الجمعة، 28 فبراير 2014

ادلة القاعدة قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح



أدلة القاعدة .
قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح فرع من فروع القاعدة الكبرى " لا ضرر و لا ضرار " .
Ø  أن  الله عز و جل بين علة حكم تحريم الخمر و الميسر أن فيهما منافع و مفاسد لكن مفاسدهما  أعظم من مصالحهما فقدم درء المفسدة على جلب المصلحة ،  يقول  محمد رشيد رضا  وهذا القول إرشاد للمؤمنين إلى طريق الاستدلال ، فكان عليهم أن يهتدوا منه إلى القاعدتين اللتين تقررتا بعد في الإسلام : قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وقاعدة ترجيح ارتكاب أخف الضررين إذا كان لا بد من أحدهما ، ولكن لم يهتد إلى ذلك جميعهم ، إذ ورد أن بعضهم ترك الخمر عند نزول الآية وبعضهم لم يترك كما تقدم[2] ، " أما منفعة الخمر فبالتجارة ونحوها، وأما منفعة الميسر فبما يأخذه القامر من المقمور وأما مفسدة الخمر فبإزالتها العقول، وما تحدثه من العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة. وأما مفسدة القمار فبإيقاع العداوة والبغضاء، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهذه مفاسد عظيمة لا نسبة إلى المنافع المذكورة إليها. وإن كانت المصلحة أعظم من المفسدة حصلنا المصلحة مع التزام المفسدة، وإن استوت المصالح والمفاسد فقد يتخير بينهما وقد يتوقف فيهما، وقد يقع الاختلاف في تفاوت المفاسد[3] .
 أن سب آلهة المشركين فيه المصالح و المفاسد ، لكن لما كانت المفاسد أعظم و هي سب الله تعالى كان قدم الله تعالى دفع المفسدة على جلب المصلحة " وفيها دليل على أن المحق قد يكف عن حق له إذا أدى إلى ضرر يكون في الدين[5] " ، " يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو الله لا إله إلا هو[6] " .
فقد منعنا من سب مايعبده المخالفون لنا من أوثان و أصنام ، احتراما لعواطفهم ليلا يحملهم سبنا لآلهتم على المساس بعواطفنا و سب إلاهنا الحق ، فشتم ما يدعو اليه غيرنا يؤدي إلى مفسدة و هو سب الالاه الكبير فوجب سد هاتيك المفسدة[7]
3 قد يحب المرء شيئًا لمصلحة، ولكن قد تكون وراءها مفسدة أشدّ منها وهو لا يعلم .
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكثر المسلمون، وقووا أمرهم الله تعالى بالقتال، وأخبر أنه مكروه للنفوس، لما فيه من التعب والمشقة، وحصول أنواع المخاوف والتعرض للمتالف، ومع هذا، فهو خير محض، لما فيه من الثواب العظيم، والتحرز من العقاب الأليم، والنصر على الأعداء والظفر بالغنائم، وغير ذلك، مما هو مرب، على ما فيه من الكراهة وذلك مثل القعود عن الجهاد لطلب الراحة، فإنه شر، لأنه يعقب الخذلان، وتسلط الأعداء على الإسلام وأهله، وحصول الذل والهوان، وفوات الأجر العظيم وحصول العقاب[9].
Ø    أدلتها من السنة النبوية :
1 - أخرج البخاري "عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : يا عائشة ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض وجعلت له بابين بابا شرقيا وبابا غربيا فبلغت به أساس إبراهيم "[10] ، يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح الحديث : " وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها اذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم لان النبي صلى الله عليه و سلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد ابراهيم صلى الله عليه و سلم مصلحة ولكن تعارضه مفسده أعظم منه وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة فيرون تغييرها عظيما فتركها صلى الله عليه و سلم "[11] و بنى على هذا أمور منها " فكر ولي الأمر في مصالح رعيته واجتنابه ما يخاف منه تولد ضرر عليهم في دين أو دنيا الا الأمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة الحدود ونحو ذلك"[12]
2- عن أبى هريرة عن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال « دعونى ما تركتكم ، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شىء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم »[13] ، قال الحافظ ابن حجر مبينا وجه الاستدلال من الحديث " واستدل بهذا الحديث على ان اعتناء الشرع بالمنهيات فوق اعتنائه بالمأمورات لأنه اطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بقدر الطاقة[14] .
3 -  جاء في الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن زوارات القبور[15] ، و وجه الاستدلال بالحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم نهى النساء عن زيارة رغم وجود منافع في زيارة القبور في ترقيق القلب و ذكر الآخرة و دمع العين و الدعاء للميت ، و ذلك لما يترتب في حقهن من مفاسد عظيمة و أعمال جاهلية ، قال ابن القيم : " و أما النساء، فإن هذه المصلحة ـ زيارة القبور ـ و إن كانت مطلوبة منهن ، لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص و العام ، من فتنة الأحياء و إيذاء الأموات ، و الفساد الذي لا سبيل إلى دفعه إلا بمنعهن منها ، أعظم مفسدة من مصلحة يسيرة تحصل يسيرة ، تحصل لهن بالزيارة ، و الشريعة مبناها على تحريم الفعل إذا كانت مفسدته أرجح من مصلحته ، و رجحان هذه المفسدة لا خفاء به ، فمنعهن من الزيارة من محاسن الشرع[16] "


[1] سورة البقرة الآية 217 .
[2] تفسير المنار ج 2/ 264 .
[3] قواعد الأحكام في مصالح الأنام  ج 1/ ص 136 .
[4] سورة :الأنعام ، آية : 109 .
[5] تفسير القرطبي ج 7/ 61 .
[6] تفسير القرآن العظيم لابن كثير  ج 3/314 .
[7] مقاصد الشريعة الاسلامية و مكارمها ، ص : 159 .
[8] سورة : البقرة ، الآية : 214 .
[9] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان  ص : 96 .
[10] صحيح البخاري ، كتاب الحج ، باب فضل مكة و بنيانها رقم 1483 ، صحيح مسلم ، كتاب الحج ، باب نقض الكعبة و بنائها ، رقم 3308 .
[11] المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي  ج 9/89 .
[12] نفسه
[13] صحيح البخاري ، كتاب الاعتصام بالكتاب ، باب الاقداء بسنن رسول الله ، رقم الحديث 7288 ؛ و مسلم في صحيحه كتاب الفضائل ، باب توقيره و ترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه رقم الحديث 6259 .
[14] فتح الباري 3/ 262 .
[15] مسند الإمام أحمد ج14 / 164 ، و الترمذي في سننه كتا الجنائز ، باب ماجاء في كراهية القبور للنساء ج3 / 371 وقال هذا حديث حسن صحيح .
[16] تهذيب السنن لابن القيم ، كتاب الجنائز، باب في زيارت النساء القبور ، ص 1553

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق