الخميس، 20 فبراير 2014

اسباب ظهور النهضة الاروبية في ايطاليا عصر النهضة



لماذا بدأت النهضة في شبه الجزيرة الإيطالية ؟
         بدأت النهضة الأوربية في مدن شبه الجزيرة الإيطالية وازدهرت فيها , ثم انتقلت إلى الدول الأوربية . ويرجع هذا السبق الإيطالي في قيام النهضة بها عدة عوامل , تذكر منها :
أولاً : الرخاء الاقتصادي : تمتعت المدن الواقعة في شبه الجزيرة الإيطالية مثل البندقية وجنوه برخاء اقتصادي , نتيجة اشتغالها  واحتكارها التجارة الشرقية , إذ كان أهالي هذه المدن ينقلون المتاجر من ثغور مصر والشام إلى المواني الإيطالية , واستنارت أفكارهم بما اقتبسوه من حضارة أمم كانت أعرق منهم مدنية .
ثانياً : عهد الحضارة الرومانية :
         كانت شبه الجزيرة الإيطالية مهد الحضارة الرومانية , وكانت البلاد الإيطالية تزخر بقدر كبير من تراث هذه الحضارة التليدة من مبان وتماثيل ونميات ومخطوطات ونقوش وما إلى ذلك على الرغم من أنها تعرضت لغزو القبائل المتبربرة وتدمرها , شأنها في ذلك شأن بقية الولايات الرومانية , وسيطر على أذهان الإيطاليين اعتقاد راسخ بأنهم حفدة الرومان وورثتهم , وأنهم أجدر الناس بالقيام على إحياء تراث الرومان واستعادة أمجادهم . وكانت الآثار الرومانية بين ظهرانيهم أمثلة حية على سلوك هذا الاتجاه , فأخذوها في التصوير والنحت والنقش والعمارة وما إلى ذلك . أما الحضارة الإغريقية فقد قامت في الأقاليم التي كانت جزء من الدولة الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية .
ثالثاً : تمتع ايطاليا بالسلام :
تمتعت شبه الجزيرة الإيطالية بالسلم أحقاباً طويلة حتى لاح لشارل الثامن ملك فرنسا غزوها إبان الحروب الإيطالية . وبذلك تهيأ للنهضة في إيطاليا المناخ الصحي للنمو والازدهار . ومن المعروف أن النهضات العلمية تزكو إذا توفر لها الأمن والهدوء والرخاء والسلم . فكل أولئك تشكل أجنحة ظليلة النهضات العلمية.
رابعاً : قيام حكومات مستنيرة قوية في المدن الإيطالية :
         من الخصائص التي تميزت بها الحياة السياسية في إيطاليا انقسام البلاد إلى دويلات سياسية وقيام حكومات مستنيرة فيها احتدم بينها التنافس على تشجيع الآداب والفنون , وقد حكمت فيها أسرات تركت بصماتها قوية في تاريخ البلاد , نذكر منها على سبيل المثال : أسرة مدتشي Medicis وقد حكمت فلورنسا وأسرة فيسكونتي Vigconti وقد سيطرة على ميلان وأسرة بورجيا Borgia وقد قبضت بيد من حديد على الولايات البابوية , ولجأ كثير من حكام هذه الأسر إلى النظام الاستبدادي أسلوباً في الحكم للاحتفاظ بسلطتهم . ومن هنا انطلق عليهم اسم ( الطغاة ) وعلى حكمهم ( حكم الطغاة ) وعلى الرغم من هذا الطابع الاستبدادي الذي اتسم به حكمهم ( حكم الطغاة ) فقد كان من أبرز ما تميزوا به هو تشجيعهم العميق للعلماء والأدباء والفنانين ومن إليهم . وكان بلاط أولئك الطغاة تهوي إليه أفئدة هؤلاء الأعلام مما ساعدهم على مزيد من النبوغ والإبداع والإنتاج.
خامساً : تأسيس المكتبات :
         تنافست المدن المختلفة على إنشاء المكتبات واقتتاء أنفس الكتب وأغلى المخطوطات وأبدع الصور , وهكذا تناثرت في شبه الجزيرة الإيطالية مكتبات زخرت بالمخطوطات والمجلدات والكتب وغيرها . ونذكر في عالم المكتبات أسرة مدتشي الحاكمة في فلورنسا , فقد شيد كوزمودي مدتشتي Cogme de Medicig مكتبة في مدينة البندقية خلال الفترة التي كان منفياً بها , ودعم مكتبة سان ماركو في فلورنسا وجمع لها المخطوطات , واهتم البابا نيقولا الخامس بمكتبة الفاتيكان واقتنى لها الكتب القديمة النادرة حتى أصبحت المكتبة على عهده تضم قرابة اثني عشر ألف مجلد .
سادساً : المجامع العلمية:
ويطلق عليها أيضاً الأكاديميات . وقد أسهمت في نشر الدراسات الإغريقية واللاتينية , إذ كانت بمثابة حلقات ثابتة للبحث والتدريس يلتقي فيها الأساتذة ويلقون المحاضرات تعقبها المناقشات العلمية الموضوعية العميقة , ويشترك فيها الأساتذة المحاضر وطلابه الدارسون . وقد حوت هذه المجامع العلمية ألواناً  مختلفة من الدراسات القديمة مثل الفلسفة الإغريقية والموسيقى والرسم . وكانت الأكاديمية أشبه ما تكون بجامعة غير رسمية.
وقد تنافست الأسرات الحاكمة في المدن المختلفة في إنشاء المجامع العلمية وتدعيمها ودعوة كبار الأساتذة لزيارتها وإلقاء المحاضرات بها . وقد فاقت فلورنسا سائر المدن في هذا المضمار بفضل رعاية أسرة مدتشي للآداب والفنون . أنشأ كوزمو دي مدتشي أكاديمية أفلاطون , وكانت أشهر الأكاديميات التي شهدتها شبه الجزيرة الإيطالية , وكان كوزمو من أنصار نشر آثار افلاطون باللغة الإيطالية , ووقع اختياره على فرد معين توسم فيه النبوغ , هو مارسيليوفيشينو Marsilio Ficino فشمله برعايته وجعله يتخصص في دراسة اللغة الإغريقية حتى يستطيع أن يقوم بالمهمة العلمية التي عهد بها إليه وهي التوفيق بين تعاليم المسيحية وبين الفلسفة الإغريقية الوثنية , وقد انكب على دراسة أفلاطون وأخرج عدة مؤلفات عنه كما ترجم بعض كتبه . وبعد وفات كوزمودي مدتشي تعهد حفيده لورنزو هذه الاكادمية , وكان يجمع أعضائها تارة في قصره في فلورنسا , وتارة في بيته الخاص المقام على ربوة وسط المرتفعات القريبة من المدينة .
وتأسست في رومانية أكاديمية على يد جوليوس لاتيوس Julius Loetus وجعلت مقراً للدراسات التاريخية والآثار . وكان معظم أعضائها من كبار رجال الدين المتخصصين في اللاتينية . وشهدت نابولي تأسيس أكاديمية على يد الفونس الخامس حاكم نابولي , وتخصصت هذه الأكاديمية في دراسة الآداب . وقامت أكاديمية أخرى في البندقية أسمها الأكاديمية الجديدة , أسسها ألدو مانوزيو Aldo Manuzio واهتمت بالدراسات الإغريقية وأخرجت بعضاً منها إلى عالم الطباعة . لأن مؤسسها ألدو كان صاحب دار طباعة , فدفع إلى مطابعه ببعض الكتب القديمة , وسنعرض لهذه الشخصية بعد حين .
سابعاً : الموقع الجغرافي :
         اكتسبت شبه الجزيرة الإيطالية أهمية كبرى بسبب مركطزها الجغرافي . فهي تقع في وسط البحر المتوسط الذي قامت على ضفافه أقدم الحضارات وأعرقها , وفي وقت كان فيه هذا البحر مركز النشاط الاقتصادي في العالم . وكانت المدن الإيطالية هي حلقة الاتصال بين أوربا وبين الحوض الشرقي للبحر المتوسط وبلاد الشرق . وكانت بفضل موقعها من أقرب الأقاليم الأوربية إلى الدولة البيزنطية فكان العلماء البيزنطيون يتخذون طريقهم إلى بريطانيا , إما أساتذة زائرين يلقون المحاضرات وينشرون من الدراسات الإنسانية ألواناً متعددة , وإما مهاجرين إلى إيطاليا للإقامة الدائمة . ومن ناحية أخرى كان الإيطاليون المنهومون بالعلم ينزحون إلى الدولة البيزنطية للتعمق في دراسة اللغة الإغريقية وآدابها وفنونها , ثم يعودون إلى بلادهم حملة المشاعل الفكرية .
ثامناً : طبيعة الشعب الإيطالي :
         اشتهر الشعب الإيطالي بميل طبيعي للحياة الفنية بكل صورها وأشكالها , وظهر هذا الميل في شغفة بإمتاع العين والأذن والنفس بالجمال الحسي والمعنوي وقد فتن بالموسيقى والرقص والأغاني والتصوير والنحت والعمارة والشعر وغير ذلك في أنواع الآداب والفنون . أما الحياة العسكرية والمعارك الحربية فقد باعد الشعب الإيطالي بينه وبينها , وعهد حكامها بها إلى جنود مرتزقة , كانت غالبيتهم من الألمان والسويسريين . وقد أوجدت هذا الميل الفني في الشعب الإيطالي ثم عمقته العوامل السابقة , وقد مقدمتها الرخاء الاقتصادي والحياة المرحة التي كانت تموج بها قصور الأمراء حكام المدن الإيطالية , والناس على دين ملوكهم أو أمرائهم , وجمال المناظر الطبيعية الخلابة التي تشتهر بها كثير من جهات إيطاليا , والمجد القديم الذي عاش في ظلاله إيطاليو عصر النهضة وروعة التراث الفني الذي خلفه لهم الرومان . وقد أدت هذه العوامل وغيرها مجتمعة إلى تفجير طاقات عقلية وفنية , وظهرت مواهب متفتحة نحو الفن أخذ الحكام الأمراء بيد أصحابها وأجزلوا لهم العطاء , ومن ثم برز الموهوبون الخلاقون المبدعون , عاشوا وأنتجوا في مجتمع حساس مرهف , وبلغت الحياة الفنية في إيطاليا بهذا الفيض المفرط من العبقرية الفنية مستوى رفيعاً لم تبلغه في غيرها من البلاد الأوربية .
تاسعاً : مقر البابوية :
         على الرغم من أن روما فقدت مركزها السياسي الرفيع كعاصمة للإمبراطورية الرومانية الغربية حين سقطت على يد أودوا كر Odoacet فإنها غدت في العصور الوسطى مقر البابوية وقبلة العالم المسيحي الغربي . وكان سقوط الإمبراطورية قد جعل من البابوية القوة الوحيدة القائمة التي التف حولها المسيحيون في الغرب طوال القرون التالية , ورأوا فيها الزعامة والسند الكفيل بحمايتهم الأمر الذي أضفى على شبه الجزيرة الإيطالية مكانة ممتازة لم تتوافر لغيرها من البلاد الأوربية , وهكذا كانت الزعامة الدينية للبابا عاملاً هاماً أكسب الإيطاليين شعوراً بنوع السيطرة الدينية على بقية أنحاء أوربا . وقد أصاب الإيطالييون كسباً آخر من الناحية المدية نتيجة وجود مقر البابوية في بلادهم إذ كانوا يظفرون بمعظم وظائف الكنيسة , وكانوا يتقاضون مرتبات ضخمة منها .
         وقد يتبادر إلى الذهن أن وجود مقر البابوية في روما يعتبر معوقاً يحول دون ازدهار النهضة في شبه الجزيرة الإيطالية بمقولة أن الكنيسة كانت تفرض قيوداً شديدة على حرية الفكر والرأي والتعبير , وأن الكنيسة أصبحت مثالاً صارخاً للجمود والتزمت , وكانت توجه اتهاماتها بالكفر إلى كل من تحدثه نفسه بالدعوة إلى التحرر الفكري . والواقع أنه كان من الممكن أن تقف البابوية موقف المعارضة من النهضة وتعمل على وأدها , لولا أنها تحولت في نهاية العصور الوسطى إلى ما يمكن تسميته ( إمارة علمانية ) ذات أطماع سياسية واسعة تعتمد على الغدر والنفاق وإشعال نار الحروب ابتغاء إخضاع أجزاء من شبه الجزيرة الإيطالية سياسياً للبابا([1]) , ومن ثم غدا البابا – بجانب صفته الدينية كرأس الكنيسة المسيحية الغربية – حاكماً دنيوياً لا يختلف عن الملوك والأمراء المعاصرين له : كانت له أقاليم يحكمها ويسيطر عليها بواسطة أجهزة حكومية تابعة له , دب في أوصالها الفساد من تفشي المحسوبية والرشا , وكان له بلط يعج بالموظفين وتفوح منه رائحة المجون والفسق إلى حد فاق ما كان يموج به بلاط الملوك والأمراء المعاصرين من تبذل وتهتك . وبينما كان المسيحيون في دول شمال أوربا يستهجنون انغماس البابوية وبلاطها في الملذات , كان الإيطاليون ينظرون إلى هذا الانحدار الخلقي الذي تردت فيه البابوية كأنه أمر عادي . وكان كل ما يثير اهتمام الإيطاليين هو استمرار بقاء المقر البابوي في روما كي تتدفق على بلادهم الأموال التي يجيء  بها من البلاد الأوربية مبعوثو البابوية . وكان البابوات ينفقون بعضها في النهوض بالعلم ونشر المعرفة بإنشاء المكتبات وشراء المخطوطات واقتناء الكتب وإقامة الأكاديميات وجميع الكنوز الفنية وتجميل مدينة روما نفسها بعد الإهمال الشديد الذي تعرضت له ردحاً طويلاً من الزمن منذ فترة الأسر البابلي في مدينة أفنيون Avignon الفرنسية([2]) وجعلها مركزاً للعلم والثقافة و ومن ثم أخذ البابوات ينافسون الأمراء الإيطاليين في تشجيع الآداب ورعاية الفنون , وكان الأدباء والفنانون يهرعون إلى بلاط البابا يطمعون في كرم العطاء . ويطلق على هؤلاء البابوات في التاريخ الأوربي الحديث اسم ( بابوات النهضة ) ويحتل البابا نيقولا الخامس صفحة مشرقة في تاريخهم الوضئ . انحدر من أب فقير كان يشتغل بدق أجراس الكنيسة , وأولع ابنه بالدراسات الإنسانية , ولما وقع عليه الاختيار ليشغل منصب البابا بسط رعايته على رجال الفنون والآداب , وأنشأ مكتبة الفاتيكان ذات الشهرة الواسعة . وبلغت رعاية بابوات النهضة للفنون الأوج حين شرع البابا ليو العاشر Leon X وهو من أسرة مدتشي كنيسة القديس بطرس .




هناك 20 تعليقًا:

  1. الشرح مفصل كلش حاولت الخصه بس هم هواي شكرا الجهودكم

    ردحذف
  2. من فضلكم تلخيص بعض العناصر فضلا و ليس أمرا

    ردحذف
  3. هذا صحيح هو كثير طويل

    ردحذف
  4. طويييل جدا لكن مقبول شك������������������������راااااااا على جهودكمممممممممم

    ردحذف
  5. طويل جدا انا حبيت اعرف العامل الأساسي و ليس كل العوامل؟ و شكرا

    ردحذف
  6. طويل ماهذا، أردت العامل الأساسي و ليس كل العوامل؟ و شكرا.

    ردحذف
  7. عاودت نفس التعليق ههههههه ماتجاوبوش عليا بليز

    ردحذف
  8. اهلاااا اا ادعولي عندي اختباررر

    ردحذف
  9. مقال ثري و رائع
    شكرا جزيلا لكم

    ردحذف
  10. كان تحضيري أفضل تحضير بفضلكم فشكرا جزيلا لكم على مجهوداتكم

    ردحذف