ومن
موانع الإرث :
(2)-
القتـل :
والقتل
: هو فعل ما يكون سبباً لإزهاق الروح .
ولا
خلاف بين العلماء في أنّ القتل مانعٌ من موانع
الإرث ، ولكنّ الخلاف في نوع القتل
الذي يمنع منه .
أنواع
القتل :
مع
اتفاق العلماء على أنّ القتل مانع للإرث ، إلا إنهم اختلفوا في نوع القتل المانع ؛
وذلك أن القتل قسمان : قتل بغير حق ، وقتل بحق .
أولاً
= القتل بغير حق : وهذا تحته أنواع :
(1)-
قتل عمد : وهو ما كان بآلة قاتلة على سبيل القصد والتصميم ، فهو يُوجب القصاص ،
والإثم ، دون الكفارة .
والآلة
القاتلة ـ كما عرَّفها الإمام أبو حنيفة ـ هي التي لها حدّ تُفرِّق الأجزاء ؛
كسلاح ، أو ما يجري مجراه في تفريق الأجزاء ؛ كالنار ، والمحدّد من الخشب ، أو
الحجر ، أو الزجاج .
وعرَّف
صاحباه ـ أبو يوسف ، ومحمد ـ القتل العمد : بأن يتعمَّد ضربه بما يُقتل به غالباً
؛ وهو ما لا تطيقه البنية ؛ سواء أكان محدَّداً كالسيف أو السكين ، أم غير محدَّد
؛ كحجر عظيم ، وخشب عظيم . ومثله القتل بالقنبلة .
وهذا
القتل ـ كمـا قدّمنـا ـ يُوجب القصـاص ، والإثم ؛ لقوله تعالى : ) كتب عليكم القصاص في القتلى ( [البقرة : 178] ، ولقوله عزّ وجلّ : ) ومن يقتل مؤمناً متعمِّداً فجزاؤه
جهنَّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً ( [النساء : 93] . ولكونه فاحشة وجريمة آثمة ،
لم تُشرع فيه الكفَّارة التي فيها معنى العبادة .
(2)-
قتل شبه عمد : كأن يتعمَّد ضرب شخص بما لا يقتل عادة ؛ كالضرب بيده ، أو سوطه ، أو
حجر صغير ، أو عصا ليّنة ، أو ما أشبهها ، فيموت منه . فهذا القتل يُوجب الدية على
العاقلة ، والكفارة ، مع الإثم .
وسُمِّي
هذا النوع "شبه عمد" ؛ لأنَّ فيه معنى العمدية ،
باعتبار قصد الفاعل إلى
الضرب ، ومعنى الخطأ ، باعتبار عدم قصده إلى القتل ؛ لأنَّ الآلة التي استعملت فيه
ليست آلة قتل ، فكان خطأً يُشبه العمد ، فلم يجب فيه القصاص ، ووجبت فيه الكفارة ،
والدية المغلَّظة على العاقلة ، ودخل تحت قوله تعالى : ) ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة
مؤمنة ودية مسلَّمة إلى أهله ( ـ إلى
قوله ـ ) فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله ( [النساء : 92] . وفي هذا النوع إثم الضرب ؛ لوجود
القصد إليه ، وارتكاب ما هو محرَّم شرعاً ، لا إثم القتل ؛ لأنَّه لم يقصده .
(3)-
قتل خطأ : وهو إمّا أن يكون خطأ في القصد ؛ كأن يرمي شبحاً يظنّه حيواناً ، فإذا
هو إنسان . وإمَّا أن يكون خطأ في الفعل ؛ كأن يرمي طائراً فيُصيب إنساناً ،
فيقتله . فهذا القتل يُوجب الدية على العاقلة ، والكفارة ، ولا إثم عليه .
(4)-
قتل شبه خطأ ، أو جار مجرى الخطأ ، أو ملحق به ؛ كأن ينقلب النائم على إنسان
فيقتله . وهذا القتل يُوجب الدية على العاقلة ، والكفارة ، وفيه إثم ترك التحرُّز
والمبالغة في التثبُّت ، وهو دون إثم قصد القتل .
(5)-
قتل بالتسـبُّب ؛ كأن يضع السمّ في الطعام ، أو يحفر بئراً فيتردّى فيه ، أو
يُشارك القاتل برأي ، أو إعانة ، أو تحريض ، أو يشهد شهادة زور تؤدي إلى الحكم
بالإعدام ، أو يكون ربيئة (وهو من يُراقب المكان أثناء مباشرة القتل) . فهذا القتل
يُوجب الدية على العاقلة ، ولا كفارة ، ولا قصاص فيه .
ثانياً
= القتل بحق ، أو بعذر : وهذا على أنواع أيضاً :
(1)-
القتل قصاصاً : كالجلاد يُنفِّذ حكم الإعدام بالقاتل .
(2)-
القتل بالحدّ : كقتل المرتدّ .
(3)-
القتل دفاعاً عن النفس ، أو المال .
(4)-
قتل الزوج زوجته الزانية ، أو قتل المحرم لقريبته الزانية ، وقتل الزاني بها أيضاً
.
(5)-
القتل مبالغة في الدفاع عن النفس ؛ كأن يكون بحيث يستطيع ردّ هجوم الصائل عليه بما
دون القتل ، لكنه يقتله .
س
: ما هو القتل الذي يُعتبر مانعاً من موانع الإرث ؟
ج
: اختلف العلماء في القتل الذي يُعتبر مانعاً من موانع الإرث :
=1=
فقالت الشافعية : مجرّد القتل بجميع أنواعه السابقة ؛ سواء أكان بحق (مثل قاض حكم
على أبيه بالقتل ، فلا يرث من باب سدّ الذرائع) ، أو بغير حقّ سـواء أكان
بمباشرة ، أو بتسبّب (فلا يرث ، لتُهمة الاستعجال بالإرث) . وسواء كان القاتل
عاقلاً بالغاً ، أو صبياً ، أو مجنوناً ؛ فالقاتل خطأ ، والقاضي الذي حكم بالقتل،
والجلاد الذي نفَّذ القتل ، والمدافع عن نفسه ، والمنتقم لشرفه ، والأب يضرب ولده
للتأديب فيقتله ؛ كلّ هؤلاء يُمنعون من الميراث أخذاً بعموم قوله r : "ليس للقاتل شيء ، وإن لم يكن لـه وارث
، فـوارثه أقرب الناس إليه ، ولا يرث القاتل شـيئاً" ، وعملاً بقاعدة من
استعجل الشيء قبل أوانه عُوقب بحرمانه .
إذاً
: الشافعية جعلوا مجرّد القتل مانعاً من موانع الإرث .
=2=
وقالت المالكية : القاتل له حالتان ؛ إمَّا أن يكون قتل مورِّثه عمداً عدواناً ـ
فلا يرث من مال مورثه ولا من ديته ـ ؛ وإمَّا أن يكون قتله خطأ ـ فيرث من ماله ،
ولا يرث من ديته ـ .
فالقتل
المانع من الإرث ـ عند المالكية ـ هو القتل العدوان العمد المقصود بغير حقّ ،
وبدون عذر ؛ سواء أكان مباشــرة ، أو من طريق التســبُّب . فمتى كان القتل قصداً
مع العدوان ، منع من الإرث . أمَّا القتل الخطأ ، أو بحق ، أو بعذر ، أو الذي وقع
من صبي أو مجنون ، فلا يمنع من إرث المال ، وإنّما يمنع من إرث الدية ؛ لأنَّ
الدية واجبة عليه ، فكيف يرث شيئاً قد وجب عليه .
=3=
وقالت الحنفية : كلّ قتل أوجب قصاصاً ، أو كفارةً مع الدية ، يمنع من الإرث ؛ وهو
القتل بغير حقّ ، شريطة أن يكون بالمباشرة ، سواء أكان عمداً ، أو شبه عمد ، أو
خطأ ، أو جارياً مجرى الخطأ . وأمَّا القتل بالتسبُّب (كما لو حفـر بئـراً ، أو
وضع حجراً في الطريق ، فقتل مورّثـه) ، أو القتـل بحق ، أو بعذر ، فلا يمنع من الميراث
.
=4=
وقالت الحنابلـة : إنّ القتل المانع هو ما أوجب عقوبة على القاتل ؛ سواء أكانت
عقوبة جسمية (كما في القتل العمد)، أو ماليَّة (كما في القتل الخطأ)، والقتل
بالتسبُّب . فكلّ قتلٍ مضمون بقصاص ، أو دية ، أو كفارة ، يمنع الإرث ؛ فالقتل
بغير حقّ ، سواء بمباشرة، أو بتسبّب ، يكون مانعاً من الإرث عند الحنابلة ؛
تعميماً لسدّ الذريعة ، ولئلا يدّعي العامِد أنه قَتَل خطأً .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق