التعريف
بعلم الفرائض والمواريث
الفرائض
: جمع فريضة ؛ وهي مأخوذة من الفرض الذي له عدة معان لغوية ؛
منها
: التقدير ؛ كما في قوله تعالى : ) وقد فرضتم لهنّ فريضة فنصف ما
فرضتم( [البقرة : 137] ؛ أي قدَّرتم .
ومنها
: التبيين ؛ كما في قوله تعالى : ) قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم( [التحريم : 2] ؛ أي بيَّن .
ومنها
: التنزيل ؛ كما في قوله تعالى : ) إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك
إلى معاد( [القصص : 85] .
ومنها
الإحلال ؛ كما في قوله سبحانه : ) ما كان على النبيّ
من حرجٍ فيما
فرض الله له( [الأحزاب : 38] .
وهـذه
المعاني اللغوية كلّها موجودة في الميراث ؛ لأنّ سهام الوارثين فيه مقدَّرة ، قد
بيَّنها الله تعالى ، وأنزلها في كتابه ، وأحلَّها للوارثين .
والمواريث
: جمع ميراث .
ولفظ
ميراث في اللغة مصدر من : وَرِثَ يَرِثُ إِرْثاً وميراثاً .
وهويطلق
في اللغة على معنيين ؛ أحدهما : البقاء . ومنه اسم الله تعالى "الوارث"
؛ فإنّ معناه الباقي بعد فناء خلقه .
والمعنى
الثاني : انتقـال الشـيء من شخصٍ إلى شخصٍ آخر ، أو من قومٍ إلى قومٍ آخرين ،
حسياً كان ؛ كانتقــال المال إلى وارث موجود حقيقة ، أو حكماً ـ كانتقـالـه إلى
الحمل قبل ولادتـه ـ ؛ أو معنـويـاً ؛ كانتقال العلم والخلق . ومن ذلك قوله r : "العلماء ورثة الأنبياء" .
فهو
أعمّ من أن يكون بالمال ، أو بالعلم ، أو بالمجد والشرف .
والمراد
بعلم الفرائض ، أو علم المواريث في الشريعة الإسلامية :
التركة
التي خلَّفها الميت وورَّثَهــا غيرَه .
أو
استحقاق الإنسان لشيء بعد موت مالكه بسبب مخصوص وشروط مخصوصة .
أو
انتقال الملكية من الميت إلى ورثته الأحياء ، سواء كان المتروك مالاً ، أو عقاراً
، أو نحوه .
والميت
: مورِّث . وذاك الغير : وارث . والتركة : موروثة .
وعلم
المواريث : هو علمٌ بقواعد فقهية وحسابية ، يُتوصَّل بها إلى معرفة الحقوق
المتعلقة بالتركة ، ونصيب كل وارث منها . وهو علمٌ مستمدٌ من الكتاب والسنة
والإجماع .
خامساً
ـ أهمية علم الفرائض ومكانته في الإسلام
لعلم
الفرائض مكانةٌ خاصَّةٌ في الإسلام ؛ لما له من علاقة ظاهرة بكل فردٍ في المجتمع .
ومما
يدلّك على أهميته من كتاب الله تعالى : أنّ الله عزّ وجلّ تولّى تقدير الفرائض
بنفسه ، ولم يُفوَّض ذلك إلى أحدٍ من خلقه ، ووعد من أطاعه في هذه الحدود وتمشّى
فيها على ما حدَّه وفرضه جنَّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ، وتوعَّد من خالفه
وتعدَّى حدوده بأن يُدخله ناراً خالداً فيها وله عذابٌ مهينٌ .
وكذا
جاءت السنة المطهرة شارحة لأحكام الميراث ، ومبينة لفضله ؛ فقال r : "ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فهو
لأولى رجل ذكر" .
ولقد
رغَّب النبيّ r في تعلّم هذا العلم الشريف وتعليمه
؛ كيلا يجهل النّاس نظاماً شديد الصلة بحياتهم العائلية ، وعلائقهم المالية .
فقد
أخرج الإمام الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة t قال : قال
رسول الله r : "تعلَّموا القرآن والفرائض وعلِّموا النَّاس فإنِّي
مقبوض" .
وأخرج
الإمام ابن ماجه عن أبي هريرة نحوه ، وفيه قوله r : "يا أبا هريرة تعلَّموا الفرائض
وعلِّموها فإنه نصف العلم وهو يُنسى، وهو أول شيء يُنزع من أمَّتي" .
وأخرج
الإمامان أبو داود ، وابن ماجه في السنن من حديث عبدالله بن عمرو ابن العاص رضي
الله عنهما أنه قال : قال رسول الله r :
"العلم ثلاثة ، وما سوى ذلك فضل : آية محكمة ، أو سنة قائمة ، أو فريضة
عادلة" .
وأخرج
الإمام الدارمي في سننه من حديث عبدالله بن مَسْعُودٍ قال : قَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ
وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ
تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَعَلِّمُوهُ النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ
وَالْعِلْمُ سَيُقْبَضُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ حَتَّى يَخْتَلِفَ اثْنَانِ فِي
فَرِيضَةٍ لا يَجِدَانِ أَحَدًا يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا" .
ولعلّ
من الحكمة في الحثّ على تعلّمه : ما أشار إليه النبيّ r من كونـه
يُنسى ؛ إذ هو علمٌ توقيفيّ ، لا مجال
للرأي فيه ، فلا بُدّ من أخذه على طريق
التلقي .
ولقد
اهتمّ سلفُنا الصالح رحمهم الله تعالى بهذا العلم ، وحضُّوا على دراسته وتعلّمه :
فهذا
الفاروق عمر t يحثّ على تعلّم هذا العلم بقوله : "تعلَّموا
الفرائض فإنَّها من دينكم"
،
وبقوله : "تعلَّموا الفرائض واللَّحْنَ والسُّنَن كما تعلَّمون القرآن"
.
وكذا
حثَّ على تعلّمها عبدالله بن مسعود t بقوله :
"تعلَّموا الفرائض والطلاق والحجَّ فإنَّه من دينكم" ، وبقوله :
"تعلَّموا القرآن والفرائض ؛ فإنَّه يُوشِك أن يفتقر الرجلُ إلى علمٍ كان
يعلمه ، أو يبقى في قومٍ لا يعلمون" ، وبقوله : "من قرأ القرآن
فليتعلَّم الفرائض ، فإن لقيه أعرابي قال : يا مهاجر أتقرأ القرآن . فإن قال نعم ،
قال : تفرض . فإن قال نعم ، فهو زيادة وخير ، وإن قال لا ، قال : فما فضلك عليَّ يا
مهاجر" .
وكذا
أبو موسى الأشعري t حثَّ كما حثَّ غيره من الصحابة على
تعلّم الفرائض، وشبَّه من علم القرآن ولم يعلم الفرائض بالبرنس الذي لاوجه له ؛
فقال: "من علم القرآن ولم يعلم الفرائض فإنّ مثله مثل البرنس لا وجه له ، أو
ليس له وجه" .
وهذا
الحثّ والحضّ على تعلّم الفرائض ، كان ديدن السلف رحمهم الله تعالى جميعاً ؛ فقد
أخبر عنهم شيخ التابعين الإمام الحسن البصري رحمه الله أنَّهم "كانوا يُرغبون
في تعليم القرآن والفرائض والمناسك" .
وهذا
يدلّك على أهمية هذا العلم الشريف ومكانته .
وقـد
اشتهر من علماء الصحابة بالفرائض عددٌ كثيرٌ ، منهم : زيد بن ثابت ، وعبدالله بن
مسعود ، وعبدالله بن عبَّاس ، وعائشة ، وعثمانy .
وكان
المبرّز في هذا العلم منهم : زيد بن ثابت t ، الذي
شهد له رسول الله r بذلك بقوله : "أرحم أمتي أبو
بكر ، وأشدها في دين الله عمر ، وأصدقها حياء عثمان ، وأعلمها بالحلال والحرام
معاذ بن جبل ، وأقرؤها لكتاب الله أُبَيّ ، وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ، ولكل
أمة أمين ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح" ؛ فقد أخبر عليه الصلاة
والسلام أنّ زيداً t أعلم أمته بالفرائض .
وكذا
كانت الصديقة بنت الصديق ؛ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عالمةً بالفرائض ؛ فقد
سئل الإمام التابعي مسروق : أكانت عائشة تُحسن الفرائض ، فأجاب : "والذي لا
إله غيره ، لقد رأيت الأكابر من أصحاب محمدٍ r يسألونها
عن الفرائض" .
وجاء
الفقهاء من بعد عصر الصحابة ، وأولوا هذا العلم عناية فائقة ، بدت عند تدوين الفقه
الإسلامي ؛ إذ كان باب المواريث من أهم أبوابه وأدق مباحثه . وقد أفرده كثير من
المصنفين بمؤلفات مستقلة ، وجعلوه علماً مستقلاً ، وسموه "علم الميراث"
، و"علم الفرائض" ، وسمّوا العالم به : "فرضياً" .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق