الاثنين، 24 فبراير 2014

قبائل المغربية الصحراوية و مقاومة الاستعمار الفرنسي الاسباني الانجليزي

مقاومة الاستعمار جنوب المغرب الصحراء المغربية

ـ قبيلة أيت أوسا والاستعمار:
لقد واكب الغزو الاستعماري للمغرب غزو ثقافي، استهدف دراسة  دقيقة وشاملة للكيان المغربي وبنيات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك علاقة السلطة  المركزية  بالقبائل، اعتمد في ذلك على مجموعة من المتخصصين في علوم مختلفة كما  اعتمد  على هواة بلا تأهيل  : "جغرافيون أصحاب أفكار براقة وموظفون يدعون  العلم  وعسكريون  يتظاهرون  بالثقافة  ومؤرخو الفن يتجاوزون  اختصاصاتهم  وبكيفية اعم ، مؤرخون بلا تكوين  لغوي او لغويون  وأركيولوجيون بلا تأهيل تاريخي"[1].
اعتمد الغزو الاستعماري الفرنسي على مجموعة من المتخصصين في علوم مختلفة  ورغم ما أضفي على مؤلفاتهم  من طابع الجدية والموضوعية، فإن أصحابها لم يتحرروا من النزعة العنصرية والتوجيه  الاستعماري، فهذا هنري تيراس H. Terras  الذي ينطلق في تصوره لتاريخ المغرب  لدى البربر والذي يقول عنهم : "إن الوطن لديهم ليس هو الأرض، أرض الأجداد، بل هو الأصل العرقي" ليستنتج في الأخير  "أن المغرب الذي لم يكن دولة  لم يستطع  قط أن يصبح وطنا وأن مبدأ المصلحة العامة لم يتمكن من النمو والترعرع في هذا البلد الذي سيطرت فيه النزعة القبلية والأنانية وشر  الحكام والذي لم يكن فيه الإخلاص للقضايا العامة سوى مجرد فضيلة فردية"[2].
لقد تعامل  الباحثون المغاربة مع هذه الكتابات الأجنبية بطرق نقدية مستعملين نفس المناهج، كما حاول بعضهم تجاوز وهمية أن تكون الكتابة الاستعمارية عديمة القيمة العلمية، ولم ينكروا أنها  مجهود المعرفة  الضخم لان هذه الدراسات الإنسانية  والاتنوغرافية  تعتبر أن تاريخ المغرب الحقيقي هو تاريخ القبائل المحفوظ في أذهان الأشياخ، لا تاريخ المخزن.

 
يقول عبد الله العروي في نقده لهذه الكتابات الاستعمارية : " اقتنعت بعد تجربة كأستاذ في إحدى الجامعات الأمريكية أن مؤلفات عهد  الاستعمار حول المغرب التي نهملها ونحتقرها لا تزال تؤثر في أذهان الأجانب..." فكرت والحالة هذه أنه من المفيد أن أقدم نظرة على تاريخ المغرب حتى ولو لم آت بأي كشف جديد، مقتصرا على تقديم تأويلات جديدة لأحداث والوقائع."[3]
       1 ـ البدايات الاولى للتسرب الاستعماري بالمنطقة:
إن الطمع الاستعماري بصحراء المغرب الجنوبية الغربية يرقى الى خمس  قرون مضت، فلأول مرة في التاريخ وصل مع نهاية القرن الخامس عشر مغامرون وتجار الى السواحل الصحراوية، وكانوا آنذاك من الاسبان والبرتغال، فقد قدم الاسبان من جزر الكناري ولم يدخروا جهدا في إقامة  مراكز  تجارية لم يكتب  لها الاستمرار لأسباب  مختلفة، وفي مقدمتها  غارات القبائل عليها، وقدم البرتغاليون – واغلبهم مغامرون توقفوا هنا وهم في طريقهم إلى انكولا – إلى جنوب وادي الذهب، حيث اكتفوا بمبادلة الصمغ  والجلود بمواد  مصنوعة، وادعى الاسبان والبرتغال معا بان مجيئهم كان بموافقة تكنة وبدو السواحل، واستمر الحال هكذا حتى كان ظهور السعديين   الذين أخذوا  على أنفسهم طرد الأجانب من جميع سواحل الصحراء حتى مصب  نهر السينغال"[4].
أ ـ التدخل الفرنسي: تعود علاقات فرنسا بالمغرب إلى القرن السادس عشر،  ففي سنة 1533 م أرسل فرانسوا الأول سفارة إلى السلطان احمد بن محمد[5]،  وفي سنة 1559 عقد انطوان  دبوربون ملك  نافار ووالد هنري الرابع معاهدة مع السلطان السعدي المولى عبد الله، وعقدت معاهدة جديدة  سنة 1635  بين لويس الثالث عشر والسلطان المولى الوليد، وقبل مرور  نصف  قرن على دالك  عقد لويس الرابع عشر معاهدة اخرى مع المولى اسماعيل، وفي سنة 1807 استقبل نابليون رسولا خاصا من السلطان المولى  سليمان، وإذا فقد  كان تمة تبادل سياسي وتجاري نشيط  بين البلدين لقرون عديدة[6].

 
تعددت الاطماع  حول المغرب، وكانت اكثرها ضراوة تلك التي كانت لدى فرنسا التي تحتل الجزائر،  وهكذا  تعاقبت الغارات الفرنسية على التراب المغربي خلال الفترة الممتدة ما بين 1844 الى سنة 1870، فبعد ان سحقت حكومة "لويس فليب" جيوش السلطان عبد الرحمن في "معركة إيسلي" على يد "بيوجو"   peugoutوقصفت  "طنجة" واحتلت مدينة "الصويرة"، وقامت بفرض "اتفاقية طنجة 10 سبتمبر1844 " التي التزم فيها السلطان  بعدم مساندة الأمير عبد  القادر ومعاهدة "لالة مغنية سنة 1845" التي رسمت الحدود بين البلدين، فكانت بنودها غامضة أكثر من أية معاهدة أخرى.
فقد اقتصر التحديد فيما بين "البحر وتانييت ساسي" على تعداد بعض  الأماكن التي تفصل  بين الدولتين، يقول البند الرابع من هذه المعاهدة "لا يمكن إقامة حدود ترابية في الصحراء بين البلدين نظرا لان الأرض لا تحرث..." وهكذا تم تعداد القبائل التابعة لهذا البلد وذاك[7].
وقد طالب  السلطان المولى الحسن  فيما بعد بتعيين خط الحدود، لكن يظهر كما يقول هوسر Hauser أن الممثلين الفرنسيين تجاهلوا مقترحات تعيين الحدود سنة 1845 فقد كانت مصلحة فرنسا تقتضي المحافظة  على الغموض القائم[8].
بعد وفاة  وزير الحسن الأول "باحماد" انطلقت سياسة التغلغل نحو الصحراء من الجزائر  شرقا  ومن السينغال جنوبا,
وكان الغموض المحيط بخط الحدود المحدد سنة 1845 وتحركات قبائل  الرحل والأحداث التي نجمت عنها، كلها ظروف ساعدت على ذلك، وقد استغل حاكم الجزائر العام مبرر الدخول  العابر الذي كان يقوم به محاربي القبائل الصحراوية ليحتل واحات كورارة وتوات التي كانت تحت سيادة السلطان.
عمدت فرنسا إلى نهج سياسة استعمارية متعددة  المحاور في محاولة  لربط ممتلكات إمبراطوريتها في افريقيا الغربية مع المناطق الشمالية، في كل من الجزائر  وتونس  وتشمل ذلك في :

 
* العمل الدبلوماسي: الذي اتخذ بعدا ثنائيا لكسب اسبانيا الى جانبها والتنسيق معها  خدمة لمصالحها  المشتركة في الصحراء، في هذا الاطار  تم عقد الاتفاقية  المحددة للممتلكات  الفرنسية  والاسبانية في افريقيا الغربية وفي الساحل الصحراوي وفي ساحل خليج غينيا والموقعة في باريس 27 يونيو 1900، رغبة  منهما في توثيق علائق الصداقة وحسن الجوار  الموجودة بين البلدين[9]، ثم أعقبتها اتفاقية سرية بتاريخ 3 اكتوبر 1904 رغبة منها في تحديد مدى الحقوق وضمان المصالح الناتجة لفرنسا من ممتلكاتها الجزائرية والاسبانية من ممتلكاتها على الشاطئ المغربي[10].
* التسرب التجاري:  اتخذت فرنسا  مجموعة من المراكز على ساحل السينغال، حيث  دعمت التجار الفرنسيين وأصحاب المؤسسات الاقتصادية المنادين بحرية التجارة، ورفض كل الأعراف والامتيازات الممنوحة لرؤساء القبائل، وأمام رفض السكان لهذه  المراكز لجأت فرنسا إلى نهج أسلوب التراضي وشراء ولاء بعض زعماء المنطقة.
ب ـ التدخل الاسباني : اعتمدت اسبانيا في تدخلها للمنطقة على الأسس  التالية :
- الاساس القانوني: يتجلى في الامتيازات التي خولتها لها "معاهدة تطوان" سنة 1860 ومن بينها : السماح باقتناء مركز قديم للصيد بسواحل الصحراء الاطلنتية يدعى "سانتاكروز ذي ماربيكينيا"[11].
وفي سنة 1885  عين "بوني"   bonni  مندوبا لاسبانيا في الداخلة وقد تكونت بعثة اسبانية في جزر الخالدات حيث زارت الكثير من السواحل الصحراوية الواقعة بين وادي الذهب ورأس بوجدور وبلغت إلى مصب وادي درعة، وحاول الحاكم السياسي والعسكري الاسباني  بمنطقة وادي الذهب تعزيز  نفوذ بلاده في الصحراء وذلك عن طريق القيام بعدة زيارات استطلاعية لللمناطق الداخلية بهدف اقناع شيوخها بربط علاقات تجارية.

 
ـ الاساس التجاري: حاول الاسبان  كسب صداقة شيوخ القبائل عن طريق خلق  عدة مشاريع اقتصادية في بلاده مثل بناء معامل متخصصة في صناعة السمك  واستصلاح أراضيهم  الزراعية، لكن كل هذه المشاريع باءت بالفشل، بسبب  تصدي القبائل وامتناعها  عن عقد صفقات تجارية مع الاجانب، وفي هذا الصدد يجدر  بنا ألا ننسى العنصر الديني لان المسألة قد طرحت بدون شك منذ البداية بالنسبة  لأهالي المنطقة  كاحتلال  مسيحي  لأراضي المسلمين  رغم الخطاب الذي اعتمده الأسبان لاستمالة عواطف الصحراويين نحوهم بالتظاهر احيانا بالأخوة  تجاههم، لم يكن بطبيعة الحال صائبا،  وهذا لا يبين سوى جهل الاسبانيين العميق للحقيقة الثقافية التي كانت تميز المجتمعات الإسلامية آنذاك، حيث أن اسبانيا أرسلت سنة 1888 بعض أتباعها رفقة مترجم يدعى "أسبير"   aspaire الى ساحل طرفاية لعقد اتفاق تجاري مع بعض شيوخ القبائل،  واعترض طريقهم أتباع الشيخ ماء العينين، والقوا القبض على 6 أفراد منهم.
ج ـ التدخل الانجليزي:

 
في خضم التحركات السياسية المكثفة التي كانت القوات الفرنسية تنهجها في القرن التاسع عشر، كان لبريطانيا دور دقيق[12]،  حيث  خلفت المحاولات  التي قام بها  كل من جورج كلاس G.Glass سنة 1764 وجون دافيدسون J. Davidson  سنة 1836 لبناء مركز تجاري في السواحل الجنوبية رغبة قوية في نفوس بعض التجار البريطانيين الذين حاولوا  الاتصال مباشرة ببعض اعيان القبائل وشيوخها لربط  علاقات تجارية، ومن هؤلاء التجار نذكر: دونالد ماكينزي D.Makenzie، فقد جاء في تقرير القنصل الامريكي فليكس ماتيوس F. Mathues لن : "هذا المهندس الانجليزي قد زار الساحل سنة 1872 بصحبة مجهز السفن يدعى كامبل Campbell قد زاروا البلاد، فجمعوا المعلومات في طريقهم، وهذا السفر هو الذي  أدى إلى تكوين  شركة  ماكينزي سنة 1875،  وقد اختار ماكينزي منطقة  من الصحراء  بعيدة عن اية منطقة ماهولة ومتوفرة على شروط  جيدة لاستقبال  السفن ومن هنا بدا يتراسل مع شخصين كانا يتمتعان  ببعض النفوذ على جزء من السكان  بالرغم من فقرهما، وقد  قاما ببيع منتوجات متنوعة باثمان مرتفعة للسيد ماكينزي الذي قبلها نظرا لضعف تجربته  او لأنه كان يرغب في تشجيع السكان على القيام بعمليات أخرى على نطاق واسع".
على الرغم من  مشاكل المخزن ومشاغله فقط استشاط السلطان المولى الحسن الاول غضبا واستدعى  وزير بريطانيا بطنجة جون درومنذهاي J. Drummondhay   وابلغه احتجاجه  الشديد على بناء مركز تجاري بساحل طرفاية دون الحصول على إذنه[13].
امام تعنت ماكينزي وعدم مبالاته باحتجاجات السلطان هاجمت قبائل الصحراء مستودعه التجاري سنة 1881، وخربت منشآته واحتج هاي وطالب المخزن  بتعويض عمالي قدره 12 ألف فرنك فرنسي، لكن الحسن الاول رفض الاستجابة لهذا الطلب,
لقد عانى المخزن الشيء الكثير  من محاولات  ماكينزي ولم يتمكن من استرجاع ساحل طرفاية الا في سنة 1895 بمجرد التوقيع على معاهدة مع الحكومة البريطانية التي  اعترفت فيها  بسلطة المغرب في طرفاية والصحراء[14].
      


[1]  العروي، عبد الله، مجمل تاريخ المغرب،الدار البيضاء 1984. ص: 25.
[2]  الجابري، محمد عابد، التاريخ والمؤرخون في المغرب المعاصر،  ماي 1967 ص: 36.
[3]   العروي، عبد الله  المصدر السابق، ص: 26-27.
[4]  الغربي، محمد،  المصدر السابق ص : 279.
[5]   احمد بن محمد هو احمد الاعرج السعدي ابن محمد بن احمد القائم بأمر الله، تمتد فترة حكمه 1520-1543 ، حجي، محمد "مذكرات من الثرات المغربي " ج الثالث   ، لائحة التواريخ السلاطين  السعديين.
[6]  روم، لاندو، تاريخ المغرب في القرن 20،  ترجمة نقولا زيادة – الطبعة  II  1981م – 1400 هـ ، ص : 79.
[7]  ألبير،عياش، المصد السابق ص : 61.
[8]  المصدر السابق: ص: 62.
[9]  الغربي، محمد، المصدرالسابق، ص : 288.
[10]  المصدر السابق، ص : 294.
[11]  التازي،عبد الهادي،مقال:  تقرير فليكس ماتيوس – F. Mathues  - ممثل  الولايات المتحدة  الامريكية بالمغرب –ضمن مجلة البحث العلمي العدد 31 – السنة 16 اكتوبر 1980 جامعة  محمد الخامس.
[12] منشورات كلية الاداب الرباط ،  ندوة  الاصلاح  والمجتمع المغربي في القرن 19 "  ضمن سلسلة رقم 7 رجب 1404 ابريل 1983 ص: 295.
[13]   بلحداد،نور الدين،مقال:  " دفاع المخزن المغربي عن وحدته الترابية وعن حقوقه المشروعة .."،ضمن مجلة المناهل،  ص: 96.
[14]  بلحداتد نور الدين – المرجع السابق ص : 98.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق