أسباب الميراث
السبب
في اللغة : ما يُتوصَّل به إلى غيره ، حسيَّاً كان أو معنوياً .
فمثال
الســبب الحســيّ : قـولـه تعالى : ) من كان يظنّ أن لن ينصره الله في
الـدنـيــــا والآخرة فليمـــــدد بســــــبب إلى الســماء ثمّ ليقطع فلينظر هل
يُذهبنَّ كيده ما يغيظ ( [الحج : 15] ؛ أي فليمدد بحبل .
ومثال
السبب المعنوي قوله تعالى عن ذي القرنين :) وآتيناه من كلِّ شيء سبباً ( [الكهف : 84] ؛ أي آتيناه من
كلّ شيء علماً ،
أو طريقاً يوصله إليه .
وفي
الاصطلاح : ما يلزم من وجوده الوجود ، ومن عدمه العدم لذاته .
مثال
على الإرث : الزوجية سبب من أسباب الإرث ، وهي أمرٌ خارج عن حقيقة الإرث ، ومع ذلك
فقد ربط الشارع الإرث بها وجوداً وعدماً ؛ فإذا وجدت الزوجية وجد الإرث بعد توفر
الشروط ، وانتفاء الموانع . وإذا انعدمت الزوجية ، فلا إرث .
وأسباب
الإرث تنقسم إلى قسمين :
قسمٌ
متفق عليه ؛ وهي ثلاثة : نكاح ، وولاء ، ونسب ، وقسمٌ مختلفٌ فيه ؛ وهو بيت المال
؛ إذ هو سبب رابع عند الإمام مالك .
أسباب
الميراث
سبب عام مختلف
فيه
أسباب خاصة متفق عليها
بيت مال
المسلمين
النسب الولاء النكاح
أولاً
ـ السبب الأول : النكاح :
النكاح
في اللغة هو : الضمّ .
يُقال
: تناكحت الأشجار ؛ إذا انضمّ بعضُها إلى بعض .
وشرعاً
: هو عقد الزوجية الصحيح ، وإن لم يحصل فيه خلوة ، أو وطء .
والزوجية
: هي علاقة بين الرجل والمرأة نشأت نتيجة عقد زواج صحيح قائم بينهما حقيقة ، أو
حكماً (كما في المعتدة) .
فقـولـنـا
: "عقد" ، يخرج به وطء الشبهة ؛ لأنّ الولد لا يرث ، وإن لحق بأبيه .
وقـولـنـا
: "زواج صحيح" ؛ للاحتراز عن النكاح الفاسد (وهو النكاح الذي اختلّ
شرطه) ؛ مثل نكاح زوجة الأب ، نكاح المتعة ، نكاح الشغار ، نكاح التحليل ، نكاح
أكثر من أربعة . فهذه متفق على فسادها .
أما
الأنكحة المختلف في فسادها : فهي متوقفة على تصحيح الحاكم .
والنكـاح
الباطل : هو النكاح الذي اختلّ ركنه ؛ كأن يكون بدون إذن الوليّ ، أو بدون شهود .
فالزوجان
يتوارثان ولو كانا في عدّة طلاق رجعيّ (أي بعد الطلقة الأولى أو الثانية) ؛ أي مـا
لم تخرج من العدّة . أما إذا وقع الطلاق البائن : فلا توارث بينهما ، إلا إذا
اتُّهِم أحدهما أنَّه تسبَّب بالطلاق لحرمان الآخر من الإرث ، فالمتسبِّب يحرم من
الإرث ، دون الآخر .
مسألة
: لو تزوَّج في مرض موته . هل يتمّ التوارث بين الزوجين ؟
الجواب
: العقد باطل عند المالكية . وهو صحيح عند الجمهور .
مسألة
هامة : لو طلَّق زوجته في مرض موته ، هل ترثه أم لا ؟
الجواب
: هذه المسألة اختلف فيها العلماء :
(1)-
فقـال الشافعي ومن تبعه : إذا طلقها بقصد الإضرار بها ، أو بدون قصد ؛ سواء ثبتت
التهمة عليه ، أو لم تثبت ، فلا توارث بينهما .
وهؤلاء
وقفوا عند القاعدة الأصلية ؛ وهي أنَّ البينونة قطعت الزوجية التي هي سبب الإرث .
وقولهم
مردود لأمرين :
=
أحدهما : مخالفته للإجماع ؛ حيث قضى عثمان بن عفان t بتوريث
تماضر بنت الأصبغ الكلبية من
عبدالرحمن بن عوف t ، وكان قد
طلقها في مرض موته ، فبتَّها .
واشتهر
هذا القضاء بين الصحابة ، ولم يُنكره أحدٌ منهم ، فصار كالإجماع .
=
الثاني : إنّ هذا المُطلِّق قصد قصداً فاسداً ، فعومل بنقيض قصده ، عملاً بقاعدة
سدّ الذرائع .
(2)-
الجمهور (أبو حنيفة ، مالك ، أحمد) : قالوا بتوريثها إذا طلقها بقصد الإضرار بها ،
معاقبة له بالضدّ .
ولكنَّهم
اختلفوا في ضابط المدة التي ترث بها :
=
فقال أبو حنيفة : المرأة ترث ما دامت في العدة .
=
وقال مالك : المرأة ترث ولو تزوَّجت بعده .
=
وقال أحمد : المرأة ترث ولو بعد انقضاء عدتها ، ما لم تتزوَّج .
ثانياً
ـ السبب الثاني : الولاء : (وهو قرابة حكمية) :
الولاء
في اللغة يُطلق على النصرة ، والقرابة ، والمُلك .
وشرعاً
: هو عصوبةٌ سببها نعمة السيِّد المعتق على عبده العتيق ؛ حيث أخرجه من الرق إلى
الحرية .
أو
هي قرابة حكمية أنشأها الشارع ، ناتجة عن عتق ، أو موالاة .
والدليل
على أنَّ الولاء عصوبة :
(1)-
قوله r : "الولاء لمن أعتق" .
(2)-
قوله r : "الولاء لحمة كلحمة النسب" .
فجعل
r الولاء كالنسب .
ووجــه
هــذا التشــبيه : أنَّ الرجـل كما أخـرج ابـنـه من حيّـز المعــدوم إلى حيز
الموجود ، كذلك نعمة المعتق أخرجت المملوك إلى حيز الحرية .
ملاحظــة
:
الميراث
في الـولاء من طـريق واحد ؛ وهو طريق العبد العتيق ؛ حيث يرثه سيده ، ولا يرث هو
سيّدَه . بخلاف أسباب الميراث الأخرى ؛ فإنَّها تُوجب الإرث من الجانبين .
والميراث
في الولاء عن طريق التعصيب ، وهو أضعف أنواع أسباب الميراث ؛ لأنَّ السيِّد لا يرث
عبده إلا بانعدام ورثة العبد .
س
: هل يرث السيد عبده بشروط ، أو بدون شروط ؟
ج
: بل يرث السيد عبده بشرط انعدام الورثة من جانب العبد .
من
يرث بالولاء :
لا
يرث بالولاء إلا المعتق الذي باشر العتق ، ثمّ عصبته المتعصبون بأنفسهم لا بغيرهم
، ولا مع غيرهم .
ففي
حال موت السيد (المعتق) ، تنتقل العصوبة إلى عصبة العتيق المتعصبين بأنفسهم ؛
كالابن مثلاً ، فإنَّه يرث عبدَ والده المعتَق . وأما البنت (ابنة السـيد) فإنَّها
لا ترث بالولاء لأنَّها لا تكون عصبة بنفسها ، وإنما مع الغير .
س
: هل يثبت الولاء على فرع العتيق ؟
ج
: كما يثبت الولاء على العتيق ، فإنه يثبت على فرعه ، بشرطين :
=
الأول : أن لا يكون أحد أبويه حرّ الأصل .
=
الثاني : أن لا يمسه رق لأحد .
ملاحظــة
:
المولود
يتبع أمَّه في الحرية والرق ، ويتبع خير أبويه في الدين وفي الولاء ، ويتبع أباه
في النسب .
ثالثاً
ـ السبب الثالث : النسب (القرابة الحقيقيَّة) :
النسب
في اللغة : القرابة ؛ وهي الاتصال بين إنسانين في ولادة ؛ قريبة كانت أو بعيدة .
فكلّ إنسان بينك وبينه صلة ولادة ؛ قربت أو بعدت ؛ من جهة الأب ، أو من جهة الأم ،
أو منهما معاً ، فهو قريبك .
والقرابة
ينقسمون إلى ثلاثة أقسام :
(1)-
الأصــول : وهـم أبو الميت ، وأبوه ، وإن علا بمحض الذكور . وأم الميت ، وكلّ جدة
تُدلي بوارث ، أو وارثة .
(2)-
الفروع : وهم أبناء الميت ، وأبناؤهم ، وإن نزلوا .
(3)-
الحواشي : وهم إخوة الميت ، وأخواته مطلقاً ، وأبناء إخوته الذكور لغير الأمّ ـ أي
أبناء الإخوة الأشقاء ، وأبناء الإخوة لأب ـ ، وأعمام الميت الأشقاء ، ولأب ، وإن
علوا ، وبنوا الأعمام ، وإن نزلوا .
ملاحظــة
:
الميراث
بالنسب أقوى الأسباب في الميراث للأمور التالية :
(1)-
سبق وجوده ؛ لأنَّ الشخص في وقت ولادته يكون ابناً ، أو أخاً ، ونحو ذلك ، بخلاف
النكاح والولاء فإنّ كلاً منهما طارئ .
(2)-
النسب لا يزول ، والنكاح قد يزول ، بأن يقع الطلاق مثلاً .
(3)-
النسب يحجب النكاح نقصاناً ، ويحجب الولاء حرماناً ، وهما لا يحجبانه .
(4)-
الإرث يتمّ فيه من جميع الطرق ؛ تارة بالفرض ، وتارة بالتعصيب ، وتارة بالفرض
والتعصيب . والنكاح إنما يورث به بالفرض فقط ، والولاء يورث به بالتعصيب فقط .
رابعاً
ـ السبب الرابع : بيت مال المسلمين :
وهو
سبب مختلف فيه بين العلماء . قال به البعض ، وعدُّوه سبباً من أسباب الإرث .
=
فالمالكية ـ وتبعهم بعض الشافعية ـ قالوا بإرث بيت المال ، سواء أكان منتظماً أو
غير منتظم . واستدلُّوا بقوله r : "أنا وارث من لا وارث له" .
والشافعية
في قولهم الآخر ـ وتبعهم بعض المالكية ـ قالوا بإرث بيت المال ، حال انتظامه فقط .
أما
الأحناف والحنابلة فقـالوا : بيت مال المسلمين ليس سبباً من أسباب الإرث مطلقاً ،
سواء أكان منتظماً أم غير منتظم . ومـن أجـل ذلك قالوا بتوريث ذوي الأرحام ؛
مستدلين بقوله تعالى : ) وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ( [خاتمة سورة الأنفال] .
مسألة
: هل يُتصوَّر اجتماع الأسباب الثلاثة (نكاح ،
وولاء ، ونسب) في شخص واحد ؟
الجواب
: نعم ، ومثاله : إذا اشترى شخص بنتَ عمِّه ، فأعتقها ، وتزوجها ، فقد اجتمعت فيه
الأسباب الثلاثة ؛ فهو زوجها ، وابن عمها ، ومولاها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق