الجمعة، 21 فبراير 2014

دور المصارف التجارية في تنمية المجتمع



: دور المصارف التجارية في التنمية
يمكن تصنيف البلدان الإسلامية كافة ضمن خانة البلدان النامية مع الأخذ بالاعتبار تفاوت هذه البلدان في مراحل نموها. فمنذ قيام الثورة الصناعية في غرب أوربا بدأت الفجوة تتسع بين الدول الصناعية والدول النامية وهذه الأخيرة اشتركت في المصاعب ذاتها والتي وضعتها في هوة بعيدة عن الدول المتقدمة وأصبحت كمظاهر تخلف تعيقها عن النمو والتقدم والتطور، ويمكن إجمال تلك المظاهر أو الخصائص  بالآتي :
1.     تدني مستوى الدخل الحقيقي وضآلة حصة الفرد من رأس المال ، مما ينجم عنه من نقص في الادخار وضيق السوق المحلية.
2.     استحواذ النشاط الزراعي على الفعاليات الاقتصادية مع تخلف يسود أساليب الإنتاج الزراعي في ظل زيادة بنسبة السكان ، والتي تحتاج في الوقت ذاته إلى زيادة في كمية السلع الاستهلاكية ، وكذلك شيوعُ العلاقات الزراعية ونظم الملكية التي تضعف من إمكانية استغلال الأراضي الزراعية وإصلاحها ، مما يعود بالضرر على الإنتاج الزراعي الذي يغطي متطلبات السوق الاستهلاكية .
3.     هيمنة سلعة واحدة على الإنتاج المحلي وعلى الصادرات ، وغالبا ما تكون هذه السلعة من الخامات أو المنتجات الزراعية ، مما يعرض موارد البلد المالية للتذبذب جراء التقلب في أسعار هذه السلعة في السوق العالمية.
4.     ازدواجية الاقتصاد إذ يتعايش قطاع متقدم في دائرة التكامل مع السوق العالمية )غالباً ما يكون استخراجياً( بينما نرى وضع القطاعات الأخرى خاملاً وتقليدياً.
5.     تَركُّز السلطة السياسية بيد فئة محددة وضيق قاعدة القرار مع غياب الاستقرار السياسي ، وفقدان الطاقات الغنية بتصدير الأرباح إلى المستثمرين الأجانب .
6.     ضعف الهياكل والتنظيمات المؤسسية ونقص الخبرات والكوادر الإدارية والفنية المؤهلة لقيادة النشاط الاقتصادي.
7.     ارتفاع معدلات الزيادة السكانية مع وجود ركود اقتصادي بنفس الوقت ، يقود إلى خلق فراغ كبيرة بين التزايد السكاني السريع والنمو البطيء في الموارد المتاحة لإشباع رغبات واحتياجات هؤلاء السكان . وبالإضافة إلى تدني مستوى استغلال هذه الموارد الطبيعية المتاحة وعدم كفاية رأس المال التقني لها ونقص القيمة المضافة بشكل عام.
8.     شيوع الأنماط السلوكية القائمة على المحاكات والاستهلاك المظهري مما يقضي على الفوائض الاحتمالية ويكرس فجوة الموارد ونقص الادخار ومن ثم نقص التجهيز الرأسمالي.
9.     ارتفاع نسبة المديونية الخارجية بسبب الاعتماد الكبير على رؤوس الأموال الأجنبية ، وكذلك نقص الموارد الوطنية يخلق تفاقم العجز في موازين المدفوعات .
10. تماثل الهياكل الإنتاجية في الدول النامية بشكل عام يؤدي إلى انعدام العلاقات المتبادلة بينها ، ويفقدها فرص التبادل التجاري مع بعضها ويضطرها للتكامل مع اقتصاديات الدول المتقدمة صناعياً في ظل تدهور شروط التبادل التجاري .
11. الاعتماد على التكنولوجيا الأجنبية كمصدر لتحسين النمو الاقتصادي ، مع بقاء حالة ركود القوى المنتجة الفاعلة ، مما يُحدث فاصلاً زمنياً بعيداً بين تطور وتقدم الدول الصناعية وبين الدول النامية .
12. الاختلال بين الصادرات والواردات بسبب تدني مستوى الناتج المحلي ، حتى إنه غير قادر على إكمال العرض المحلي ، مما يدفع به إلى الاستيراد بنحو متزايد
13. كثرة التناحر الفئوي والعرقي والسياسي الذي يقود إلى حركات انفصال أو حروب أهلية أو صدامات مسلحة دامية ، يتسبب في تفشي الأمية وتدني مستوى التعليم وانتشار البطالة ونقص في الاستخدام الأمثل للموارد وضعف مستمر في مردود العمل ، وارتفاع معدلات الوفيات وانخفاض العمر المتوقع عند الولادة وانتشار الفقر والمرض ، وبالنتيجة عرقلة كل الجهود التنموية.
14. تبعية اقتصاديات الدول النامية لاقتصاديات الدول المتقدمة ، مما يؤدي إلى سيطرة خارجية على مقدرات أمم وشعوب تلك الدول .
  وتم طرح رؤى تنموية للتخلص من التخلف الذي تمثله هذه السمات واختلفت هذه الرؤى من عالم إلى آخر إلا أن الدور الذي يلعبه القطاع المصرفي في عملية التنمية كان القاسم المشترك بينهم ، إذ أكد )روزنشتاين _ رودان( على الدفعة القوية لتجاوز عتبة الانطلاق أي أن اقتصاد الدول النامية يحتاج إلى الكثير من الاستثمارات كي يصل إلى مرحلة النمو الذاتي وتوليد حركية داخلية في ظل ظروف اقتصاد معولم تتنافس فيه القوى الاقتصادية الكبرى([1]) .
 كما اهتم )نيركسه( باستراتيجية النمو المتوازن للتخلص من حيث الحلقة المفرغة للفقر، ووجوب توجه الاستثمار إلى كافة القطاعات الاقتصادية بشكل متزامن ومتوازي([2]).
ويتفق )البرت هيرشمان (مع من سبقه حول أهمية الدفعة القوية ، حيث تنسب إستراتيجية النمو الغير المتوازن له ، والتي انتقد فيها استراتيجية نيركسه للنمو المتوازن ، وأوضح أن الاستقراء التاريخي يبين أن النمو ابتدأ بصناعات قائدة طليعية ؛ لذلك فهو يوصي باختيار بعض الصناعات الأقدر من غيرها على حث الاستثمار لتكون مجالاً للاستثمارات الأولى(الدفعة القوية)([3]).
 كما ونجد الدفعة الاستثمارية القوية واضحة في )نظرية مراحل النمو لروستو( ، فيشير بشكل واضح إلى دور الاستثمار في المرحلة الثانية )التهيؤ للانطلاق( وما تحتاجه هذه المرحلة من بنية مصرفية رصينة قادرة على تحقيق الانطلاق في المرحلة الثالثة ([4]).
كما ترتكز أهمية )نموذج هارود- دومار للنمو( من كونه يبرز أهمية رأس المال في كسر الحلقة المفرغة ، إذ إن الجهاز الإنتاجي في أي اقتصاد بحاجة إلى إدامة ، وما ينفق من رأس مال لإدامة هذا الجهاز يسمى بالاستثمار التعويضي ، كما أن هذا الجهاز بحاجة إلى توسيع وتطوير وما ينفق من رأس مال لهذا الغرض يسمى بالاستثمار الصافي ، وعليه يعول في زيادة إنتاجية الاقتصاد . والاستنتاج الرئيسي لنموذج هارود-دومار أن أي نمو اقتصادي يحتاج دائماً إلى مزيد من الادخار الذي بالمحصلة يوجه إلى الاستثمار([5]).
وهكذا يبدو واضحا  وجلياً أهمية الادخار والاستثمار في عملية التنمية . ومن البديهي أنه لا وجود لاستثمار بدون مصارف توجه الادخار المحلي إلى الاستثمار ، بالإضافة إلى ذلك استقبال رؤوس الأموال الأجنبية وتوجيهها إلى القطاعات الاقتصادية في البلدان النامية ، ولا يتصور حدوث عملية تنمية اقتصادية حقيقية في غياب دور فاعل لهذه المصارف .
فالمصارف تلعب دور الوسيط المالي بين المستثمرين والمدخرين، كما تقوم بتقديم العديد من الخدمات المالية والمصرفية الأخرى التي تساعد على تسهيل العمليات التجارية في البلاد وتسرع وسائل الدفع والشراء ، وتسهل عملية تسوية الاستيراد والتصدير، وبشكل عام تعمل على تسهيل النشاط الاقتصادي وزيادة كفاءته وتسريع نموه .
ولعل أهم مدخل اقتصادي يقدمه القطاع المصرفي هو التمويل ، فالتمويل مدخل اقتصادي يساهم في العملية الإنتاجية لكافة القطاعات الاقتصادية المختلفة ، وهو الذي يساعد على إنشاء المشروعات الجديدة ، وتوسيع وتطوير المشروعات القائمة ، ما ينعكس إيجابياً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين .
وهكذا نفهم من العرض السابق أنه لا مجال للشك في الدور الفاعل الذي تضطلع به المصارف التجارية في عملية التنمية ، إلا أن هذا الدور تمت بلورته وصياغته في قوالب جاهزة من قِبَلِ المفكرين الغربيين ، وقدموه إلى الدول النامية دون مراعاة لعاداتها وتقاليدها ومصالحها الاقتصادية ، وهذه الدول النامية استقبلته وطبقته على عِلاّته ، وكذلك كانت نظريات التنمية مقتبسةً من بنات الفكر الغربي التي لم تكن متجردة في أحيان كثيرة .
وقبل الاستطراد إلى بيان إمكانية المصارف الإسلامية من حيث المساهمة في التنمية الاقتصادية ، يجب أن نسرد عدة نقاط في هذا المقام تبين مواقع الخلل الموجودة في المصارف التقليدية التي تعمل على أساس الربا :
1.     بالرغم من أن هذه المصارف تسهم في عمليات تمويل مشروعات إنتاجية داخل الاقتصاد ، فإنها لا تبالي إذا كانت تلك المشروعات تقوم بإنتاج بضائع أو سلع محرمة أو لا تجيزها الشريعة .
2.     إن المصارف التي تتعامل بالربا بطبيعتها كمؤسسات مالية وتمويلية تعمل على تعظيم ربحها عن طريق الاقتراض والإقراض بالفائدة ، هذه المصارف تفتقر إلى أية معايير أو آليات تمكنها من إعطاء ميزات تمويلية للمشروعات التي تسهم في التنمية بشكل أكبر من غيرها ، وهي حتى بطبيعتها لا تمتلك من السياسات ما يجعلها تُقدِم على إعطاء ميزات تمويلية للفئة التي تتعامل بالقروض الصغيرة ، وإنما تركيزها يكون مُنْصَّباً في صالح رجال الأعمال خاصةً في الحصول على تلك الميزات ، والذين يكون البعض منهم غيرُ مُنْصَّبٍ اهتمامه على تحقيق المنفعة الاقتصادية في الدرجة الأساس ، والأولى في هذا المجال أن يكون النشاط موزعاً بحسب تحقيق العدالة الاقتصادية ومن ثم بالتالي تحقيق العدالة التنموية .
3.     إن المصارف التقليدية قد أسهمت ـ من حيث النظرة الواقعية لها ـ في عدة نشاطات تمويلية وإنمائية عن طريق تقديم التسهيلات الائتمانية ، وكانت تلك المشروعات ذات طابع اجتماعي وذلك في قسم من البلدان النامية ، لكن تلك المشروعات ُنفذت في ظروف معينة وخاصة ، وبعد ممارسة ضغوط من قبل السلطات الاقتصادية لتلك البلدان.
4.     المصارف التقليدية أو التجارية . وهي المصارف التي تتعامل بمبدأ الربا ، وحتى نكون منصفين تجاهها فقد أسهمت تلك المصارف في عملية التنمية الاقتصادية ، اعتمادا على معاييرها الخاصة والمرتبطة بآليات السوق والملاءة المالية ، ولكن تلك التنمية التي تحققت كان خط سيرها موجهاً نحو التوجه غير السليم للعمل الاقتصادي من ناحية المنظور الإسلامي ، لأن تعاملاتها كانت مبينة في الأصل على مبدأ الربا المحرم شرعاً في القرآن والسنة ، والتحريم قطعي وواضح ؛ حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز﴿وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾[البقرة : الآية 275] ، والربا هو محرم في الأديان كلها وليس فقط في الإسلام ، والذين استباحوه هم اليهود وحدُهم في معاملة الأجناس الأخرى مُضياً في أنانيتهم المفرطة ، وكانت الكنيسة في تاريخها القديم والوسيط لا تتعامل به ، ولكن الكنيسة لم تجد بُدَّاً من الانقياد وراء الحداثة وقبلت بالربا كفرض واقع ، ومن هنا استقرت المعاملات الربوية ، ثم انساحت على العالم كله ([6]).
5.     من ناحية أخرى ، قد يؤدي استخدام القروض التي يتم اقتراضها من المصارف التقليدية ، إلى الدخول في مضاربات بحتة بقصد التربح السريع ، والتي تؤدي إلى إفساد حالة أسواق الأوراق المالية ، وبالنسبة للمصارف يهمها المكسب في الدرجة الأولى قبل التفكير في الناحية الاقتصادية للمصلحة الأساسية للمجتمع ككل ، وقد يحدث أن يقوم بعض رجال الأعمال من المتعاملين مع المصرف باخراج أموالهم وتهريبها لصالحهم ولكن الأمر هنا أيضاً لا يخص إدارة المصرف ، ما دام لم يأتها توجه أو تحذير مقيد من البنك المركزي تجاه أولئك الأشخاص سواء كانوا رجال أعمال مشهورين أم أثرياء . وبهذا الخصوص تلِزمُنا الشريعة الغراء بتوخي كل الحذر والاهتمام بمصير أموال المسلمين والمحافظة عليها بأكثر جهد ممكن ، لأن  إحدى قواعد الشريعة في المعاملات بين الناس ـ والمستمدة من تعاليم السنة النبوية الشريفةـ هي (لا ضرر ولا ضرار)([7])، وبذلك تكون هنا الحالة موضوعة تحت خط السفاهة التي تجلب كامل الضرر .
إن المصارف التقليدية آثرت الاهتمام بجانب أساسي هو تعظيم الربح على حساب الأمور الأخرى أو الخدمات التي تهم المجتمع كأولوية في نظام الرفاه الاجتماعي ، والجانب الاجتماعي يحقق الضمان في تطور الاقتصاد ويحقق له المكاسب ، من حيث توفير طاقات شبابية عالية قادرة على الإنتاج والإبداع في جميع المجالات الاقتصادية


([1])  مطانيوس حبيب ، الاقتصاد السوري ومتطلبات الشراكة السورية ­­–الأوروبية ، دراسة على شبكة الانترنت  http://www.mafhoum.com/syr/articles/habib/habib.htm .
[2])  ) R. Nurkse, Problems of Capital Formation in Underdeveloped Countries University Press Oxford, London, 1953.
[3])) التنمية الاقتصادية ، عبد الرحيم بوادقجي ، المطبعة الجديدة ، دمشق ، 1977، ص230–227.
[4])) W.W.ROSTOW, The Stage of Economic Growth: A non–Communist Manifesto, Cambridge: The University Press,1962.
[5])) التنمية الاقتصادية ، تيسير الراوي ، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية ، جامعة حلب ، 2003 ، ص229–232 .
([6]) فوائد البنوك ، القرضاوي ، ص7.
([7]) سنن ابن ماجة ، القزويني ، باب من بنى في حقه ما يضر ، حديث رقم (2332) ، ج7/143.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق