الاجتماعي والعقلي، ومظهر من مظاهر النمو العقلي (زهران، 1990).
        ولا شك أن رياض الأطفال تعمل جاهدة على تحقيق الاتصال بهذا الطفل فيما بين الرابعة والسادسة من عالمه المحيط به، من خلال الأنشطة الحركية واللعب المتنوع وعن طريق اللغة المحببة إليه وإلى وجدانه. كما أن لها وظيفة جمالية، فالطفل يستمتع بأصوات الكلمات، ويسر من النغمات المصاحبة لاستعماله اللغة، كنشيدة من الأناشيد أو تمثيلية فيها جمل وعبارات يقوم الطفل بتردادها استمتاعاً بها، وصوت المعلمة في حنانه يجذب الطفل، فجمال اللغة بالنسبة للطفل يتجلى في أثناء قراءة المعلمة أمامه ومن أجله قصة، وتقوم المعلمة هنا بدور مهم، ألا وهو ربط الطفل باللغة المسموعة مما يجعله ميالا إليها ومحبا لها، كما أن للغة وظيفة نفسية، فإذا استخدمت اللغة مع الطفل على أنها أداة للتعبير عما يدور في النفس. كان معنى هذا زيادة حصيلته اللغوية التي تمكنه من الانطلاق والحرية في تعبيره، وفي هذا إشباع للطفل، وشعور بالأمن والطمأنينة. كذلك تستخدم اللغة في ضبط مشاعر الأطفال (القضاه والترتوري، 2006؛ كرم الدين، 1993).

النظرية المفسرة لاكتساب الطفل اللغة :
        إن بعض علماء اللغة يقولون بأن اللغة يتم تعلمها بنفس الطريقة التي نتعلم بها أنواع السلوك الأخرى، وبوجه خاص من خلال التقليد والتعزيز، ويرى بعض علماء النفس الآخرين أن الأفراد يولدون ولديهم آليات لاكتساب اللغة تجعلهم يشقون أبنية قواعدية مختلفة من كلام الكبار. وهذا البناء الموروث يزودنا بالقدرة على فهم وإنتاج جمل لم يتم سماعها من قبل. وتتمثل النظرة الأولى بالمدرسة السلوكية والاجتماعية وروادها سكنر، باندروا. أما النظرة الثانية فتتمثل بالنظرية الفطرية، ومن روادها تشومسكي (Chomsky) (عدس وتوق، 1998).
        أما المدرسة المعرفية فإن روادها قد اهتموا بالنمو المعرفي كأساس لجوانب النمو المختلفة الأخرى، ويعتبرون مراحل النمو حلقات تقوم على عدم الاستمرارية، فلكل مرحلة خصائصها وطبيعتها. وتعتبر نظرية بياجية هي الأساس الذي تقوم عليه النظرية المعرفية النمائية، فالنمو المعرفي يقع في مراحل متباينة كماً وكيفاً، وهذه المراحل ترتبط باستعدادات الطفل المتمثلة في العمر الزمني. وطبقاً لبياجية، فإن كلمات الأطفال الأولى هي كلمات تتمركز حول الذات، وتسمى هذه المرحلة بمرحلة ما قبل العمليات، ويتأثر الانتقال من الكلام المتمركز حول الذات، إلى الكلام الجماعي بعاملين: هما الغاء المركزية، والتفاعل مع الأقران، والتفاعل مع البيئة الطبيعية والاجتماعية هام جداً من وجهة نظر بياجية لكل من التنمية العقلية واللغوية (Korch, 1994).
        وهناك أربعة عوامل تؤثر في النمو المعرفي عند بياجيه، وهي:
1- الخبرات الطبيعية بالأدوات والأشياء.
2- الخبرات الاجتماعية مع الآخرين (والتي تساعد الطفل للخروج التدريجي من التمركز حول الذات).
3- النضج أو النمو العصبي (وهو الذي يجعل الانتقال سهلا من مرحلة إلى أخرى).
4- التوازن (وهو التوفيق بين عمليتي التمثل والمواءمة والتوفيق بين العوامل الثلاثة السابقة) (بدير، 2000).
        وفي ضوء العوامل السابقة، نجد أن للطفل دور فعال في تعلم اللغة، فهو يتعلم المفردات اللغوية والقواعد اللغوية، كي يعبر عن تعلمه نتيجة الاستكشاف النشط الفعال للبيئة، والخبرات المباشرة وغير المباشرة التي يشاهدها الطفل في حياته اليومية، وفي علاقاته مع الآخرين، تجعله يلجأ إلى بعض الإنجازات اللغوية التي تمكنه من التعبير عن هذه الخبرات وعن تفاعله معها.
        أما بالنسبة للنظرية الاجتماعية المعرفية ومن روادها فيجوتسكي (Vigotsky)، فلقد أشار إلى العوامل المعرفية والنضج لا تؤثر فقط في اكتساب اللغة؛ ولكن عملية اكتساب اللغة ذاتها يمكن أن تؤثر بدورها في تنمية المهارة المعرفية والاجتماعية، فاللغة بالنسبة له تتحدد من خلال البيئة الاجتماعية واللغوية التي ولد فيها الطفل والنماذج اللغوية المتاحة له (Reutzel, 1992).
من خلال العرض السابق لنظريات اكتساب اللغة، نجد أن هناك اتفاقاً حول أهمية هذه المرحلة العمرية، منذ بداية استعداد الطفل الفطري لاكتساب اللغة حتى إعداد البيئة الاجتماعية والثقافة المحيطة بالطفل، وذلك من خلال النماذج اللغوية المختلفة والتي يتعامل معها الطفل، وكذلك الاهتمام بإعداد بيئة تعليمية غنية بالمواقف والخبرات الطبيعية والاجتماعية، وإتاحة الفرصة للحوار والمناقشة والتعرض للرموز اللغوية ومدلولاتها في ضوء المراحل النمائية لطفل ما قبل المدرسة. وطفل ما قبل المدرسة بحاجة إلى نظرية شاملة تسلم بوجود الاستعداد الفطري لدى الطفل مع وجود العوامل الأخرى المحيطة بالطفل من عوامل بيئية، وعوامل اجتماعية وثقافية وعامل النضج، للوصول إلى أفضل الأساليب لتعلم اللغة واكتسابها.


اللغة والتفكير:
        يتفق معظم الناس على أن اللغة والتفكير هما مركز الأنشطة الإنسانية، وهما عنصر أساسي في المعرفة الإنسانية، فالتفكير يوجه نشاطنا في العالم، واللغة توجه تواصلنا مع الآخرين. وقد دارت مناقشات كثيرة حول طبيعة العلاقة بين اللغة والتفكير، فيعتقد بعض السلوكيون أنهما نفس الشيء. بينما يعتقد تشومسكي (Chomsky) والتابعين له بأن اللغة والتفكير شيئين مختلفين. فالتفكير يتحدد باللغة. في حين يعتقد بياجيه (Piaget) أن اللغة هي التي تتحدد بالتفكير. ويشير البع ض إلى أن للغة والتفكير قدرات واضحة مستقلة، في حين يرى البعض الآخر أن اللغة والتفكير أساس واحد لنظام تكاملي، ويرى آخرون بأنهما أنظمة تبادلية (Stevenson, 1993, P. 1-
        ويقدم لنا باندورا (Bandura) شرحاً لكيفية العمل ببعض من وجهات النظر هذه مع صغار الأطفال، حيث يذكر في حديثه عن النمو اللغوي أن العديد من أشكال التفكير الإنسانية ترتكز على اللغة، فبعد أن يتمكن الأطفال من تعلم أسماء الأشياء، وكيفية تعبيرهم عن العلاقات بين المفاهيم باستخدام الكلمات، فإن اللغة يمكن أن تؤثر في كيفية إحراز الأطفال للمعلومات وكيفية تركيبهم للأحداث، وعلى ذلك فاللغة لم تعد فقط وسيلة اتصال وإنما أصبحت وسيلة لتشكيل نمط التفكير. إن القواعد التي تتحكم في العلاقات بين الألفاظ والكلمات قد تم تعلمها من خلال المحادثات، بحيث تعرض أحداثاً ملموسة ذات أهمية عالية لدى الأطفال. وبينما هم يتحكمون في كفاءتهم اللغوية، فإن اللغة تصبح أكثر تجريداً وغير معتمدة على ظهور الأحداث الواقعية، وهذا في حد ذاته يؤكد على قوة اللغة باعتبارها أداة للتفكير (Walker. 2001. p. 14).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق