الجمعة، 14 فبراير 2014

الماء في المغرب





يعتبر الماء موردا طبيعيا أساسيا للحياة ومادة ضرورية يرتكز عليها الجزء الأكبر من الأنشطة الاقتصادية للإنسان، كما أنه مورد نادر يتميز توفره بعدم الانتظام في الزمان والمكان، وهو أخيرا شديد التأثر بالانعكاسات السلبية للأنشطة البشرية.

إن ضروريات التنمية الاقتصادية والاجتماعية تفرض اللجوء إلى تهيئة الماء لتلبية حاجيات السكان التي تعرف تزايدا مستمرا. وغالبا ما تكون هذه الحاجيات متنافسة، بل وحتى متناقضة، الأمر الذي يجعل عملية تدبير الماء جد معقدة وتنفيذها صعبا. ولمواجهة هذه الوضعية،  كان من الضروري التوفر على أدوات قانونية ناجعة قصد تنظيم توزيع الموارد المائية ومراقبة استعمالها وكذا ضمان حمايتها والحفاظ عليها.

التشريع الحالي للمياه في المغرب :

تنظم استعمال الملك العام المائي قواعد قانونية ذات مصادر مختلفة، غير أن أول نص قانوني يخص الماء في المغرب يعود تاريخه إلى سنة 1914، ويتعلق الأمر بالظهير الشريف الصادر في 7 شعبان 1332             (فاتح يوليوز 1914) حول الأملاك العامة والمتمم بظهيرين شريفين صدرا سنة 1919 و1925 الذي يدمج جميع المياه مهما كان شكلها في الأملاك العامة المائية. ومن ثم لا يمكن لموارد المائية أن تكون موضوع تملك خاص باستثناء المياه التي اكتسبت عليها حقوق مائية. وقد صدرت بعد ذلك نصوص أخرى لمواجهة الحاجيات الجديدة التي ظهرت.

إن النصوص الأساسية المتعلقة بالماء تعود في مجموعها إذن إلى العقود الأولى من هذا القرن. ولقد أعدت تبعا للحاجيات والظروف، إلى درجة أن التشريع المغربي الحالي المتعلق بالماء يكتسي شكل مجموعة من النصوص المبعثرة التي تم تحيينها في مراحل وتواريخ مختلفة. إن هذا التشريع لم يعد اليوم ملائما للتنظيم العصري كما أنه لا يستجيب لضروريات التنمية الاجتماعية ولاقتصادية للبلاد.

وبالفعل، فإن الشروط الحالية لاستعمال الماء لم تعد هي تلك التي كانت سائدة في بداية القرن، حيث لم تكن الموارد المائية مطلوبة بنفس الإلحاح الذي يميز الوقت الراهن. وذلك بسبب قلة الطلب على الماء وضعف مردودية تقنيات التعبئة.

لهذه الأسباب جميعها، أصبحت مراجعة التشريع الحالي للمياه وتوحيده في قانون واحد ضرورية. وفي إطار هذه المراجعة، لا يقتصر قانون الماء على إعادة صياغة التشريع الجاري به العمل فقط، بل اهتم أساسا بتتميمه بإضافة أحكام تتعلق بميادين لم يتعرض لها من قبل من جهة، ومن جهة أخرى بتصفية النظام القانوني الخاص بموارد المياه.


إسهامات قانون الماء :


إن تنمية المراد المائية ينبغي أن تمكن من ضمان احتياط مائي كاف من حيث الكم والكيف لفائدة المستعملين، وذلك طبقا لتطلعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المتناسقة ولتوجيهات تصاميم إعداد التراب الوطني وللإمكانيات التي وفرتها الطاقات المائية المتاحة بهدف تهيئتها، وذلك بأقل تكلفة.

يسعى هذا القانون إلى إقرار سياسة وطنية مائية مبنية على نظرة مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار تطور الموارد المائية من جهة، والحاجيات الوطنية من جهة أخرى متضمنا تدابير قانونية ترمي إلى ترشيد استعمال الماء، وتعميم الاستفادة منه، وتضامن الجهات، وتدارك الفوارق بين المدن والبوادي في إطار برامج تهدف إلى تحقيق الأمن المائي على مستوى مجموع تراب المملكة.

كما سيساهم بشكل فعال في خلق الإطار الملائم للشراكة بين الإدارة والجماعات القروية بغية الإسراع في تدارك الفوارق بين المدن والبادية في إيصال الماء الصالح للشرب.

في هذا الصدد، يشكل قانون الماء الأساس القانوني لسياسة الماء في البلاد، بحيث يرمي إلى تحقيق الأهداف التالية :

*     تخطيط منسجم ومرن لاستعمال الموارد المائية سواء على مستوى الحوض المائي أو على المستوى الوطني،
*    تعبئة قصوى وتسيير معقلن لكل الموارد المائية أخذا بالاعتبار أنظمة الأسبقية المحددة في المخطط الوطني للماء،
*    تدبير الموارد المائية في إطار وحدة جغرافية هي الحوض المائي، الشيء الذي يعتبر ابتكارا مهما من شأنه خلق وتطبيق تصور حول تدبير لامركزي للماء. وفعلا، يشكل الحوض المائي المجال الجغرافي الطبيعي الأمثل لضبط وحل المشاكل المتعلقة بتدبير موارد المياه، وكذا لتحقيق تضامن جهوي فعلي بين مستعملي مورد مائي مشترك،
*    حماية كمية ونوعية للأملاك العامة المائية في مجموعها والحفاظ عليها،
*    إدارة ملائمة للماء تمكن من التوصل إلى تصور واستعمال ومراقبة العمليات المذكورة، وذلك بإشراك السلطات العمومية والمستعملين في اتخاذ كل قرار متعلق بالماء.

كما أن هذا القانون يهدف كذلك إلى الرفع من قيمة الموارد المائية ومن مردودية الاستثمارات الخاصة بالماء أخذا بعين الاعتبار المصالح الاقتصادية والاجتماعية للسكان من خلال الحفاظ على الحقوق المكتسبة.



ولبلوغ هذه الأهداف وتدعيم الإطار المؤسسي الموجود في مجال تدبير الماء، أحدث قانون الماء وكالات الأحواض، وهي مؤسسات عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي. وتتمثل مهمتها في تقييم وتخطيط وتدبير موارد المياه على صعيد الأحواض المائية. ويمكن لهذه الوكالات منح قروض ومساعدات وإعانات لكل شخص يقوم باستثمارات لتهيئة الموارد المائية أو المحافظة عليها. وتتشكل مواردها من الإتاوات المستحقة عن استعمالات الماء، ومن القروض ومن المعونات ومن الهبات ... وهكذا، وبفضل المرونة في التسيير واتخاذ القرارات المتاحة لوكالات الأحواض، يمكن لكافة مستعملي الماء في الحوض الواحد الاستفادة من الدعم المالي والمساعدة التقنية اللازمة لهم لإنجاز العمليات المتعلقة باستغلال الملك العمومي المائي.

ويرتكز قانون الماء على عدد من المبادئ الأساسية  الناتجة عن الأهداف السالفة الذكر. ويتعلق الأمر بما يلي :

*     الملكية العامة للمياه : حسب هذا المبدأ الذي وضع بظهيري 1914 و1919، فإن كل المياه تشكل جزءا من الأملاك العامة باستثناء الحقوق المكتسبة على هذه المياه، والمعترف بها. غير أن ضرورة الاستثمار الأقصى للموارد المائية الذي تفرضه ندرتها قد جعل القانون يحد من ملكية هذه الحقوق، بحيث أنه لا يحق لمالكي الحقوق على المياه وحدها أو على مياه لا يستعملونها إلا جزئيا تفويتها إلا لمالكي العقارات الفلاحية،
*    وضع تخطيط لتهيئة الموارد المائية وتوزيعها ينبني على تشاور موسع بين المستعملين والسلطات العمومية،
*    حماية صحة الإنسان بواسطة تقنين استغلال وتوزيع وبيع المياه المخصصة للاستعمال الغذائي،
*    تقنين الأنشطة التي من شأنها أن تلوث الموارد المائية،
*    التوزيع العقلاني للموارد المائية في فترة الجفاف للتخفيف من آثار النقص،
*    الرفع من المردودية الزراعية بفضل تحسين شروط تهيئة واستعمال المياه المخصصة للاستعمال الفلاحي،
*    وضع جزاءات وإحداث شرطة للمياه لزجر كل استغلال غير مشروع للماء أو كل فعل من شأنه أن يفسد جودته.

ومن مميزات هذا القانون أيضا، أنه سيساهم في تحسين الوضع البيئي للموارد المائية الوطنية، حيث سيكون أداة فعالة لمحاربة تلوث المياه علما بأن تحقيق هذا الهدف يتطلب عملا تشريعيا إضافيا في مجال تدبير الشواطئ وتقنين استعمال الموارد الكيماوية المستعملة في الأنشطة الاقتصادية الإنتاجية.

إن قانون الماء سيمكن من وضع قواعد جديدة لاستعمال الماء تتلاءم والظروف الاقتصادية والاجتماعية للمغرب  المعاصر. وسيرسي الأسس لتدبير ناجع في المستقبل، وذلك لرفع التحديات المرتقبة لضمان تزويد البلاد. كما أن هذا القانون الجديد سيسمح باستثمار الجهود الكبيرة المبذولة من أجل تعبئة واستعمال الماء وجعلها ملائمة لتطلعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمغرب القرن الواحد والعشرين.

الباب الأول 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق