الجمعة، 21 فبراير 2014

مشروعية حكم القرض الحسن في القران والسنة



مشروعية القرض الحسن
الأحكام الشرعية أصلها الحِلُ ( وفق رأي كثير من أهل العلم ) مالم يرد نص بالتحريم ، والتعريف بالحكم الشرعي للقرض يوجب علينا بيان مشروعيته ، و سأحاول في هذا المبحث بيان حاجة الناس للقرض ( الحسن ) في معاملاتهم ، و بيان مشروعيته في مصادر التشريع الأساسية: الكتاب ، السنة ، الإجماع .
1-    في القرآن الكريم :
جاء في الكتاب الكريم عدد من الآيات التي تدل على مشروعية القرض الحسن ومدى ثوابه العميم والخير الوفير الذي سيتحصل عليه الإنسان من ذلك الفعل القويم ونيل الرضا من رب العباد ، وهذه الآيات الكريمة ما هي إلا إشارة إلى التجارة الأهم في حياة المسلم ألا وهي التجارة مع رب السموات العلى ، تلك التجارة التي لن تبور ، لأن ما سوف تقدمه ستجده أضعافاً مضاعفة ، وهي بذلك أعظم وأربح تجارة ، لأن الله يعطيك الرزق فتنفقه في وجوه الخير والإحسان ، وعندما ستُنفق  في هذا الدرب يأتيك العوض من الله  أضعافاً مع جزيل الثواب في الدارين ، والآيات كما يلي :
·        قال تعالى ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [ سورة البقرة : آية 245] ، فإقراض الله الموصوف بالغنى ، والغني عن عباده قد خاطبنا بأن القرض الحسن موجب كالعمل الصالح بالمضاعفة أضعافاً كثيرة لمن قام به ، والجزاء طبعاً بإثابة فاعله الثواب الجزيل .
فصل الإمام الشوكاني في فتح القدير أصل القرض بأنه اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء ، يقال : أقرض فلان فلاناً : أي أعطاه ما يتجازاه ، واستدعاء القرض في الآية إنما هو تأنيس وتقريب للناس بما يفهمونه ، والله الذي هو الغني الحميد شبه عطاء المؤمن ما يرجو ثوابه بالآخرة بالقرض ، كما شبه إعطاء النفوس والأموال في أخذ الجنة بالبيع والشراء ([1]).
وقوله تعالى﴿ حَسَنًا﴾ قال الواقدي : (محتسباً طيبة به نفسه ، وقال عمرو بن عثمان الصدفى : لا يُمن به ولا يؤذي ، وقال سهل بن عبد الله : لايعتقد في قرضه عوضاً وفي قوله تعالى ﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ بيّن الله عز وجل أن من أنفق في سبيل الله لا يضيع عند الله تعالى بل يرد الثواب قَطْعا وأبهم الجزاء)([2]) .
وقد دلت الآية على عِظم رتبة الغني حيث سأل من القرض ، و لكن رتبة الفقير في هذا أعظم لأنه سُأل لأجله القرض ، و قد يُسأل القرض من كل أحد ، و لكن لا يُسأل لكل أحد . ويقال القرض الحسن لا يعطى على الغفلة ، و إنما يعطى عن شهود([3]).
·        قال تعالى ﴿ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ [الحديد : الآية 18] .
        قال القرطبي في تفسيره : (﴿ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا ﴾ بالصدقة والنفقة في سبيل الله ، قال الحسن : كل ما في القرآن من القرض الحسن فهو التطوع ، وقيل : هو العمل الصالح من الصدقة وغيرها محتسباً صادقاً ، قال الكلبي : ﴿ قَرْضًا ﴾ أي صدقة  ﴿ حَسَنًا ﴾ أي محتسبا من قبله بلا منً ولا أذىً ، وقيل : القرض الحسن هو أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ؛ رواه سفيان عن أبي حيان ، وقال زيد بن أسلم : هو النفقة على الأهل ، الحسن : التطوع بالعبادات ، وقيل : أنه عمل الخير، ومن القرض الحسن ألا يقصد إلى الرديء فيخرجه ، ﴿ يُضَاعَفُ لَهُمْ ﴾ أمثالها أي الذين أقرضوا ، ويعقوب ﴿ يُضَعَفُ﴾ بفتح العين وتشديدها ،﴿ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ يعني الجنة) ([4]).﴿يُضَاعَفُ﴾ القراءة العامة بفتح العين على ما لم يسم فاعله .
يقول القشيري في تفسيره : (بأن القرض الحسن ما يكون من وجه حلال ثم عن طيب قلب ، و صاحبه مخلص فيه ، بلا رياء يشوبه ، و بلا منّ على الفقير ، و لا يكدره تطويل الوعد و لا ينتظر عليه كثرة الأعواض ، و المضاعفة ﴿ يُضَاعَفُ لَهُمْ ﴾ في الحسنات بعشر أمثالها إلى ما شاء الله ، و الأجر الكريم ﴿ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ ﴾ ثواب كبير حسن و الثواب الكريم أنّه لا يضن  بأقصى الأجر على الطاعة و إن قلَّتْ )([5]).
·        قال تعالى :﴿ إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ [ التغابن : الآية17] .
يقول ابن كثير في تفسيره :(أي مهما أنفقتم من شيء فهو يخلفه و مهما تصدقتم من شيء فعليه جزاؤه و نزل ذلك منزلة القرض له)([6]). و يقول القشيري في تفسيره: (بأن الله جلّ و عزّ يتوجه بهذا الخطاب إلى الأغنياء لبذل أموالهم ، و للفقراء في إخلاء أيامهم وأوقاتهم من مراداتهم و إيثار مراد الحق على مراد أنفسهم)([7]).
·        قال تعالى ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾[ المزمل : الآية 20] .
يقول القرطبي في تفسيره : ﴿ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ القرض الحسن ما قصد به وجه الله تعالى خالصاً من المال الطيب ، وقال عمر بن الخطاب t: (هو النفقة في سبيل الله)([8]).
و في الآيات التي أوردناها من كتاب الله نلاحظ ما يلي:-
·        الخطاب الإلهي في مستهل الآيات يحمل أسلوب استفهام ﴿ مَّن ذَا الَّذِي ﴾ ، ﴿ إِن تُقْرِضُوا ﴾ أسلوب شرط ، ﴿ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ ﴾ أسلوب طلب مع ترغيب .
·        كلمة قرض قد حددها سبحانه وتعالى بصفة الحسن ﴿ قَرْضًا حَسَنًا ﴾.
·        جزاء القرض الحسن مضاعفة الثواب أضعافاً كثيرة ﴿ فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ ، ﴿ يُضَاعَفُ لَهُمْ ﴾ ، ﴿ يُضَاعِفْهُ لَكُمْ ﴾.
·        في الدليل الرابع ، نجد أن الله جلّ و عزّ قد أتبع إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة    ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ﴾ و هما ركنين أساسيين من أركان الدين الإسلامي بقوله ﴿ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ و الرابط هنا واو العطف    التي تفيد معنى المرافقة و في هذا إعلاء من شأن القرض الحسن و كأنه ركن من أركان ديننا الإسلامي.
2-    في السنة النبوية :
أكدت السنة النبوية الشريفة على أهمية التراحم والتكافل بين المسلمين فقال الرسولr : [ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ ]([9]).
 ومن الصور الأساسية لهذا التكافل و التعاون صورة الإقراض والاستقراض بين أبناء المجتمع ، فتعددت الأحاديث عن النبي r التي تثبت مشروعيتهما مدعمة بأقوال النبي r و أفعاله : 
·        عن ابن مسعود أَنَّ النَّبِيَّ r  قَالَ : [ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلاّ كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً] . قال علقمة : كذلك أنبأني ابْنُ مسعود ([10]) . قال في البحر : موقعه أعظم من الصدقة ، إذ لا يقترض إلا محتاج ([11]).
·        عن أنس بن مالك t قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : [ رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا : الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيلُ ! مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ ؟ قَالَ : لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ ، وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إِلاّ مِنْ حَاجَة]([12]). فالقرض الحسن سلفة لمحض الخير القائم على الشهامة ، فقد يستعفف بعض الناس عن تناول الزكاة والصدقات حياءً وخجلاً من شدة الحاجة ، أما في القرض الحسن فإنهم ينالون ما فيه سد لحاجاتهم مع صيانة حيائهم وعزتهم وكرامتهم([13]).





روى أبو رافعt  في الحديث : [ أن رَسُولَ اللَّهِ r اسْتَسْلَفَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا ، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ إِبِلٌ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ ، فَأَمَرَ أَبَا رَافِعٍ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلَ بَكْرَهُ ، فَرَجَعَ إِلَيْهِ أَبُو رَافِعٍ فَقَالَ : لَمْ أَجِدْ فِيهَا إِلاّ خِيَارًا رَبَاعِيًا ، فَقَالَ : أَعْطِهِ إِيَّاهُ ، إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً] ([14]). معنى اسْتَسْلَفَ : اقْتَرَضَ ، أما قوله بَكْرًا : الصغير من الإبل ، خِيَارًا : مختاراً ،  رَبَاعِيًا : بفتح الراء ، ما دخل السنة السابعة([15]).
قال ابن رسلان : ولا خلاف في جواز سؤاله عند الحاجة ولا نقص على طالبه ولو كان فيه شيء لما استسلف النبي صلى الله عليه وسلم([16]) . وقال النووي بصحيح مسلم : وفي هذا الحديث جواز الاستقراض والاستدانة ، وإنما أقترض النبي r للحاجة([17]) .
·        وفي صحيح البخاري جاء حديث مقارب للحديث أعلاه وبنفس الخصوص فقد ورد عن أبي هريرة t : [ أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ r يَتَقَاضَاهُ بَعِيراً ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَعْطُوهُ ، فَقَالُوا : لا نَجِدُ إِلاَّ سِنًّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : أَوْفَيْتَنِي أَوْفَاكَ اللَّهُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَحْسَنَهُمْ قَضَاء] ([18]).
·        روى النسائي عن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي ، قال : [ اسْتَقْرَضَ مِنِّي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ أَلْفًا فَجَاءَهُ مَالٌ فَدَفَعَهُ إِلَيَّ ، وَقَالَ : بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ ]([19]).

ونستنتج من الأحاديث الشريفة السابقة على جملة من الأحكام :
·        إن الخطاب النبوي يحث على القرض الحسن ويرغب به ويطالبنا بخير وأحسن القضاء   ]أَعْطِهِ إِيَّاهُ إِنَّ خِيَارَ النَّاسِ أَحْسَنُهُمْ قَضَاءً[  ،  ]أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ أَحْسَنَهُمْ قَضَاء[ .
·        المقارنة الواضحة بين الصدقة والقرض وذلك لاقتران الفعل الطيب في عمل القرض الحسن بفعل الصدقة ويكون أفضل منه ]مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُقْرِضُ مُسْلِمًا قَرْضًا مَرَّتَيْنِ إِلاّ كَانَ كَصَدَقَتِهَا مَرَّةً [ ،  ]الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَقُلْتُ يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ  [.
·        في المقابلة الإبداعية يصور الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام في الحديث الشريف] مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَة[ ، بأن ثواب المقرض يحقق غاية كبيرة وهي فك كربة من يوم القيامة ، ثم يُتمم الرسولr ] وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة[ يدخل القرض في باب التفريج والتخفيف والتيسير ؛ لأن من يكون في حالة حاجة أو سؤال سيتحول إلى حالة إعسار أي يكون هو المعسر أي المقترض وبدوره المقرض الذي هو في وضع يُسر سيكون بدوره هو المُقرض، وفي قوله r ] وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيه[، سيستحق النعمة الكبيرة التي سيجنيها في حال توفير المقرض أي شيء يستر به المسلم وكذلك سيبقى تحت رعاية وعناية الله مادام هو في هذا الطريق .


3-    في الإجماع :
أجمع المسلمون على جواز القرض ، وإن الأمة لا تزال تتعامل به منذ عهد رسول الله r وإلى عصرنا هذا ، والعلماء يقرونه من غير إنكار أحد منهم .
فقد اقترض الصحابة رضي الله عنهم وأقرضوا ، وكان معنى الإقراض لديهم دليل على المروءة والتقوى وقياس لأفعال الخير وأبواب البر بالناس والتخفيف عن كاهل المسلم بشتى الطرق والأساليب التي اكتسبوها من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وهي أيضاً قربة يتقربون بها إلى الله سبحانه لما فيه من أبواب الرفق والرحمة والإحسان بالغير .
·        عن مجاهد ، أنه قال : ) استْسلف عبد الله بن عمر من رجلٍ دراهم ، ثم قضاه دراهم خيراً منها ، فقال الرجلُ :  يا أبا عبد الرحمن ، هذه خيرٌ من دراهمي التي أسلفتك ، فقال عبد الله بن عمر : قد عَلِمْت ، ولكن نفسي بذلك طيبة (([20]).
·        عن كعب بن مالك t أنه تقاضى ابن أبي حَدْرَد ديناً كان له عليه ، في عهد رسول اللهr ، في المسجد ، فارتفعت أصواتهما ، حتى سمعها r وهو في بيته ، فخرج إليهما رسول الله r حتى كشف سِجْفَ حجرته ، ونادى كعب بن مالك ، فقال : ) يا كعب!( فقال : لبيك يا رسول الله! فأشار إليه بيده أن ضع الشطر من دَينك ، قال كعب : قد فعلت ، يا رسول الله! قال رسول اللهr : ) قُمْ فاقضِهِ( . معنى تقاضى : طالبه به وأراد قضاه ،  قوله :(كشف سجف حجرته) هو بكسر السين ، وفتحها لغتان ، وإسكان الجيم([21]). والسِجْفَ : الستر ، وقيل : لايسمى سجفاً إلا إذا كان مشقوق الوسط  كالمصرعين([22]).
·        وعن القاسم عن عائشة رضي الله عنها ، أنها كانت تدان فقيل لها ما لك والدين وليس عندك قضاء ؟ فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : )ما من عبد كانت له نية في أداء دينه ، إلا كان له من الله عون ، فأنا ألتمس ذلك العون (([23]). وكان زمن الحديث بعد انتقال الرسولr إلى بارئه الكريم .
·        وعن أبي الدرداء t أنه قال : ) لأن أُقرِض دينارين ثم يردان ، ثم أُقرضهما أحب إلي من أن أتصدق بهما (([24])، لأن فيه تفريجاً عن أخيه المسلم وقضاء لحاجته وعونا له ، فكان مندوباً إليه كالصدقة عليه وليس واجباً ، قال أحمد : لا إثم على من سئل القرض فلم يُقرض ، وذلك لأنه من المعروف ، فأشبه بصدقة التطوع ، وليس بمكروه في حق المقرض ، قال أحمد : ليس القرض من المسألة يعني ليس مكروه .([25])
·        وعن ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما أنهما قالا : ) قرض مرتين خير من صدقة مرة (([26]) ، والقرضُ خيراً من الصدقة ، لأن الصدقة قد تُدفع إلى من هو في غنى عنها ، أما القرض فلا يسأله إنسان إلا وهو يحتاج إليه .
·        وروى الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام عن إبراهيم قال : ) أرسل عمرt إلى عبد الرحمن بن عوف t  يسْتَسلِفَهُ أربعمائة درهم ، فقال عبد الرحمن : أتسْتسلِفَني ، وعندك بيت المال ، ألا تأخذ منه ثُم ترُده؟ فقال عمر : إني أتخوف أن يصيبني قدري ، فتقول أنت وأصحابك : اتركوا هذا لأمير المؤمنين ، حتى يؤخذ من ميزاني يوم القيامة ، ولكني أتسلفها منك لما أعلم من شحك ، فإذا مُتْ ، جِئْتَ فاستَوفيتها من ميراثي(([27]). وقوله يصيبني قدري أي : يجيئني أجلي .

وقد نال القرض بذلك الشرعية الكاملة ، فنلاحظ أن الاقتراض وضع في مكانه المناسب من نظر الصحابة ، ولم يجدوا أي حرج في الاقتراض أو الإقراض ، والبيان الذي استنبطانه من الكلام السابق هو أن للقرض دور منهجي في تحسين حالة المجتمع .

  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق